TOP

جريدة المدى > عام > الألفة والبساطة في عزاء سيدة العمارة

الألفة والبساطة في عزاء سيدة العمارة

نشر في: 16 إبريل, 2016: 12:01 ص

بعد أن ووري جثمان زها حديد الثـرى في مقبرة (بروكوود) الواقعة خارج لندن، والتي يرقد بين أسوارها العديد من الشخصيات السياسية والحاكمة من العرب والمسلمين، أقيم في اليومين التاليين، في غاليري (سيربنتاين ماغازين) الواقع في متنزه هايد بارك بلندن، حفل عزاء

بعد أن ووري جثمان زها حديد الثـرى في مقبرة (بروكوود) الواقعة خارج لندن، والتي يرقد بين أسوارها العديد من الشخصيات السياسية والحاكمة من العرب والمسلمين، أقيم في اليومين التاليين، في غاليري (سيربنتاين ماغازين) الواقع في متنزه هايد بارك بلندن، حفل عزاء للراحلة الكبيرة حضره العديد من الشخصيات العامة من البريطانيين والعراقيين.

وقد يكون هذا أجمل عزاء يصادفه المرء في حياته..! فالطريق اليه معبّد بالحشائش والأشجار العالية وبرك الماء المُزدانة بالبجع الأبيض الودود . وحالما ترتاد الغاليري المطلي بالبياض وتقوم بواجب العزاء تجاه أقارب الفقيدة، تشعر أنك في مكان عائلي أليف، وتجد نفسك تتبادل الأحزان والأشجان مع من تعرفهم ولاتعرفهم. عراقيون وبريطانيون وجنسيات من كل السحنات والألوان جاءوا ليسكبوا ماء القلوب في دفتر التعازي الأزرق.
في احدى زوايا القاعة المشعة بالنور تواجهك صور ( بورتريت) للراحلة وقد علت وجهها أبتسامة عذبة قلما شوهدت بها... فقد عُرف عن زها حديد صرامتها البالغة التي طالما جعلت العاملين في مؤسستها رجالا ونساء يتخاذلون أمام جبروتها. لكن المقربين منها أخذوا بعد وفاتها يكشفون عن ملامح رقيقة لم نكن نتخيلها في سيدة العمارة التي (غيرت وجه لندن) على حد تعبير وزيرة الثقافة البريطانية السابقة تيسا جاول.  وقد أجمع العديد من الكتاب على أن لـ (زها) جانبا خجولا أجادت اخفاءه بغطاء من حديد يرقى الى مستوى لقبها. فكتب اللورد روجرز، الذي كان وزوجته من الأصدقاء المقربين، كتب في مقال مطول في الصنداي تايمس يقول: "عندما بلغني نبأ وفاة صديقتنا العزيزة زها حديد، توقف العالم عن الدوران .. فقد كنا أصدقاء على مدى الثلاثين عاما الماضية. وإذا كانت زها تبدو شديدة وقاسية، فهو نتاج للمصاعب التي تعرضت لها لكونها أمرأة، وعراقية بالولادة، تعمل في حقل رجالي. وبرغم قوتها الظاهرة التي تحاكي مبانيها فقد رأيت فيها سيدة  كريمة وخفيفة الظل، طيبة وحنونة".
وتحت عنوان (زها العظيمة..!) أفردت صحيفة الستاندارد صفحتين متقابلتين للحدث الذي هز الشارع البريطاني أسبوعا كاملا، واستطلعت آراء العديد من السياسيين والمسؤولين البريطانيين، فكتب الناقد المعماري روبرت بيفان : ( ينبغي أن نتقدم بالشكر لزها حديد لأنها هزت الفن المعماري هزا شديدا..). وكتب محافظ لندن بوريس جونسون: (زها حديد مصدر الهام. تصاميمها شكلت حجر الزاوية في المعمار البريطاني. أن مركز أكوانتكس لدورة الألعاب الأولمبية 2012 ليس إلا جزءا من ميراث كبير يمتد عبر الكرة الأرضية) وكتب المعماري البارز نورمان فوستر: (لا أستطيع أن أستوعب عمق الخسارة التي سببها رحيل زها حديد. كانت شخصية ذات شجاعة عظيمة وقناعة. ومن الصعب أن تجد هذه الصفات  في روح حرة طليقة كمثلها). وكتب نايجل كوتس: ( كانت زها تتوقع الاخلاص والوفاء من الآخرين، وكانت بالمقابل تعطي أضعاف ماتطلب).
في عمق متنزه هايد بارك المترامي الأطراف، استوقفتني سيدة اسبانية يبدو أنها  ظلت الطريق، وبعد محادثة قصيرة وجدتُني أسألها عن مدى معرفتها بزها حديد، فأجابت وقد علت وجهها ابتسامة صافية: بالطبع، نحن نعرفها في اسبانيا كما نعرف قصر الحمراء في الأندلس...
بعد قضاء أكثر من ساعة في صالة العزاء، يتبدد الكثير من أحزانك ويتسلل اليك شعور كالنور الخافت، يوحي اليك أن زها حديد ليست حكاية انتهت بوفاتها..، وأن صفحات مجدها لم تفتح بعد..،  وما موتها سوى بوابة الى فضاءات رحبة تشع بذكرها الخالد.
 وتغادر العزاء وأنت أكثر اطمئنانا الى مصير تراثها المبثوث في أرجاء المعمورة، وأكثر تأملا في لغز (عِراقك) الذي عصفت به رياح الحقد من كل جانب.  تخرج ولسان حالك يقول أن بلدا ينجب من مثل زها حديد .. لا يموت..!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. محسن الحيدري

    الى كاتبة المقال السيدة وحيدة المقدادي....لست الان بصدد ان اضيف الى كل ماقيل في فقيدتنا زها...ولكني اود ان ابدي اعجابي بأسلوبك المتميزفي رثائها ووصفها - ل(زها)جانبا خجولا اجادت اخفاءه بغطاء من حديد يرقى الى مستوى لقبها -..تحيلتي برجاء التواصل مع التقدير ل

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

"مُخْتَارَات": <العِمَارَةُ عند "الآخر": تَصْمِيماً وتَعبِيرًاً> "كِينْزُو تَانْغَا"

موسيقى الاحد: "معركة" المغنيات

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي

السينما والأدب.. فضاءات العلاقة والتأثير والتلقي

كلمة في أنطون تشيخوف بمناسبة مرور 165 عاما على ميلاده

مقالات ذات صلة

الصدفة والحظ.. الحظ الوجودي والحظ التكويني في حياتنا
عام

الصدفة والحظ.. الحظ الوجودي والحظ التكويني في حياتنا

ديفيد سبيغنهولتر*ترجمة: لطفية الدليميقريباً من منتصف نهار التاسع عشر من آب (أغسطس) عام 1949، وفي محيط من الضباب الكثيف، عندما كانت طائرة من طراز DC-3 العائدة لشركة الخطوط الجوية البريطانية في طريقها من بلفاست...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram