جمال محمد تقيعالم جليل فيه عبق شيوخ الحكمة التقى في محطة المراجع والمصادر والمتون والهوامش والماضي والحاضر والمستقبل ، في محطة السفر بحثا عن المعرفة ، بعالم شاب يتدفق نبوغا ، فاتفقا على ان يواصل الاول سفره في الموروث ، والثاني في الماثل والقائم ،
ثم يلتقيان ثانية باتجاه السفر نحو المستقبل ، كانا شعلة من النشاط ، من العطاء ، من السفر الدائم بين الازمنة الثلاثة ، كانا نجمين ساطعين في سماء انقطعت عنها النجوم وسادها الوجوم ، لم تنته رحلتهما بعد ، لكن رصاص الحقد الاعمى ، رصاص قطاع الطرق ، رصاص المقامرين المأجورين الذين لا انتماء حقيقي لهم رغم وجودهم على نفس الارض وبين ظهراني شعب يريد ان يتطهر من الادران، كانت له قولة اخرى ! لم يكن اغتيالهما عشوائيا ولا تحصيل حاصل ، لقد عرفوهما جيدا ، وترقبوهما ، ولاحقوهما ، وكانوا يخشون منهما اكثر مما يخشون من قبضة القانون ، او مدافع المناوئين ، خافوا علمهما ، كما فعلوا مع غاليلو ، والحلاج ، والحسين ، وغيرهم من المتصدين المقاومين عبر التاريخ ، ارادوا اسكاتهم ، والى الابد ، قتلوهما خوفا من التعرية خوفا من انفضاح اسرار طائفيتهم وتبعيتهم وعدميتهم وتخلفهم ولصوصيتهم ، التي كان العالمان يمتلكان كل ادلة الادانة عليها ، تاريخيا وثقافيا واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا ونفسيا ، نعم نجحوا في اغتيال جسدي المفكرين المتألقين حسين مروة ومهدي العامل ، لكنهم وحتى هذه اللحظة عاجزين عن اغتيال ارواحهم التي تجوب بما اجادت وجودت من عطاء فكري وشواهد ثورية ثرة تحفز في الاحياء من الثوار والاحرار وكل التواقين لغد افضل على مواصلة نفس المشوار ودون توقف او خوف وتردد ومهادنة ومساومة مع خفافيش الظلام ومن يغذيهم في الداخل والخارج ! كتب الطيب تزيني تخليدا لذكرى استشهاد حسين مروة قائلا : "خسرنا رائدا مؤسسا في البحث التراثي العربي " ، ثم سرد حكاية تاريخية كان قد كتب عنها الشهيد في مقالة له تحمل عنوان " الفكر العربي في عاصفة التاريخ " عام 1955 معلقا على المقولة التالية التي خاطب بها اخر خلفاء بني أمية مروان الثاني الاديب عبد الحميد الكاتب ، اثناء فرارهما من ملاحقة جيوش السلطة الجديدة ، العباسية ، " أنج بنفسك يا عبد الحميد ، فانهم ان قتلوني خسرني اهلي وحدهم ، وان قتلوك خسرك العرب جميعا ! " ، يقول تزيني : ان ما اطلقه من كان رأسا للسلطة الاموية في حينه ، يمثل اعترافا عميقا من سلطة طبقية خارج حقلها السلطوي بموقع المفكر ، فكأن الامر كان بحاجة الى انتزاع السلطة من رموزها لكي تنكشف تلك المقولة من وجهة نظر تلك الرموز . . . " ! ولد حسين مروة عام 1908 في منطقة جبل عامل جنوب لبنان وقد جهزته عائلته مبكرا ليكون عالما بشؤون الدين ، درس حسين مروة في مدارس النجف الاشرف الدينية مطولا وعلى مدى 14 عاما من 1928 ـ 1938 وتشبع وهو يافع وبشغف متواصل بكنوز التراث العربي الاسلامي ، ودون الانعزال به عن مسار الحداثة الفكرية الذي فرض نفسه وتسرب حتى الى اكثر الزوايا محافظة في المجتمع بما فيه المجتمع النجفي ذاته ، ففي النجف ذاتها كان مروة تواقا لمعادلة الجرعات الدراسية التي يتشرب بها اي دارس نجفي ، كالفقه والتاريخ القديم للاسلام ومدارسه والشريعة واللغة وفلسفة المذهب ، بما تقع عينه عليه من اداب الحداثة ومدارسها الفكرية الجديدة ، ليست المسألة عنده مجرد مصادفة ، وانما ميل داخلي متقد نحو التعادلية والموازنة ، بالبحث عن تجسير بين الماضي والحاضر ، فكان مهتما بالتردد على باعة الكتب والمجلات والصحف القديمة والجديدة ، كان مهتما بمتابعة مجلات ـ العرفان ، الهاتف ، المقتطف ، الهلال ـ وكان مهتما بقراءة كتب شبلي شميل ، ونقولا حداد ، وفرح انطوان ، والشاعر الشبيبي ، والشاعر الشرقي ـ وتواصل مع بعضهم بالكتابة المباشرة وتواصل مع ما احب من بعض الصحف وقتها ، وكان يتحمس للمشاركة بالمناسبات والاحداث الوطنية والقومية ، فشارك بالعديد من المواجهات الى جانب العراقيين بالضد من الانكليز والحكومة الملكية ! مر تطور المسار الفكري لحسين مروة بثلاثة مراحل متميزة ـ المرحلة النجفية ، المرحلة العقلانية الديمقراطية ، المرحلة الماركسية ـ وليست هناك قواطع حادة بين تمرحل المسارالفكري بل انها جميعا تتساوق لتشكل تمايزا عند حسين مروة المفكر ، وحسين مروة الناقد الفكري ، اي ان مروة لم ينقطع وهو ماركسيا بصورة تامة عن مرحلتيه السابقتين ـ حسب تشخيص الطيب تزيني ـ كانت موسوعته الهامة والتي تعد من ابرز الدراسات الحديثة التي استخدم فيها المنهج المادي التاريخي لدراسة تاريخ الفكر العربي الاسلامي ـ النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية ـ والتي صدرت عام 1978 تعتبر ثمرة ناضجة لاستغراق طويل في سفره النقدي والفكري ، وعملية غوص منتجة في اعماق المرحلتين السابقتين ، النجفية والعقلانية ، مستشرفا ومحققا فيها ما اعتبره ملحا وضروريا في الاستفاضة بتطبيقاته المنهجية للماركسية ، وهي من جهة اخرى ايضا تلخص مرحلة اندماج فكرالناقد ، بالمفكر ، وبمنهج جدلي تاريخي يريد صياغة معرفة جديدة عن تاريخ عومل بالعموم معاملة دوغماتية ووظف لخدمة اي
حسين مروة والتحليق عاليا !
نشر في: 22 يناير, 2010: 07:53 م