يعد المهندس المعماري الامريكي فرانك لويد رايت (1867ــ1959) احد اعلام مدرسة الحداثة المعمارية مع كروبيوس ولاكوبوزيه وسواهما. غير ان هذا المعماري الكبير كان عاشقا لبغداد، ممنيا النفس بأن يرى بغداد تزهو بنهضة معمارية كبيرة تنبع مظاهرها من تراثها المعمار

يعد المهندس المعماري الامريكي فرانك لويد رايت (1867ــ1959) احد اعلام مدرسة الحداثة المعمارية مع كروبيوس ولاكوبوزيه وسواهما. غير ان هذا المعماري الكبير كان عاشقا لبغداد، ممنيا النفس بأن يرى بغداد تزهو بنهضة معمارية كبيرة تنبع مظاهرها من تراثها المعماري والانساني. عشق رايت بلاد الف ليلة وليلة، فزار بغداد في خمسينات القرن الماضي وهو في التسعين من عمره . مثل كثير من المبدعين، عاش لويد رايت مشاكساً، يتمرد على القوالب البليدة. وقد أثار سخط وكالة المخابرات الأميركية لأنه صرح بأن المباني الحكومية ملك للشعب ويجب ألا تأخذ طابعاً واحداً طالما أن أميركا هي خليط من مهاجرين ينتمون إلى عدة حضارات. ولما طالبوه بالاعتذار عن كلامه رفض ودخل السجن لعدة أيام. وألهمت تلك الحادثة أحد مخرجي هوليوود فأنجز فيلماً عن رايت قام ببطولته غاري كوبر. لقد سيطر التاريخ على عقله، واستحوذت عليه الرغبة في إحياء الماضي.
جنّة عدن
ورد في كتاب "جني بغداد" أنه وقف محاضراً في مدرسة ثانوية بولاية كاليفورنيا وقال للتلاميذ متباهيا : "أقوم حاليا بتصميم مركز ثقافي في العراق، المكان الذي استنبطت فيه الحضارة". لكنه، من شدة الولع بألف ليلة، تصور أن هارون الرشيد هو الذي بنى بغداد وقرر وضع تمثال له في "جنة عدن"، تاركًا أبا جعفر المنصور في سهو الذاكرة.
بدعوة من مجلس الإعمار،  وصل رايت إلى بغداد وجال فيها برفقة مهندس عراقي رائد هو نزار علي جودة  ابن رئيس الوزراء علي جودة الأيوبي  وزوجة نزار المعمارية الامريكية الن نزار، ونزل في فندق الخيام المجاور لسينما الخيام. وفي تلك الايام رفض رايت تصميم اوبرا مدينة نيويورك ، حلم اي معماري عالمي، وقال انه متفرغ لتصميم دار اوبرا على ارض بدأت فيها الحضارات الانسانية ، فخرجت الصحف الامريكية بأن رايت تلبسه جنيّ بحب بغداد .
دار الأوبرا
"جنّي بغداد"، كتاب المهندس والأكاديمي موفق جواد الطائي الصادر عن دار المدى، خصصت له جلسة احتفاء وتوقيع ادارها المعماري خسرو الجاف . في وقت لم يكن سوى نصب كهرمانة والاربعين حرامي سبقهما جنّي بغداد الذي احب المدينة واراد ان يجعل منها مدينة معمارية عالمية وفق تصاميم حديثة لكن الظروف لم تسمح بذلك. كما اشار الجاف إلى رحلة الطائي الهندسية والمعمارية مستعرضا بعض المحطات في حياته. مشيرا إلى اهمية الكتاب الذي وثق مرحلة مهمة من تاريخ العمارة والإعمار في العراق.
جنّي بغداد ، لقب أطلقته «الواشنطن بوست»، يومذاك، على المهندس العجوز ذي الشهرة العالمية. بهذا التعريف بدأ الطائي حديثه ، مشيرا إلى الدعوة التي تلقاها رايت لبناء  دار للأوبرا على ضفاف دجلة. ولما وصل إلى هناك، أوائل صيف 1957، ذهب للسلام على ملك البلاد. ودخل الملك الشاب إلى مكان اللقاء تسبقه صيحة الحاجب والضرب على الارض ثلاث مرات والهتاف "جلالة الملك فيصل المعظم". وبكل بهدوء صاح الضيف الاشتراكي النزعة مقدما نفسه: "جلالة المواطن الأميركي فرانك لويد رايت".
جزيرة أم الخنازير
الطائي اشار من خلال فلم تسجيلي عرض اثناء حديثه إلى عدد من البنايات والمشاريع التي عهدت إلى رايت ، لافتا إلى اجتماعه بكبار المعماريين العراقيين آنذاك قائلا لهم: اذا ما أردتم المعاصرة فعليكم دخولها عبر تاريخكم المجيد، وهي دعوة صريحة منه بعدم الإفراط في تقليد العمارة الغربية بحجة المعاصرة والتجديد. حتى ان بعض المعماريين واجهوا دعوته بالبرود. موضحا: انه قدم للحكومة العراقية متمثلة بمجلس الإعمار تصميم جزيرة ام الخنازير لجعلها مركزا سياحيا وثقافيا في بغداد، كما قدم تصميم جامعة بغداد في الجادرية، غير ان الحكومة العراقية اختارت تصميما اخر للمعماري الشهير كروبيوس.
جامعة بغداد
وعبر مجسم (موديل) لتصميم رايت لجامعة بغداد ومرافقها، اشار المعماري الطائي الى المسار الرئيسي بين الجسر الكبير وشارع الملك فيصل،  حيث وضع رايت جملة من الاكشاك بشكل قباب تشكل سوقا مفتوحا من الأسفل كالأسواق العربية وتخزن المواد المعروضة في القباب بعد انتهاء النهار في أكشاك تشكل السوق العربي المفتوح (البزار) والقباب تستعمل كمخازن فقط.
مضيفا: إن الكيان الوسطي للجامعة كان هو مركز التصميم الذي يوحد الجميع والتعبير الحقيقي في تكوينه لكلمة جامعة، تفضي اليه جميع مرافق الجامعة المختلفة من مباني الإدارة والكليات والأكاديميات. مبينا: انه في وسط هذا الحرم الجامعي تم توقيع الاستوديوهات وأبراج التلفزيون والإذاعة المستدقة العالية التي تعطي سمة المنائر العالية التقليدية التي يتميز بها الشرق ولكن بشكل حديث حيث يؤكد شكل قاعدة الجامعة الترابيه شكل الزقورة ولكن بشكل دائري يحاكي رايت بها شكل بغداد الدائرية التي وضعها الخليفة المنصور في القرن الثامن الميلادي.

خاتمة حزينة
أضاف الطائي : بعمل دؤوب ومتواصل ، وبعد ثمانية أشهر أكمل رايت الجزء الأكبر من مخططاته وكانت بإظهار جيد وبعدد كبير من الرسوم والمخططات المعمارية، وأرسلها إلى مجلس الإعمار في بغداد وكان فرحاً جداً وفخوراً بهذا الإنجاز وهو يعرض التصاميم في مكتبه ويتحدث عنها في الأوساط المعمارية، كما عرضها لأفراد الجالية العراقية في أمريكا واعتبرها خيرة ما أنتج في سنيّ حياته الأخيرة. مضيفا: تأخر مجلس الإعمار في الإجابة وجاءت ثورة تموز لتضع خاتمة حزينة لهذا الجهد حيث اعتبرته مشروعا خياليا ضخما مكلفا قد لا يمكن تنفيذه في الحال وذلك لتوجه الحكومة للإصلاح وإعمار الأمور الملحة مثل الإسكان وبناء المدن الجديدة، واكتفت بتصميم عملي لجامعة بغداد كان مقدما من قبل المعمار الرائد ولتر كروبيس ونفذت بالفعل أجزاء مهمة منه.
خاتما : بعد شباط عام 1963 رميت المخططات والرسوم فوق سطح وزارة الإعمار الى حين أن وجد قسما منها المعمار معاذ الآلوسي، ولاحقا وجد المعمار سعد الزبيدي الجزء الآخر في بداية السبعينات من القرن الماضي.