اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > لوائح قاسم سبتي.. في مسلات حروفه المخبوءة

لوائح قاسم سبتي.. في مسلات حروفه المخبوءة

نشر في: 16 إبريل, 2016: 12:01 ص

تبدو تَضرُّعات(قاسم سبتي)-في مجمل تعرّضات معرضه الأخير(قاعة الأورفلي-عَمان في الحادي والعشرين من كانون أول/2015،المحمول على مسند عنوان"حروف مخبوءة")- أشبه بإغماضات تأمليّة تحصنّت بدفع مشاعر مخبوءة بين طيّات حروف لم تشأ أن تلامس أو تحاذي متعة الملفوظ(

تبدو تَضرُّعات(قاسم سبتي)-في مجمل تعرّضات معرضه الأخير(قاعة الأورفلي-عَمان في الحادي والعشرين من كانون أول/2015،المحمول على مسند عنوان"حروف مخبوءة")- أشبه بإغماضات تأمليّة تحصنّت بدفع مشاعر مخبوءة بين طيّات حروف لم تشأ أن تلامس أو تحاذي متعة الملفوظ(من اللفظ) بنزعاته التعبيريّة الكاويّة،بل إستنهضت تُحادد إستئثار لغة الإبلاغ سمع- بصري على نحو تتابعي،كما هي حروف السُّلم الموسيقي المتعامدة في رسم متواليات نسق تصويري بمؤثرات صوتيّة،تعالت تنوء بلحن جنائزي مُهيب،لم تُغادر فيه نصاعة اللوّن بلاغة تقتيرات حدسيّة إستلزمت إستدعاء معالجات لصق(كولاج)،بسعي تناسقِ زُهدٍ حاذق،تماهى مع تداخل عدة تقنيّات ووعي معالجات بُرعت تُفصح عن حرارة نزفٍ درامي-دفين،توّسد مملكة ذلك الحُزن الخشوع،دون أن يتنازل-لحظةً-عن بَث مباعث ذلك الجَمال الروحيّ الذي أستوطن ربوع تلك الأعمال-بإحجام كبيرة نسبياً- وأن يستلذ-طوعاً-بقدرٍعالٍ من محاولاتِ كبح تلك المشاعر المُلتاعة- بأنين تلك العبارة وصوتها المُتحشرج؛(ما أقسى أفراح الماضي على الذاكرة).
لم يلتق(قاسم)-ثانيةً- لكي يتّمعن في مرآيا معارضه الشاهقة اللوعة والجافلة الإعتراض في عموم طواقم تبصيراته في(أقنعة النص)على مدار أعوام تُلّبس فكرة المعرض الأساس،تلك الموزعةً على سنوات 2003 و2007 والتي شاء عرضها في عددٍ من المُدن (بغداد/باريس/ طوكيو/ونيويورك)،إلأ لكي يُكمل سِفر تلك الإنهماكات التتابعيّة-كما أشرنا-ويعيد العزف على مفاتيح بيانو جُثث أجسادِ أغلفة الكتب،معزوفات تتهجيه وتناغيات إستنطاق حروفها في عراقةِ عُتقٍ ومهابة قِدم تلك الحَقب التي فتحت ضوء عينيها على جلال المعرفة وخزائن الحكمة،قبل أن تدوسها حوافر خيول الرُعاع والهَمج،وأن تَلوحها وتلّهمها  ألسنة نيران مناجيق الكيّد والتشفي،تلك التي أستبدلت حدائق النور بفجائع الرماد،وفضائعِ حقدٍ،تماثل-على أقصاه-في حراىق مكتبات دار السلام...بغداد الأزل،بعد حرب الربيع على العراق نيسان/2003.
أذن ... نحن أمام وهج خذلان ذاكرة متُخمة بإستمالات وتحديّات ذرائعيّة،أحَتمت-بالرسم ملاذاً-تُرّتق به ما تبّقى من  ركام تلك الأغلفة،ولتسعير منها سعير رفضِها وسِخام سُخطها حيال تناوبات إدائيّة تواثبت تنوحُ بصمتٍ مطبق عبر عدة خامات وجُملة تقنيات توشّحت بأردية من(رسم/ تصميم/ لصق/ فوتو شوب/ مقترحات نحت جزئيّة-ناتئة)توازنت فوق سفوحِ فضاءاتٍ ومكابدات تجلياتٍ حسيّةٍ باعثةٍ على الآسى ومناهل من أملٍ مرتجى في ذات ذلك التصوّر الضمني الذي رسّخ فيه(قاسم)وعيه ومتون خبرته من  خلال مسارب قبوله تفويض متعة وملكة هذا التداخل العضوي ما بين جميع ممتلكات لوائحه،التي تجاوزت تقليديات الرسم العادي مستبدلةً أياها بتنويع نغماتٍ تحسسية لسطح التصويري،وتَلمُسات عمل الضوء وعتمة الظلال بحدود إنتقالاتها الحاذقة بشكل منطقي،يتجددّ ذاتياً بإستمرار،بما يُعطي دفقاً متواصلاً من مشاعر مكبوتة حارة وحائرة،في صراحةِ وجدانٍ  يفيض بهذا الإحتدام الهادئ(إن صح الوصف)،حتى في أقصى شرود حالات اللاتناهي،وتثمينات براعة الحصول على محصلاتِ جوٍ درامي،يُغري بالحيرة والبحث والتأويل ،فضلاً عن تقليب المواجع.
يقول الشاعر والفنان الأنكليزي "جوليان أوتو تريفليان" في معرض حديث عن أثر وتأثير اللحظة؛(يشترك الرسامون جميعاً في إعتقادهم العميق باللحظة وبإلحاحها)ويرى إنها ترتقي-دوماً-بتوق الرّسام إلى محافل إبداع يستمر فيه ويسمو إلى ما يقرب؛(من الإيمان الأعمى بأهمية المشكلة التي في متناول يده وبقدرته الذاتيّة على حلها)،فيما يستدرك(تريفليان) ليكمل على حد تعبيره ويقول بخصوص المشكلة وأهميتها في حياة الفنان؛(ما أن تُحل واحدة،حتى تجد أخرى في زاويةٍ ما،تضاهيها في الأهميّة،إنّها الجزرة التي تجرّ وراءها الحِمار حتى نهاية العالم).
لقد تمّكن (قاسم سبتي) من مسك زمام تجربته البحثيّة هذه-بمحاذاة تجربة فنيّة مُتفوقة من حيث مقومات ثقلِها وحقيقة ألقاها-،مُستمداً ثقةَ عمقِ ثراء مخيلته وتحايثات ذاته الساخرة حيناً،كما لو إنه أضحى يجاري فكرة فيلسوف المكسيك العظيم(أوكتافيو باث) الذي يدّعي؛(بأن السخريّة هي أفضل إختراعات العصر الحديث)،وفي أحايين أخرى يلجأ (قاسم)صوب تعميد روحه بسيل من ذكريات عصيّة على التغافل والنسيان،لذا تنوء اللحظات الباهرة،كما هي اللحظات المُفجعة في مرتسمات ذاكرته على نحو متداخل في أحسن أحوال التعبير عن ذخائر ذاته،سواء أكان ذلك يلزمه بث رموز وتوثيق علامات ومد خيوطٍ وتوضيحات لأثر تلك اللحظة الحاضرة،أم في تقصُّدات ذهنية واثقة من تمجيد لغة الجَمال وقدرة التماهي مع مقومات المعرفة  وبسالة الموقف عبر معابر هذا الزهو والتفرّد الذي يُعيد به ترتيل أوجاعه اللائبة في ثَنِيات دواخله تارةً،والبوح بمسراتٍ تفاؤليّة في تارات أخرى،يدواي بها غصّات وتنهدّات تقاوم لحظات التذمر والضجر جراء أوضاعٍ مُثقلةٍ بالظلم والجور والنفور،في عالم يَسوده إدعاء حقوق الإنسان وإفتراء حقيقية ماهو سائد وملموس،وربما هذا الدافع الذي مهَّد له  تفويض نوازع الرفض بتعميماته المائلة لتبني النصوع والبياض بالقدر الذي يُضاهي فيه عُتمة وغشاوة الجانب المُظلم من الحياة الراهنة في أغلب لوائح مسلاته وتوريداته الفكريّة،دون الوقوع في شِراك المباشرة وفِخاخ المعالجة (البوستريّة) بنزعاتها الإعلامية-الخطابيّة المعمول بها في مخارج ومداخلِ المُعَارضة الضمنيّة بجوانب تماثل الدفاع  بالفن عن موقف ما.
لم يُثقل(سبتي)نوزاعه التعبيريّة وتحَدِياته التجريبيّة،وتخريجاته التجريديّة بأية ٍتشخيصاتٍ قد تماسس إلغاء فكرة الغياب أو الرحيل،أو حتى الإقصاء(حرق الكُتب-هنا-)عن عالم وفضاء اللوحة،سعياًّ تعليليلاً في تقليل حجم قوة الأثر السببّي الذي أطاح بقيمة وأصل دوافع ونوازع فِعل المُسبّب،فهو لا يكاد يَتذّكر حتى ينسى،وما يكاد ينسى حتى يتذّكر-ثانيةً- حجم جحيم الفاجعة،وتلك لعبة(تكتيكيّة) بارعة في تمثيل فداحة التعبير ومتانة الشدّ والقصد عن جسامة الحدث وخَمِّ ملابسات الجريمة التي طالت مَكتبات جامعيّة وأخرى عامة أمام مرآى ومسمع الفنان نفسه بسبب قرب قاعته( قاعة حوار للفنون)جغرافيا-أولاً-ونفسيّا وفكريّا-ثانياً-من حواشي هول تلك الجَسارات التي أقدم عليها من أقدمَ،وليسجل (قاسم) واقعة رِجس التوّرط بهذه الجريمة ضد مجهول مُحدّد من حيث مُهمة التشخيص وحتميّة التوّقع وتصارعات الوجود،لكنه ظل يُباغت بمّد أعماله التي أتخذت بناءاً معمارياً عمودياً يستطيل ليحكي عبر طبقات تراكمٍ قصديّ جوانب من سيرة دفترٍ أو كتابٍ أو موسوعة علمٍ وفنٍ وأدب،من خلال إستعارة روح الحرف ومهابة قُدسيته الراسخة في وعيّنا الجمعي،لذا حافظ الفنان على روحانية لوحاته بصدق تصوّف صِرف،وأحترافٍ مُحكم، زهى يُناغي قيمة الهدف الأسمى،وصولاً إلى لغة تحريضيّة-تفاعليّة تُنمّ عن مُتممِات وعي يفوق المألوف ويُنصف المتوقع والمّعروف،ويسمو مُرّتقيّا سلالم قصد تلويحيّ يحادد النقاء ويتبّنى مُثل الدفاع عن قِيم إنسانيّة ووطنيّة عُليا،فيما ُيلتزمُ تقوى الزُهدَ الفني  وحُنكة الإختزال المُدرّب سبيلاً ومَمراً سالكاً نحو عاليات المواقف،وتعزيزاً تَكامليّاً لجوهر تفاني أواصر المعنى من جهة المضمون،مُتحداً وسياقات فَصاحة التمثيل من ناحية الشكلِ، لتتزايد من حميميّة  تقابلات فهم لمعادلاتٍ أضحت لا تُشكّل حيزاً ملموسا في مُحتكمات(قاسم سبتي)في مِتون وشجون مأئتمِه الحُروفيّة المخبوءة تحت دِثار تعرِيات بصريّة ماثلة في قوام وعي تراكمي، يمّد اللوحة بتعامداتٍ وإكتشافاتٍ وتنويعات حفريّة،تعاضد الشَجب وتلغي المسافة ما بين السبّب والمسبب بمئات السنوات الضوثيّة،حين تختصر الفنون الأصلية تشابك جذورها الحاليّة مع أنساغ جذورها التأريخيّة،بتراتبات وتبعاتِ  نواتج حسِ فهمٍ تأويلي،مشفوعاً بنسق توافدِ تعبير-طوعي حُرّ يُقارب ما بين المعرفة والعَشق وتحديد بوصلة الموقف بإزاء ما يحدث من مأسي عالم اليوم.
لقد أستنهض(قاسم سبتي) ثمارات ومقومات تجربته التحليليّة مع تَعاقدات أحداث عَاشها طيلة عقود مريرة وصعبة،تكللّت بجحيم إحتلال،نَتج عنه محارق معرفة وسرقة متاحف وتبعات نَحرِ أرثٍ حضاريّ سحيق ومصادرة ممتلكات أسلاف عِظام،فضلاً عن تَحاذُقات موتٍ(مُفننّ) بأدوات ومخارج و(تحليات) طائفية مَقيتة،لكي يُعيد(هو) ترميم ذاته وتحصين دفاعاته،وتقوّيض سُبل  أهوال كل ما حصل عِبر موجِهّات الرسم ومُجاوراته بالحث والبحث،وعما يديم سعادات الإنسان المفقودة،كما هي رحلات بحثه وحثه بغية الظَفر بما-قد- يُحيي رفات حروفه المخبوءة تحت رماد الحقد ومتاهات الحروب وتَشقُقات وتصدّعات ما يسمّى-صَلفاً- ب(الفوضى الخلاّقة).

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram