اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > الفن التشكيلي والبحث عن الأصالة

الفن التشكيلي والبحث عن الأصالة

نشر في: 16 إبريل, 2016: 12:01 ص

في الفن التشكيلي, وفي إشكالية البحث عن أصالة العمل الفني. كما هي أصالة أي عمل إبداعي آخر. هل هناك ثمة حدود مقننة للتعرف على ملامح الأصالة. كما ينادي بها بعض التشكيليين. ومنهم المشككون. فان كان(الجندر) الذي يعبر عن الذات الشخصية(ملامحها, ثقافتها, سلوك

في الفن التشكيلي, وفي إشكالية البحث عن أصالة العمل الفني. كما هي أصالة أي عمل إبداعي آخر. هل هناك ثمة حدود مقننة للتعرف على ملامح الأصالة. كما ينادي بها بعض التشكيليين. ومنهم المشككون. فان كان(الجندر) الذي يعبر عن الذات الشخصية(ملامحها, ثقافتها, سلوكها). هوية, ربما تشترك في بعض خصائصها هويات أخرى. سواء كانت من بيئة واحدة. أو مختلفة, أو مختلطة. فهل العمل الفني هو الآخر يخضع لهذه العوامل. بمعنى, هل هو يتشكل ضمن فضاء جغرافي سوسيولوجي واحد. أو متنافذ وفضاءات متجاورة. أو حتى متباعدة. إشكالية ترجعنا لجذر الفن التشكيلي العراقي في سومر.

حينما كان الفن يخضع لشروط البيئة المائية مادة وأساطير خلق وبنية معمارية صنعتها جغرافيتها الطينية, (جندر) ثقافتها الذي تأصل في نتاج كل سلالاتها. لم تكن تلك الحروف المسمارية والحفريات الكرافيكية الأولى وتنوع الدمى السحرية وغير السحرية التي تطورت ضمن تلك الحضارة الطينية, مع تعاظم الأداء الإنساني والإبداعي, التي سجلت أولى أساطيرنا وألغاز فنوننا. إلا مدماكا انغرس في وجداننا عن تلك الأمة الغابرة. ولم يستنفذ فعله الإبداعي والمعرفي حتى بعد انهيار تلك الدويلات الأولى. فان كان بإمكاننا ان نطلق على أفعال سومر الثقافية والفنية نعت(الأصالة). فماذا نطلق على أفعال(أكد) التي طوّرت الكتابة المسمارية السومرية لتناسب لغتها. ولم تخل فنونها من تأثيرات الفن السومري. فما هي أصالة(أكد). وهل الفن السومري لوحده هو الأصيل؟
من ضمن معاني الأصالة في القاموس العربي: (متأصل في موطن بعينه, نقي النسب, عريق, قح, واقعي, ثابت, صحيح, خالص, صميم, ثابت, صاف, يتصرف بنفسه بدون وكيل...)
الأصالة في الرومانسية(مثالية القرن الثامن عشر) تعني: (الجدة, الخيال, الابداع والابتكار والأفكار الجديدة, النضارة, التفرد, الجرأة, الذكاء, الحيلة, كسر التقاليد, روح خلاقة, غير تقليدية, الإبداع, التخيل, المذهل..)
الأصالة أيضا: (عمل تم إنشاؤه بأسلوب فريد من نوعه ومضمونه, نموذج أصلي, القدرة على التفكير والتعبير والخلق والابتكار بطريقة مستقلة وفردية. القدرة الإبداعية...)   
كما نرى أن هناك مشتركات في معنى الأصالة, الفردية, والجمعية الماضوية. رغم كونها مصطلح فرضته علينا رومانسية القرن الثامن عشر الموغلة في فردانيتها الثقافية العاطفية. اعتقد أننا وان حاولنا تجاوزها, فإنها غالبا ما تفرض سطوتها علينا, وبغلبة الدافع العاطفي على بقية الدوافع المعرفية والذوقية.
رجوعا للفن الأكدي وعلاقته الجنينية بالفن السومري. ومن ثم فِطامه من الفخار وتحوّله للحجر. فهل انثلمت أصالته(انتماء لحضارته الخاصة) ما دام بنى لبنته الأولى على التأثيرات السومرية. أم هي ثقافة متحوّلة اغتنت بمصادر ثقافية كانت طاغية. ألا يشبه هذا الفعل, أفعالنا الثقافية, ومنها التشكيلية الحديثة. فان كانت الأصالة مرتبطة بالجغرافيا, فهي أيضا لا تفصم ارتباطها بإرثها الميثولوجي ومنه الديني. كما الفنون الإسلامية. المنمنمة على سبيل المثال التي هي في حالة أطوارها منذ أواخر العصر العباسي حتى زمن متأخر. منذ أن دخلت عليها التأثيرات البيزنطية ومنها مدرسة بغداد حتى الهندية والفارسية والتركية. فمن  منها الأصيل ومن غير الأصيل. أين المثال, وأين الاستنساخ. ضمن هذا الكم من الناسخ والمنسوخ. ضمن صراع الثابت والمتحول. هل كانت نسخا ثابتة, أم متحوّلة بشروط حراك زمنها الثقافي والذوقي وعوامله الزمنية والجغرافية. ألم تُبنى عمارة المنمنمة الشاهقة بجهود أجناس مختلفة, لكن بمرجعية إيديولوجية ميثولوجية, وبنتاج ثقافة بيئية. لتنتج ثقافة صورية جديدة ومتقاربة.
ألم تكن كلاسيكية عصر النهضة الأوروبية مجرد تمارين على المثال والجمال الإغريقي. فهل ثلمت أصالة المنجز الشخصي لكل رموزها. وهل ثبت هذا المثال رغم إعجازه. ألم ينزاح ثقل وثبات العصر الغوطي, لصالح خفة ولذائذ الباروك(الملكي). ويعيد تاريخ الفن دورته(النبل الإغريقي مقابل الخفة الرومانية) فهل هي دورة تاريخية ؟. أم ماذا.!
في زمننا الحديث لم يشذ بيكاسو عن القاعدة. هو الذي يعترف بأنه لا يتورع عن الأخذ من سابقيه من الفنانين( بل ومن كل الحقب والأوقيانوسات الفنية), وخضع ما استحوذ عليه لمختبره الفني الشخصي. حادثته مع مجايله(براك) معروفة*. ثم ألم ينتبه(جواد سليم) لهذا الدرس ويعيد لنا(الواسطي) بشكل جديد. في مسعى منه لاستعادة خيط الوصل ما بين ماضِ زاهر وحاضر يبدو له قاصرا. لكن هل بقي درس الواسطي لوحده عالقا في ذهنه وهو ينفذ عمله الأهم(نصب الحرية). فهل يفتقد هذا النصب لأصالته. بسبب من تعدد مصادر ايحاءاته محليا وعالميا, ماضيا وحاضرا. إن شطبنا على أصالته. فلابد لنا أن نشطب على نتاج أشهر فنان حداثي عالمي(بيكاسو).
اعتقد ان شبح الأصالة خيم على ظل الفن التشكيلي العراقي لعقود التأسيس الأولى. ثم زاد الأمر إرباكا, حين تبنت السلطة الرسمية الإيديولوجية شعار(التراث والمعاصرة). ولنضيع التراث في تلافيف المعاصرة. مثلما ضيعنا المعاصرة في دهاليز التراث. لم نكتشف درس بيكاسو الإبداعي. ولم نفعل علامات التراث بمخلوقاته النادرة, بفلسفتها الإنسانية الكونية الصورية. الواقعية والمتخيلة. ومن ضمن مساحة الفن الإسلامي الصوري. لم نعثر سوى على علامات التدوين وبضع من الأفاق. وكأننا منذورون لقراءة الكف, في الزمن الالكتروني والرقمي, الذي هو الآخر وجد ضالته في مساحة عوالمنا الشرقية و الأوقيانوسية, التي غادرتنا. أو التي نحن غادرناها دون الالتفات إلى الدورة الزمنية التي انتبه لها غيرنا بمثابرة وبنجاح فائق.
لا تخلو مساحة التشكيل العراقي من محاولات لاسترجاع الذاكرة الأثرية القديمة. مرة بالاشتغال على خطوطها العانية(ملامحها الصورية). وحتى المحاولات النادرة لاستعادة إنشاءاتها الجدارية, المصغرة والكبيرة. والتي بالنسبة لسومر, اعتقد لا فرق بينهما. وإعادة حفر حتى ملامح شخوصها. رغم اختلاف المناخات القديمة عن الحالية, أو المحلية بدعوى الأصالة. اعتقد ان الدرس المصري الفني(التأثير الفرعوني) الحديث, حاضر في هذه المحاولات العراقية. جميل أن نستدعي الماضي. لكن جميل أيضا ان نستخلص منه درس الحاضر. إرث الماضي أنبنى كشارح ومعبر عن مساحة حاضنه البيئية والمعرفية. كأعجاز ثقافي فني كان نتاج تلك الحيرة الأولى أمام عظمة وشساعة الكون المحيط. وتفسيرا ودرئا لكوارث البيئة, ومحاولة للتصالح والتجاوز. أرث بقدر ما نأى عنا. بقيت بصمته تلاحقنا, بحثا عن معادل موضوعي لأزمنتنا. فهل استطاع التشكيل العراقي فهم هذا الدرس. لا استنساخ النماذج الاولى. أو التالية. ولندع جدل الأصالة والزيف جانبا.
ثمة حيرة كبرى في الحاضنة التشكيلية الحالية التي انبنت على محور التشتت. والتشتت, بمعنى ما, هو الضياع. فهل ضاعت الأصالة بالمطلق. أم هي أصالات متعددة. لا أصالة واحدة عامة(كما كنا ندركها, أو نتوههما سابقا). ما دام العمل الفني, وهو صنو الثقافي, مبنى على الأثر والتأثر بالأثر, وولادة أثر. والإنسان بحد ذاته كفرد فاعل, هو أثر. فأعماله لا بد أن تكون أثر ما. ضمن هذه المعادلة اقترحت الحداثة الفنية أفعالها. حيث لعمل الفنان, كما بصمة العين بصمته الخاصة. والعين أداة الفنان, رغم تسليمها القيادة لدماغه او انفعالاته. مع أن الدماغ بات هو المفضل في صرعات فن اليوم. رغم كونه بعدة مستويات, وأحيانا بلا مستوى. و موظف غالبا من قبل سلطة من خارج مجال الإبداع الفني. هنا تقبع محنة الفن المعاصر. لكن ان كان للدماغ حصة ما, فالعين هي أيضا وكأداة استقبال, كشاشة العرض تلتقط ما يقع ضمن مجال إبصارها. فان استطاعت ضمن مجال خطوط اتصالاتها الذهنية من إعادة بناء إنشاء صورها من جديد. فهي مبتكرة. وان لم تستطع ولو بنسبة ما, فهي واقعة لا محالة ضمن سطوة منجز الآخرين بشكل من الأشكال. لكن هذا لا يعني انها مجرد نسخة أخرى لا غير. ما نلاحظه في الكثير من أعمال فن اليوم, ما هو الا محاولات لإعادة تدوير للمنجز السابق. وإعادة التدوير بالطبع لا يتم كما الأصل. بل هو دوما يبحث عن تأصيل آخر. نتفة من بصمة شخصية تجيز لنا الاعتراف به. فلنترك حديث الاستنساخ, الذي يفهم منه اعتباطا السرقة. ولننتظر أفعالا فنية جديدة, ربما يطلق عليها أصيلة, ربما زائفة.!
(*) في حادثة إخفاء براك لعمله عن عين بيكاسو.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram