اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > عن الذين أرصدتهم بالدينار، أقصد

عن الذين أرصدتهم بالدينار، أقصد

نشر في: 9 إبريل, 2016: 09:01 م

يسأل مقدم البرنامج أحد وزراء الحكومة الحالية، من المتهمين بما صار يعرف بوثائق بنما، عن ملكيته في المصرف، فلا يُنكر انها بين الثلاثة أو الأربعة مليارات، ثم يستدرك الوزير، فيقول: أخشى أن يظن الشعب بانَّ المبلغ هذا بالدولار، يضحك مقدم البرنامج ويبتسم الوزير معه، محاولاً التأكيد على أن المبلغ بالدينار العراقي، لا بالدولار. وهو مبلغ بسيط، لا يعني أنه مليونير، هكذا بات رصيد الـ 3-4 مليارات دينار عراقي في حساب الوزير هذا، رقماً لا يعني شيئاً، لا بل هو من الذين لا يوصفون إلا بميسور الحال. نعم، وهو محق، بالقياس الى الآخرين، فالمليون دولار مبلغ زهيد عند هؤلاء، الذين لا يوصفون إلا بالتديّن والتعلق بحب آل البيت والبكاء في المآتم الحسينية، والمسرفين من (مالهم) الخاص على المواكب، وهم الذين ينحرون مئات الخراف في العاشوراء، أولئك الذين يحرصون كل الحرص على تلطيخ اطارات سيارتهم الجسكارات المصفحة وغير المصفحة بدم ذبائحهم تحسباً عند الله وعند سيد الشهداء.
  هل يختلف الشيخ الخطيب ذو العمامة البيضاء، الذي أمر الناس ذات يوم بالتقتير، والاستغناء عن النستلة، ومن ثم التصريح بإمكانية العيش بـ 30 او 40 ألف دينار لتوفير وادخار الـ 70 أو 60 ألف دينار من مجمل الـ 100 ألف التي بحوزتهم. أقول: هل يختلف هذا الشيخ عن الوزير بشيء، أبداً، فهما من طينة واحدة، لأنهما لم يدخلا السوق يوماً ليروا بأم أعينهم مئات الآلاف من النساء العراقيات، اللواتي ينبشن في صناديق الطماطة ليخرجن منها ما انسحق وتاخ لكنْ قل ثمنه، أو وهنَّ يقلّبن  اكياس البصل والبطاطا بحثا عن ما كاد يُلقى به في القمامة، أو وهن يدخلن سوق السمك، وقد تجاوزن باعة الطازج والكبير منه الى باعة الصغير والمُعاف لكنه الأقل سعراً، أو وهن يقلّبن بالات الملابس، بحثا عن ثوب أفضل، لم تخسف الشمس ألوانه بعد. عن ماذا نتحدث من أفعالكم، يا أيها الذين نأنف عن ذكر أسمائكم مع ما نذكر من أسماء اللصوص والقتلة والوحوش.  
  ما كنتُ لأكتب هذه لولا أنني قصدتُ سوق الخردة في ناحية سفوان، المقام على حدود البصرة مع دولة الكويت، بحثاً عن أشياء قالوا انها هناك. ففي قطعة من الصحراء الشاسعة، حيث لا تقف الشمس إلا نارا عامودية، ولا تنبت شجرة لظل، ولا تتوقف حبة رمل مع اخت لها ساعة عن الدوران، هنا، في الهاجرة هذه، اقتطعت بلدية الناحية ساحة لتجار الخردة، يبيعون فيها ما تلفظه بيوت المقيمين، من العرب والهنود والبنغال وكل ما عزمت بلدية الكويت على القائه في البحر، من حاجيات وسلع. هنا، شيّد الباعة البدو المتحضرون، من الذين هجروا مزارعهم وعافوا كل ما هو أخضر وطري، شيدوا دكاكينهم، أقاموا الصفيح والحديد المستعمل والخشب لتصبح مخازن ومعارض لبضائعهم، التي يأتيها الناسُ من أطراف البصرة بحثاً عن ما ظنوه نافعاً ورخيصاً.
  هناك، حيث وقفتُ أمس، شتمتُ الحكومة كلها، لم أبق كلمة بذيئة في العربية بحق أحد منهم، ومثل مفجوع بأهله، رحتُ أتفحص الوجوه المحروقة، اتحدث مع هذا وذاك، اتطلع في العيون التي تركت خارج اللثام، أتأمل الأصابع الطويلة وهي تشير الى ما تناثر من الأواني والأسرّة والماكنات العاطلة، ملابس رثة، طناجر بزفرتها، ملاعق صدئة، سكاكين قديمة، غلايات ماء عاطلة، مطاحن قهوة قطعت الاسلاك الكهربائية عنها، ومثل ذلك من البراغي، المطارق، الصحون، المصابيح، عربات الاطفال، دراجات هوائية عاطلة، أبواب وشبابيك، أقفال ومفاتيح لوالب... أشياء لا قيمة لها، افترشها هؤلاء، وظلوا يتطلعون في عيون الداخلين والخارجين من السوق هذا. ما الذي يحدث، ولماذا تصبح البصرة سوقاً لنفايات الكويتيين، ولماذا يتحوّل العراق الى مكب نفايات جيرانه، أما يكفي ما بحوزته من نفايات ؟ عذراً، أقصد أصحاب المليارات، لا، ليس ممن أودعوا أموالهم بالدولار،  إنما أقصد الذين يعدّون أرصدتهم بالدينار العراقي، حسب.   

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. ابو سجاد

    يااستاذ طالب المشكلة ليست بهؤلاء الفاسدين والسارقين لثرواتنا ولا بالمعمم الدجال ولا بالذي لبس لحية وختم جبهته - بكعب نعال بلاستكك- لاياسيدي العيب في الشعب الذي لم يحسم امره وضل تابعا لهؤلاء وهو يعلم انهم فاسدون فاذا لم يصلح هذا الشعب حاله وينقلب على هؤلاء

يحدث الآن

نادٍ كويتي يتعرض لاحتيال كروي في مصر

العثور على 3 جثث لإرهابيين بموقع الضربة الجوية في جبال حمرين

اعتقال أب عنّف ابنته حتى الموت في بغداد

زلزال بقوة 7.4 درجة يضرب تشيلي

حارس إسبانيا يغيب لنهاية 2024

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram