تحدثتُ في الاسبوع الماضي عن متحف دبي القديمة، هذا المكان الذي أحاطني بصورة دبي في الأيام البعيدة الماضية، والأن سأكتب عن جانب من جوانب دبي الحديثة التي تسير سريعاً نحو مناطق وتفاصيل لم تصلها مدينة أخرى من قبل. أصعد عربة فضولي لأجوب المدينة التي فتحت باباً مدهشاً وجميلاً نحو الغد، وقد تحولت الى واحة مستقبلية ونقطة ضوء تجذب الملايين اليها. دبي التي صارت مصباحاً ينير أيام الناس هنا ومستقبلهم بضوء تطور فاق التصور. لكن هل بإمكاني الأحاطة بكل شيء، بكلماتي القليلة هذه، عن مدينة أصبحت الشغل الشاغل لكل العالم؟
لهذا فكرت بأن أختار معرض ( آرت دبي) الذي استضافته مدينة جميرا بدبي في الأيام الماضية، للحديث عنه، والذي جمع بين قاعاته وجدرانه مجموعة كبيرة من الغاليرهات التي حضرت من الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا، والتي تجاوز عددها التسعين، وقد عرضت أعمال فنانيها الذين وصل عددهم الى 500 فنان، يعملون بمختلف الأساليب والرؤى والتقنيات، ويعرضون أعمالهم بطرق واشكال متباينة ومتباعدة عن بعضها سواء بطريقة التفكير أو استخدام المواد أو حتى مفاجأة المشاهد (سواء أكانت هذه المفاجأة قريبة أو بعيدة عن الفن الذي نعرفه وتعودنا عليه).
حضرتُ المعرض وتجولت بين قاعاته باحثاً عن ما يشبع رغبتي وفضولي بالتمتع بالأعمال التي بدا بعضها واسعاً وبحجوم كبيرة جداً، بحيث عرضت بعض الغاليرهات ثلاثة أعمال أو أربعة فقط بين جدرانها. أكملت تجوالي بين الأعمال التي كان الكثير منها قد خرج عن إطار اللوحة التي نعرفها، فهنا يُعلق حبلا على الجدار وهناك عرض فيلم فيديو قصير وهناك فنان ينام على الأرض قرب عمله ليكون جزءا من العمل الفني، وهناك عمل على شكل سرير حقيقي، يُعرض على سطحه من خلال جهاز فيديو معلقاً على السقف فيلماً لرجل نائم ويتلوى في فراشه كل وقت العرض، وفي جانب آخر نرى فنانا يضع علبا كارتونية فارغة فوق بعضها بطريقة عشوائية وقد حفر على جوانبها بعض الاشكال لحيوانات معينة، أمضي قليلاً الى الداخل فتطل عليَّ مجموعة من المحارات الصغيرة من تلك التي تنتشر عادة على الشواطئ، وقد رُسمت فوقها أشكالاً صغيرة ووضعت فوق قطعة من القماش على الأرض. هكذا اختلفت الاساليب وانفتحت الرؤى على بعضها لتزدحم بذهنك ولا تعطيك خياراً واضحاً كي تتعاطف أو تنسجم مع هذا العدد الهائل من الأعمال الفنية، لكثرتها وللاختلاف الكبير والواضح بينها. لكني مع كل ذلك بالتأكيد كنت أتوقف هنا وهناك أحياناً لأتأمل أعمالاً رأيتها قريبة الى ذائقتي وروحي، وفيها شيء من الجمال والتقنية والمعالجة التي أبحث عنها، مثل أعمال الفنان السوداني عمر خليل الذي مزج فوق سطوح أعماله معالجات وتقنيات بحساسية رائعة وخاصة أعماله الدائرية التي عرضها. وكذلك الفنانة ديانا الحديد التي حفرت شقوقا وفتحات كثيرة فوق سطوح لوحاتها ثم جعلت الألوان تتداخل فوقها بتقنية جميلة امتزجت فيها سطوح اللوحات والجدران التي نراها من خلال الشقوق. وكذلك عمل الفنان الأمريكي الأسمر كيند ويلي الذي اختص برسم أشخاص من اصول أفريقية بشكل واقعي ويلون الخلفيات على شكل ورق الجدران الذي تزحف زخرفته فوق الموديل المرسوم، وقريباً منه عرضت فنانة فرنسية أعمالاً كبيرة وجميلة جداً استخدمت فيها الأقمشة الملونة فقط حيث تتداخل تونات قطع الأقمشة لتكون لنا عالماً ممتعاً بصرياً. على كل حال لايمكن أن تخرج من معرض كبير كهذا برؤية واحدة وثابتة أو نتيجة نهائية واضحة، وذلك بسبب الاختلاف الكبير بين المعروضات واندفاع بعض هذه الأعمال نحو مناطق لم نألفها في الأعمال التي نحبها ونتفاعل معها في العادة.
أخرج من المعرض ورأسي مملوء بكل هذه التقنيات المختلفة، وأسحب كرسياً في المقهى التابع للمعرض لأنهمك بحديث مع مجموعة من الأصدقاء الفنانين وسط رائحة القهوة وحضور الفن وروعة المدينة التي فتحت لنا ذراعيها وجمعتنا بمحبة.
آرت دبي
[post-views]
نشر في: 8 إبريل, 2016: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...