1-2
في ربيع 2014 فجر أربعة من الانتحاريين أنفسهم وسط العاصمة بغداد، المفاجأة التي تناقلتها وكالات الأنباء في ذلك اليوم، أن الشباب الأربعة الذين تراوحت أعمارهم بين بداية وأواسط العشرين، كانوا قدموا من المانيا، وهم أصلاً مواطنون ألمان، ليس بسبب حيازتهم الجنسية وحسب، بل كانوا من أب وأم ألمانيين، "بيو(من بيولوجي)" ألمان كما يحلو للبعض تصنيفهم، دون "ميغريسيون هينترغروند"، كما هو الاصطلاح الشائع الذي يُطلق على أبناء المهاجرين، "الشبّان بخلفية مهاجرة"، في الإعلام الرسمي وفي أواسط الأخصائيين (وما أكثر الأخصائيين هؤلاء!)، في ذلك الوقت عبَّر العديد من الناس في العراق عن دهشتهم، ومنهم أختي التي تسكن عندي في أطراف العاصمة بغداد. وإلا كيف عليها هي التي عندها ثلاثة أولاد، أكبرهم دخل الجامعة هذا العام، والتي تحلم بأن ترسلهم للدراسة في أوروبا، كيف عليها أن تفهم، أن أوروبا هذه التي هي بالنسبة لها منارة للعلم والأنوار، ترسل أربعة شباب انتحاريين، لكي يقتلوا عن طريق سياراتهم المفخخة أكبر عدد ممكن من العراقيين بسبب أصلهم المذهبي لا غير: أنهم شيعة؟ من الصعب عليها تصديق ما حدث، ذلك ما قالته لي في اتصال تلفوني معي، "هلا فسرت لي ذلك، أنت الذي يعيش منذ أكثر من ثلاثين عاماً في المانيا"، "ولا أنا أفهم"، قلت لها، لكي لا أجيبها بما فكرت به في اللحظة ذاتها، لكنني احتفظت به لنفسي. أردت أن أقول لها: "فعلوا ذلك بسبب الملل، (في اللغة الالمانية: دي لانغفايله)"، لكنني عدلت، ضحكت مع نفسي، لأنها بالتأكيد ستفهم إجابتي على أنها دعابة مني. لا غير.
ما حدث آنذاك، كان المقدمة لما سيكون أمراً عادياً بعد حين، فمنذ 29 يونيو/حزيران 2014، تاريخ احتلال جماعة داعش الموصل، وتأسيسهم ما سيُطلق عليه لاحقاً دولة الخلافة "الدولة الإسلامية"، وتنصيب أحد قادتهم، العراقي إبراهيم عواد السامرائي، الملقب بأبي بكر البغدادي، خليفة لهم، أصبح منظر رؤية الإنتحاريين الأجانب "البيولوجيين" منظراً مألوفاً. بالتوازي مع هجرة المئات من الشباب والشابات القادمين من عائلات مسلمة الأصول، هاجر للقتال ولمحاربة "الكفار" العشرات من الشابات والشباب الأوروبيي الأصل، بعضهم لم يتحول إلى الإسلام إلا قبل فترة قليلة من هجرته، والبعض الآخر، لم يملك الوقت الكافي حتى ولو لتعلم الصلاة، أحد أركان الإسلام الخمسة التي تشترط على المسلم تنفيذها. بل أن القسم الأكبر من هؤلاء المهاجرين "الأمميين"، لم يكن دخل مسجداً في حياته، معرفته بالإسلام حصل عليها عن طريق الإنترنيت. وعلى مدى العامين الماضيين من احتلال داعش لمدينة الموصل في العراق، تنامى عدد الإرهابيين الأوروبيين، وتنامى معهم الإرهاب، كأن هناك حركة تنافس بدأت بين الإرهابيين القادمين من أصول إسلامية ورفاقهم من الإرهابيين "البيولوجي أوربيين"، صحيح أن الاثنين نشآ، ترعرعا، وتلقيا تربية عامة مشتركة، على الأقل، هذا ما تحاول أن تمنحنا إياه السياسية الرسمية لدول أوروبا، صحيح أنهما يشتركان بالهدف، والذي هو قتل أو إبادة أكبر عدد ممكن من "الكفار"، من كل أولئك الذين يخالفون آراءهم وتفسيراتهم للدين من المدنيين والعسكريين ويصفونهم بالردة والشرك والنفاق، يستحلون دماءهم ويستبيحون سبيَ نسائهم، إلا أن هناك فارقاً بين دوافع الاثنين، للجوئهم للإرهاب والقتل. بالتوازي من هجرة هؤلاء الشباب تنامت هجرة معاكسة باتجاه أوروبا، عدد المهاجرين الشباب القادمين من المناطق التي دخلها الداعشيون أو تلك المناطق المتاخمة لها التي تشعر بتهديد من داعش تصاعد بشكل ملفت للنظر في السنتين الأخيرتين، ناهيك عن هروب أعداد من المقاتلين على جبهات دحر داعش، أولئك الشباب الذين من غير المهم عددهم، أولئك الذين ليس من دون حق شعروا باليأس وقرروا الفرار إلى أوروبا، يقاتلون على خطوط التماس في محافظة الأنبار والموصل، على أخطر الجبهات، وهم يعرفون، أنهم من ناحية: مقبولون على مضض إن لا يكونوا مرفوضين من قبل السكان الذين جاءوا لتحريرهم، ومن الناحية الأخرى، يرون بأعينهم حالات الفساد والرشوة عند قادتهم القابعين في المنطقة الخضراء، في الوقت الذي لم يتسلموا هم ومنذ شهور رواتبهم.
يتبع
* مدخل المحاضرات الثلاث التي سيلقيها الكاتب في هذا الشهر في أكاديمية مدينة غراتس النمساوية
في رأس الإرهاب*
[post-views]
نشر في: 5 إبريل, 2016: 09:01 م