في عقد الخمسينات من القرن الماضي شكل ظهور التلفزيون تهديدا للسينما التي باتت بحاجة لتجديد حيويتها وهو ماظهر من خلال نمط الموسيقى التي قدمها المؤلف الموسيقي ديمتري تيومكين لفيلم (منتصف النهار) 1952 حيث رافقت مقدمة الفيلم اغنية ملائمة لأجوائه وأحداثه و

في عقد الخمسينات من القرن الماضي شكل ظهور التلفزيون تهديدا للسينما التي باتت بحاجة لتجديد حيويتها وهو ماظهر من خلال نمط الموسيقى التي قدمها المؤلف الموسيقي ديمتري تيومكين لفيلم (منتصف النهار) 1952 حيث رافقت مقدمة الفيلم اغنية ملائمة لأجوائه وأحداثه والتي ظلت تتردد طوال دقائق العرض ليكافأ بجائزتي اوسكار واحدة لأفضل اغنية والثانية لأفضل موسيقى تصويرية،ومن اشهر اعماله موسيقى افلام (انها حياة رائعة)1946 تحفة المخرج فرانك كابرا،(بنادق نافرون) 1961.

شكلت بداية الستينات في القرن العشرين مفتتحا لدخول الاغاني ضمن اجواء الفيلم والتأثير فيه بعد النجاح الكبير الذي حققته اغنية (نهر القمر) في الشريط السينمائي (فطور عند تيفاني) 1961 والذي وضع موسيقاه هنري مانسيني ،وبلغ من عشق الجمهور لهذا النمط الموسيقي ان الاغنية حين طُرحت في الاسواق بيع منها مليون نسخة وهو رقم قياسي انذاك،شكل هذا الامر منفذا تجاريا لشركات الانتاج يدر عليها ارباحا طائلة ما فسح المجال لدخول مشاهير الغناء وقتها لعالم السينما أمثال الفيس بريسلي وكليف ريتشارد،لتمثل هذه المرحلة بطغيان موجة الافلام الموسيقية الغنائية اشهرها فيلمين حازا على خمسة جوائز اوسكار هما فيلم (ماري بوبنز) 1964 وفيلم (صوت الموسيقى) 1965،استمرت هذه النوعية حتى نهاية عقد السبعينات حيث اصبح المؤلف الموسيقي يحظى بأهمية كبيرة على مستوى كادر العمل السينمائي بموازاة المخرج والمؤلف،فظهرت مقطوعات موسيقية سينمائية تجاوزت حدودها ضمن اطار الفيلم الى كونها ثيمة موسيقية يعشق الجمهور الاستماع اليها مهما تقادمت السنين وهو مايثبت مستوى الابداع المذهل الذي جاءت به،فشكلت موسيقى سلسلة افلام جيمس بوند للمؤلف الموسيقي الكبير جون باري ابتدأها مع فيلم (انت تعيش مرتين) 1967 احد النماذج وله ايضا موسيقى افلام رائعة مثل (الاسد في الشتاء) 1968،(خارج افريقيا) 1985،(الراقص مع الذئاب) 1990،كما شاطرها الحال موسيقى الفيلم الشهير (العراب) 1972 للموسيقار الايطالي نينو روتا الحائز على جائزة الاوسكار عام 1974 عن الجزء الثاني من الفيلم.
كان لظهور الموسيقى الالكترونية مع بداية الثمانينات اثر كبير في اعطاء الموسيقى المصنوعة للسينما شكلا جديدا حيث منح التقدم التكنلوجي للاجهزة الموسيقية كما كبيرا من الاصوات والايقاعات ضمن جهاز واحد،مما ابرز جيلاً جديداً من المؤلفين الموسيقيين يقف على رأسه الموسيقار الامريكي المبدع جون ويليامز الذي وضع الموسيقى التصويرية لسلسلة افلام حرب النجوم للمخرج جورج لوكاس فيما لم يجد المخرج ستيفن سبلبيرغ احدا يصوغ افكاره ويقدمها لترافق احداث افلامه مثل مايرغب افضل منه ليشكلا ثنائيا قدم للعالم اعمالا سينمائية رائعة ابتداء من (إي تي) 1982 وحتى اخر افلام سبيلبيرغ (لينكولن) 2012،ويكفي ان نعلم ان ويليامز المولود عام 1932 نال حتى الان 85 جائزة و 145 ترشيحا فيها 41 ترشيحاً لجائزة الاوسكار فاز في خمسة منها .
مثل عقد التسعينات من القرن الماضي وحتى وقتنا الحاضر استمرارا وتطويرا للموسيقى المعتمدة على احدث الابتكارات التقنية في هذا المجال حيث برز فيها موسيقيون اصبحوا علامات مميزة لهذا النوع اشهرهم المؤلف الموسيقي هانز زيمر الذي تمتاز موسيقاه بديناميكية تتفجر طاقة اكسبها ايقاعا قويا مفعما بالنشاط والحيوية ومن ابرز اعماله موسيقى فيلم (رجل المطر) 1988،فيلم (الملك الاسد) 1994،فيلم (خيط رفيع احمر) 1998،فيلم (قراصنة الكاريبي) 2003.وعلى عكس زيمر اختار جيمس هورنر احد عباقرة الموسيقى التصويرية المعاصرين ثيمة عاطفية شغوفة بحضور ملائكي من خلال مرتكزات نغمية تجتاح المشاعر والاحاسيس ،ومن اشهر اعماله موسيقى فيلم (قلب شجاع) 1995،فيلم (تيتانك) 1997،فيلم (افاتار) 2009 .
انتجت السينما كماً هائلا من الافلام على طول تاريخها الطويل لكن هناك اعدادا محدودة لازلنا نتذكرها بفضل التكامل الفني الذي حفلت به وخصوصا الموسيقى التي ابدعها مؤلفون ابرزوا مواهبهم العالية في صياغة الموسيقى التصويرية،ومنهم مثلا لاحصرا الموسيقار الروسي سيرجي بروكوفيف في فيلم (ايفان الرهيب) بجزءيه للمخرج الكبير ايزنشتاين وفيلم (سندريلا) للمخرجين الكسندر رو ورستسلاف زاخاروف.والمؤلف الموسيقي الياباني ماسارو ساتو والذي شكل تعاونه مع المخرج الياباني الكبير كوراساوا علامة مميزة لعدد من افلامه،منها (اعيش في خوف) 1955،(عرش الدم) 1957،(يوجمبو) 1961.والموسيقار موريس جار صاحب المقطوعات الموسيقية الرائعة مثل موسيقى افلام (لورنس العرب) 1962،(دكتور زيفاغو) 1965،(الرسالة) 1977.وايضا المؤلف الموسيقي الايطالي أنيو موريكوني والذي شكلت موسيقاه بصمة واضحة في تاريخ السينما من خلال لمسة التفرد التي اتسمت بها ،ومن ابرز اعماله موسيقى فيلم (حدث ذات مرة في الغرب) 1968،فيلم (حدث ذات مرة في امريكا) 1984 ،فيلم (المحصنون) 1987 .
يقول رائد تيار التعبيرية في الموسيقى ارنولد شونبرغ ((ان الموسيقى تحمل رسائل نبوئية ،لها معان سامية تتجاوز الحياة)).مما لاشك فيه ان على المؤلف الموسيقي المعاصر الالمام ليس فقط بنظرية الموسيقى والتأليف والمعرفة الواسعة للتقاليد الكلاسيكية للاوركسترا الغربية وللافلام،بل يجب ان يمتلك ايضا أذنا حريصة على التواصل مع التغييرات الموسيقية المعاصرة واجوائها الالكترونية،ولكن الأهم من ذلك كله ان يكون بالأساس مدركا وفاهما لدور الموسيقى في السينما.ان الموسيقيين والمخرجين السينمائيين على حد سواء والمدركين بشكل بديهي للشكل الفني الذي يرغبونه،تكون لديهم الوسيلة للاستفادة بشكل اكبر من غموض واسرار التصور،الحركة،الذاكرة وكيفية الربط فيما بين هذه العناصر.هناك تشابه صارخ بين الموسيقى والسينما، بوسع المرء القول ان السينما هي نوع من التعبير الموسيقي، او ان الموسيقى تحمل سمات حركة الصورة السينمائية.