اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > الحاضرة في العراق.. مدن بلا أسواق

الحاضرة في العراق.. مدن بلا أسواق

نشر في: 9 إبريل, 2016: 12:01 ص

وليكن بدء الحديث هنا هذا السؤال... تخيلوا مدينة بلا أسواق! فما الذي يمكن أن يشكل قلب المدينة ومركزها؟ وما هو الجزء الحيوي من نسيج المدينة ان لم تكن أسواقها؟ وهل تعدل متعة التسوق متعة أخرى ، وبالخصوص للمرأة؟تشكل الاسواق في المدينة المعاصرة جزءا ً حيوي

وليكن بدء الحديث هنا هذا السؤال... تخيلوا مدينة بلا أسواق! فما الذي يمكن أن يشكل قلب المدينة ومركزها؟ وما هو الجزء الحيوي من نسيج المدينة ان لم تكن أسواقها؟ وهل تعدل متعة التسوق متعة أخرى ، وبالخصوص للمرأة؟

تشكل الاسواق في المدينة المعاصرة جزءا ً حيويا ً وأساسيا ً من هيكلها الحضري Urban Structure ، وغالبا ً ماتقع أو يتم توقيعها في أهم قطاعات المدينة وأكثرها حيوية وأعلاها قيمة أقتصادية وأقربها مسافة ً الى قطاعات المدينة الاخرى، وربما تشكل الاسواق البؤرة المركزية التي يبدأ منها المخطط الحضري عمليات ومراحل التخطيط ثم تشكل بقية شبكة المدينة  City Network حولها. على أن هناك توجهات Trends أخرى ظهرت في بدايات القرن المنصرم تعتمد أخراج الاسواق المستحدثة وخاصة حين تكون بمقاييس كبيرة ومتطلبات جديدة متعددة الى خارج المدينة للحصول على ميزات معينة كمساحات مواقف السيارات الواسعة Car Park & Car Port  ولتجنب مشاكل تخطيطية أخرى كمشكلة المرور High Traffic ، وغالبا ً ماتكون علي شكل مراكز للتسوق Shopping Centers .
كانت الاسواق Markets منذ القدم تشكل وظيفة مهمة ضمن هيكل المدينة وعادة ماكانت تمتزج بوظائف Functions وفعاليات Activities أخرى. ولقد كان الشرق الاوسط باعتباره حوضا ً للعديد من الحضارات القديمة سابقا ً لغيره في نشوء وتطور هذه الاسواق، مع ذلك فان الاغورا الاغريقية The Greek Agora لعدة قرون قبل الميلاد تعتبر المكان الاول الذي استخدم كسوق للتبادل التجاري يتبعه ميدان تراجان الروماني Trajan's Forum 115-128 AD ، في حين لم تتضمن الاثار الفرعونية مايشير الى مكان خاص للتسوق وربما كذا الحال بالنسبة لحضارات بلاد الرافدين. وفي عصور لاحقة لهذه بدأت الاسواق ترافق فعاليات أخرى عادة ماتكون دينية كأسواق الجاهلية التي كانت تصاحب الحج، وظلت الاسواق بعدها تجاور الجوامع والمساجد من حيث المكان وأحيانا التوقيت أيضا.
من الامثلة المهمة تأريخيا ً سوق اسطنبول الكبير 1461 في تركيا، والذي كان يغطي مساحة 200 الف متر مربع. وسوق أصفهان 1585-1629 الذي تضمن شارعا ً مسقفا ً بعقود Vaults لمسافة 200 متر. بالاضافة الى أسواق مدينة فاس المغربية المميزة من القرن 13 الى القرن 17 الميلادي. وأسواق بخارى في أوزبكستان. وسوق مصر 1470 م.
للاسواق وظائف عديدة، ولقد تغيرت طبيعة الاسواق في العقود الاخيرة بشكل كبير جدا ً فأضيفت اليها وظائف لم تكن الاسواق التقليدية تنجزها أو تمنحها اعتبارا. ويمكن القول أن هناك ثلاث وظائف رئيسية لابد للاسواق أن تنجزها لتتصف بكونها أسواق وليست مجرد أماكن تسوق او اماكن للمتاجرة.
1- أن تتخذ موقعا ً مناسبا ً ضمن نسيج المدينة فلا تكون طرفا ً يصعب الوصول اليه ولا أن تكون عقدة تخطيطية تعرقل نشوء Evolution  أو نمو Development أو توسع Expansion المدينة. أي الجانب التخطيطي.
2- أن تكون هذه الاسواق ذات جدوى اقتصادية وافية، وأن تشكل قاعدة اقتصادية ملائمة لرفد قدرة المدينة على التخطيط والتطوير، ورفد وإعالة العدد الاكبر الممكن من سكانها. أي الجانب الاقتصادي.
3- ان توفر هذه الاسواق بيئة Environment مشجعة على التسوق Shopping و العمل والتمتع Enjoying بالاضافة الى عوامل أخرى  كسهولة الوصول وسهولة التنقل فيه والتكامل في الخدمات التي تقدمها هذه الاسواق والتنوع Diversity في الفعاليات المتضمنة فيه وغيرها. أي الجانب التصميمي.
هناك وظائف أخرى عديدة تنجزها الاسواق المعاصرة مثل توفير الخدمات Services وليس فقط البضائع  Goods والاستفادة من أوقات الفراغ Leisure  والترفيه  Entertainmentوفعاليات أخرى كالثقافية  Cultural والسكن المؤقت.
فما هو واقع حال الاسواق في العراق، التقليدية منها والحديثة. وهل هناك أمكانات لتغييرها والارتقاء بها ؟ وهل تنطبق المواصفات المذكورة آنفا ً على هذه الاسواق كي تكون أسواقا؟
أنه لمن اليسير جدا ً تقييم الوضع الحالي للاسواق في معظم مدن العراق وربما كلها بأنه مأساوي وانه يثير النفور في نفوس كل من العاملين فيه ومرتاديه وحتى عابري السبيل حين يضطرون الى الاقتراب منها. وان مجرد جولات بسيطة في الاسواق التقليدية تثبت ذلك بدءا ً بسوق الشورجة وأسواق الكاظمية وكربلاء والنجف وأسواق الكرادة داخل وانتهاء بالاسواق المحلية كأسواق مدينة الصدر وأسواق حي أور في بغداد.
ولايختلف الحال كثيرا ً عنه في الاسواق الجديدة والتي هي في الواقع شوارع فعالة تجاريا ً تحولت بفعل قرارات تخطيطية أقرب الى الفوضى منها الى التخطيط الى أسواق شريطية يختلط فيها كل شيء من فعاليات تجارية وسكنية وادارية وتعليمية وحركة مرور غير مناسبة تماما ً. من الامثلة عليها في بغداد شارع فلسطين وشارع الربيعي و شارع الكرادة خارج وشارع المنصور وشارع الرواد.
أما الاسواق أو مراكز التسوق الحديثة فنادرا ً ماتتمتع بمواصفات مطابقة للمعايير المفترضة لها، وليس من الاجحاف القول أن الغالبية العظمى للمولات الحديثة فاشلة تخطيطيا ً كما انها لاتحمل حلولا ً تصميمية مناسبة أما من الناحية البيئية فهي بعيدة كثيرا ً عن الاجواء السليمة التي تتصف بها مراكز التسوق في معظم الدول الاخرى. وان كان بعضها يشكل موضع قبول من قبل زائريه فذلك لأن ثقافة التسوق Shopping Culture لدى المجتمع والفرد العراقي مازالت بدائية ومتدنية وبعيدة عن ثقافة التسوق السائدة في المجتمعات المتحضرة.
وعند العودة الى الوظائف الثلاث الرئيسية للاسواق، التخطيطية والاقتصادية والتصميمية، فإن الاسواق في العراق عموما ً تشكل مشاكل تخطيطية معضلة لنسيج مدنها الى حد يبدو معه أحيانا ً أنه من المحال الوصول الى حلول تخطيطية ناجعة. ولعل من الافضل التخلي عن بعض هذه الاسواق او أزالة بعضها واستبدالها بأخرى في نقاط أخرى قابلة للتنظيم Planning . تشكل أسواق الشورجة منطقة مليئة بالتحديات التخطيطية التي تشيع الفوضى في كل المنطقة المحيطة بها، فلا يمكن الوصول اليها بسهولة، ولايمكن أيصال البضائع أو اخراجها منها واليها بسهولة، ويصعب التنقل فيها بكل أنواعه سواء للسابلة او المركبات وهذا مايدفع الى استخدام الوسائل التقليدية جدا ً كعربات اليد الخشبية التي لن تكون كفوءة في حين تعرقل حركة المارة وتدمّر بيئة الاسواق ذاتها. كما أنها تجعل العمل فيها غير أقتصادي وتجعله تبذيرا ً لكثير من الوقت والجهد لكل مستخدمي السوق.
وكذا الحال بالنسبة للشوارع التي تحولت الى أسواق ولنسمها "الأسواق الشوارع" فإنها تخطيطيا ً تسهم في خلط الوظائف بشكل فوضوي غير قابل للسيطرة وتدمر بنية الشوارع التي تقام فيها ولا تمنح هذه الاسواق البيئة المعمارية السليمة والملائمة. نعم أن هذا النوع من الاسواق منتشر بكثرة في كل مدن العالم بلا استثناء لكنه يحتاج الى ضوابط ومحددات والى تطبيق صارم والى متابعة مستمرة وكل هذه شبه منعدمة في مدننا الحاضرة في العراق. فلا سرع السيارات محددة بشكل واضح، ولا ضوابط البناء مطبقة بدقة، ولا استغلال الارصفة من قبل الاستخدامات المؤقتة مقنن ومتابع، ولا حقوق المستهلك محفوظة لاصحابها. بالاضافة الى امر هو في غاية الاهمية ذلك أن التأمينات  Insurancesشبه معدومة وان وجدت فهي غير فعّالة، وان تم تفعيلها فانه من السهل الالتفاف عليها خصوصا ً في ظل الثقافة القبلية والعشائرية الى عادت الى الظهور وبقوة بغياب القانون والنظام والوعي.
ومن الناحية التصميمية فخلاصة الحديث أن كل الاسواق في مدن  العراق وبلا استثناء غير مستوفية للمعايير الصحيحة . فمن الناحية المعمارية الشكلية لاتمتلك هذه الاسواق طابعا ً وملامح تراعي طبيعة وظائفها والبيئة المعمارية المقامة فيها، ففي حين يمتلك مول المنصور شكلا هادئا ً مقبولا ً الى حد ما فإن مول بغداد في الحارثية يفتقد وبوضوح الى رؤية معمارية متوازنة فهو بعيد جدا ً عن الاشكال المتعارفة في تصميم مراكز التسوق الحديثة ولايمت الى الموروث الحضاري بأية صلة لا من الناحية التخطيطية ولا التصميمية.
وتفتقد جميع الاسواق قديمها وحديثها الى معايير تصميمية مهمة يؤدي فقدانها الى تحطيم البنية التصميمية لهذه الاسواق ويخفض كفاءتها في الاداء الى مستويات دنيا فتفقد اول ما تفقد "متعة االتسوق" Shopping Enjoyment " ما يحيل فعالية التسوق الى عمل مفروض على المرء، تماما ً كإنجاز أي عمل أداري في أية مؤسسة حكومية لايدخلها المرء حتى يتمنى الخروج منها. فكل أسواقنا تفتقر الى مفهوم الاتاحة Accessibility و مفهوم التصميم المشترك Universal Design ومفهوم  الاستدامة Sustainability  وغيرها.
وهناك معايير تصميمية جديدة تلتزم بها الاسواق الحديثة في العالم المتحضر في حين تفتقر اليها أسواقنا عموما ً وبشكل واضح، كتحويل هذه الاماكن الى أهداف لمرتاديها Making Destination ، وانجاز فعاليات مصاحبة ثقافية وترفيهية ورياضية، ومنح الزبائن بيئة حميمة جاذبة Attractive Environment، بالاضافة الى عاملي الامان والسلامة Safety & Security واللذين يُفتقدان بشكل مؤثر جدا ً في الوقت الحاضر في أسواقنا بسبب المد اللانساني للبداوة والذي جعل من بسطاء الناس وكادحيهم ومرتادي السوق العابرين هدفا ً لتحقيق مآرب سياسية في غاية السوقية.
فمتى تكون لنا أسواق كي لا تكون حواضرنا ... مدنا ً بلا أسواق؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. هند كامل

    كل ما ذكرته من أسباب جعل من الذهاب الى السوق رحلة بنكهة معضلة متعبة مثيرة للضجر في أرض الوطن .. و تحديا أحيانا .. أجدت الوصف سيدي .. سلمت أناملك التي وقعت بسحرها ..

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram