الإماراتي ماجد الأنصاري يقدم حكاية زنزانة يمكن ان نتصورها في أي بلد عربي ، يكون القانون مخترقاً فيه . لم يعد الحراك السينمائي الاماراتي يقتصر على الافلام القصيرة وإقامة المهرجانات السينمائية ، بل تعداها هذه المرة ليدخل ومن خلال المخرج الشاب ما
الإماراتي ماجد الأنصاري يقدم حكاية زنزانة يمكن ان نتصورها في أي بلد عربي ، يكون القانون مخترقاً فيه . لم يعد الحراك السينمائي الاماراتي يقتصر على الافلام القصيرة وإقامة المهرجانات السينمائية ، بل تعداها هذه المرة ليدخل ومن خلال المخرج الشاب ماجد الانصاري وفيلمه الشيق "زنزانة" ، عالم الافلام الروائية الطويلة ، معلنا بدء المراهنة على جيل من الشباب الاماراتي المدرب والواعي بخفايا الصنعة السينمائية .
العنوان
"زنزانة" هو عنوان فيلم الأنصاري ، وهو عنوان مباشر ، اذا أردنا تأويله ، فهو يشير الى ان زنزانة السجن في البلاد العربية متشابهة ، ويمكن للحكاية التي تحصل في كل البلدان التي يمكن اختراق سجونها والعبث بأمنها بسهولة ، واعتقد ان رفع "أل التعريف" عن "زنزانة" فيه هذه القصدية التي أرادها الفلم .
الحكاية
زنزانة في سجن يقبع فيها اثنان ، احدهما طلال "صالح بكري" الذي لا يتذكر ما هو سبب وجوده في الزنزانة ، فقط يعرف انه تشاجر مع شخص اخر ، نتيجة سكره الشديد وخلافه مع زوجته ، يخرج السجين بكفالة ـ ويبقى هو لأنه فقد هويته الشخصية اثناء المشاجرة ، يحاول الاتصال بزوجته التي انفصل عنها ، لكنها لا تستجيب ، لذلك يجب ارساله الى القاضي ليبت في امره ، كما يخبره ضابط الشرطة المشرف على المركز ، يدخل ضابط اخرهو دبان "علي سليمان" ، في زيارة للسجن وبلحظة خاطفة يقوم بقتل ضابط المركز بعد ان يغرز سكينا في رقبته ، ويسحبه ليضعه في حمام المركز ، وسط دهشة وخوف طلال ، ليبدأ الضابط القاتل بتهديد طلال ، وانه يعرف زوجته وابنه وممكن ان يؤذيهما ، ويتصل بشرطية ساذجة تعمل في المركز ، ويبدأ بمغازلتها رغم وزنها الثقيل ـ وعدم امتلاكها ما يستحق المغازلة ، يتيقن طلال انه امام محنة كبيرة لا يعرف كيف يتخلص منها ، خصوصا وان خصمه الان هو شخص مضطرب عقليا ، يعود السجين الذي خرج ليكفل طلال ويسأل عن الضابط السابق فتكون النتيجة قتله هو الاخر ووضعه مع القتيل في ذات الحمام .
نعرف فيما بعد ان الضابط المزيف دبان ، لديه اخ محكوم بالاعدام وسيصل الليلة لينفذ فيه الحكم صباحا ، ويحاول انقاذه من الاعدام مهما كلف الامر ، تمر الليلة على طلال كأطول ليلة في حياته ، واكثرها رعبا ، الحوار الذي يدور بين دبان وطلال هو الذي يملأ وقت الفيلم ، وهو حوار مكتوب بعناية ، يفصح عن العمق النفسي المضطرب الذي يعيشه الاثنان ، يصل الاخ الذي يفترض ان يعدم ويحاول الضابط دبان انقاذه وينجح في ذلك ، لكن سلوك الاخ لا يشبه سلوك وانحراف اخيه الضابط ، يحاول الضابط قتل طلال ، بعد ان سجن ولده معه عندما اتى الى زيارته ، وايغالا في ايذائه ، يعطيه قنينة خمر ، لكن طلال يستخدم الخمر لحرق الضابط ، بلعبة قديمة وهي نفخ الخمر على ولاعة سبق ان حصل عليها من الشرطية التي كانت في السجن وينجح في ذلك ، يدخل اخو الضابط ، يصيب طلال برصاصة ويقتل اخاه ليخلصه من الم الحرق ، تحضر الزوجة وتشاهد ما جرى يموت طلال بين يدي زوجته وابنه ، ويموت الضابط حرقا.
الاشتغال
يحسب للمخرج ماجد الانصاري اختياره لسيناريو وحكاية الفيلم ، باعتبارهما تحديا كبيرا لقدرة اي مخرج ، فالمكان واحد لا يتغير الا ما ندر ، والحكاية ببعديها النفسي والاجتماعي ، والشخصيات المركبة ، خصوصا الضابط دبان ، هو تحد كبير لمخرج يبدأ اولى خطواته في اخراج فيلم روائي طويل .
لم يدخر الانصاري جهدا في رسم شخصياته وحركتها داخل المكان الضيق زنانة السجن ، حركة كاميرته وتنوع لقطاته كانا متناغمين مع الحوار ، وكان رسم المكان " الحدث " قريبا من شكل الزنزانة الامريكية افلام الكابوي ، حيث تتوسط الزنزانة السجن ، وهو على غير المألوف في مراكز الشرطة العربية ، لكن هذا الاختيار ساعده كثيرا في السيطرة على حركة ممثليه ، وعم اضطراره الى الانتقال الى اماكن اخرى ، كالمكاتب مثلا.
رغم براعته في اداء دوره الا ان الممثل علي سليمان ، كان يبدو ممثلا مسرحيا اكثر منه سينمائيا في الكثير من الاحيان ، وكان بالامكان تجاوز ذلك من خلال الاشتغال على اللقطات القريبة على وجه الممثل لبيان قسوته وشذوذه العقلي ، بدلا من الحركات المسرحية "مشهد القفز على قضبان الزنزانة" .
ردود فعل طلال "صالح بكري" لم تكن بذات المستوى على طول خط الفيلم ، خصوصا في مشهد سجن ابنه ، وبدا في معظم المشاهد كأنه مخدر ، ولا ادري هل كان ذلك بتوجيه من المخرج ، باعتبار انه مدمن كحول .
لم تخرج الكاميرا من المكان الا قليلا ، وهو امر متعب للمشاهد ، لكن قوة الاداء وحالة الترقب لمعرفة النهاية التي عاشها المشاهد ، اسهمت كثيرا في تجاوز حالة الملل ، وهو ما يحسب للفيلم وكادره .
السيناريو كتب بحرفية عالية ، ليرسم لمخرج العمل الخطى الصحيحة لكيفية التعامل مع عناصر اللغة السينمائية ، وتوظيفها ضمن دلالتها النفسية بما يؤثر في المتلقي ، فكان عامل التشويق هو النتاج الذي ساهم في نجاح الفيلم وتقبل الجمهور له .
كذلك كان المونتاج وهو روح العمل كما يصفه منظرو السينما الكبار ، العامل المهم في اخراج الصورة النهائية للفيلم ، واعتقد ان شهناز دليمي ، قد قرأت السيناريو بدقة قبل الشروع بمشاهدة الفيلم والعمل على منتجته ، لان المونتاج جاء متناغما مع حدة الحوار التي تتصاعد بين الضابط دبان والسجين طلال ، ووفق هذا التناغم ، جاءت الاثارة المطلوبة .
تأويل النص المرئي
رغم بساطة الحكاية وعدم وجود لغز محير فيها ، إلا ان النص المرئي لفيلم "الزنزانة" لايمكن ان ينأى عن التأويل ، ابتداءً من اختيار المخرج لممثليه من بلدان عربية مختلفة ، وتعمده بقاء كل ممثل على لهجته التي يتحدث فيها في بلده ، الامر الذي يمكن ان يؤوّل بأن مثل هكذا زنزانة يمكن ان تكون موجودة في اي بلد عربي ، خصوصا تلك البلدان التي يخترق فيها القانون يوميا .
الزنزانة بحد ذاتها لها دلالتها الخاصة ، فهي المكان الذي تصادر فيه الحريات ، وليست بالضرورة مكانا لحجز المجرمين ومعاقبتهم ، غياب الفهم الواعي للعلاقة الاجتماعية بين الرجل والمرأة ، وقناعة الرجل بأنه صاحب الحق دائما ، وان الزوجة لا يحق لها ان تحتج او تنتفض على سوء معاملتها ، مهما كانت درجة السوء ، هي الرسالة غير المباشرة التي طرحها الفيلم ، من خلال معرفتنا بعلاقة طلال مع زوجته وتهديده لها . وهي رسالة ادانة لتسلط الرجل الشرقي.