بسبب ترادف مصطلحي "النسوي"، المشتق من "النساء" والانثوي المشتق من الانثى، وحضور هاتين الصفتين في الكتابات والبحوث العربية، كنا في نوع من الحرج ونحن نتحدث عما يسمى بالانجليزية الـFeminism الانثوية والـFemale "الانثوي". التعبير واحد هناك لمستويي الموضو
بسبب ترادف مصطلحي "النسوي"، المشتق من "النساء" والانثوي المشتق من الانثى، وحضور هاتين الصفتين في الكتابات والبحوث العربية، كنا في نوع من الحرج ونحن نتحدث عما يسمى بالانجليزية الـFeminism الانثوية والـFemale "الانثوي". التعبير واحد هناك لمستويي الموضوع. أي الكلام العام في حقوق المراة أو شؤونها، والكلام في الحركة النسوية العالمية الـfeminism.
لكني اردت في بعض من مواقع البحث ان اظهر فرقا أو ان اؤكد على حركة المطالبة، الاحتجاج ضد، والعمل على تغيير الانظمة الاجتماعية لما يكفل حرية الانثى وحقوقها والوقوف ضد الهيمنة، أو العقلية الذكورية وتسلطها. فهذا التسلط الابوي تجاوز الحد فصار يلغي حقوق الانسان الاخر ويثلم انسانيته ثم صار يقف بوجه وجوده الحضاري الجديد.
لهذا وجدت لي عذرا في استخدام المصطلحين، مرة أجدهما واحدا ومرة احاول التاكيد على احدهما وان كان هناك، في البحوث الاكاديمية، من يستعمل مصطلح الموجات: الموجة النسوية الاولى الرائدة والثانية في الستينات والسبعينات والموجة الثالثة ما بعد الحداثة.
اما بالنسبة للشعر الذي استشهدت به والشاعرات اللائي كتبت من خلال نصوصهن، فلا يعنيني كثيرا ان يعجب احد أو لا يعجب بالنماذج الشعرية ولا يهمني كثيرا ان يستكثر احدٌ على من تحدثت عن أي منهن، الاهتمام والتحليل. انا لا اخدم احدا، انا في خدمة موضوعي واستشهد بمن اجد في شعرها عونا يمكنني من ايضاح افكاري. لذلك انا اشكرهن لأنهن أعنّني بما كتبن. وهذا ما يجب ان يكون في الكتابات النقدية والبحوث. فلا يعتبرن احد ان الكاتب، الناقد أو المحلل متفضل باهتمامه على من كتب عنه. الشاعر أو الكاتب صاحب النص هو صاحب الفضل اذ وفّر شاهداً واشارات للمؤلف، ليواصل طريقه.
في كل حال لم اتساهل كثيرا حدَّ ان استشهد بمن لا تحسن القول ولا بالشواعر اللائي يكتبن انشاء مدرسياً ويظننه شعرا. مقابل هذا اشعر بالاسف لاني تجاوزت اخريات جديرات، لا اعتراض على كتاباتهن ابداعا، ولكن نصوصهن لا تخدم الموضوع الذي اهتم به ولا ضمن الاطار الذي اتحرك فيه. يمكن لنقاد الادب ان يجدوا في شعرهن مادة للكتابة ويمكنهم ايضا ان يجدوا مفيدا في ما اهملته.
اما الشعر "الفضائحي"، وانا قلق من التسمية، والذي صار واسطة الشاعرة لاثارة غرائز المتلقي الذكر ولإعلان احتياجات اجسادهن أو رغباتهن، باغراء قريب من التعري، فانا مع حقهن في التعبير عما يشأن، لكن لا استطيع، علميا، تقبل هذا الشعر في عملي هذا. انه مضاد تماما لغرض الدراسة ولغاية الكتاب.
نحن نريد ان نؤسس لحركة نسوية متقدمة، لحركة انثوية، كما هي التسمية في العالم. نؤسس لبدء الحراك الاجتماعي الانثوي لضمان حقوق النساء في العالم والتحرر من الهيمنة الذكورية بطرياركية الطابع. ولهذا لا نميل لشعر أو رقص أو غناء الجواري ، نريد فنا انسانيا، ثوريا، رافضا. وفي الشعر، نريد شعراً يعبر عن الانسانية الناهضة في النسوية الدفينة. هو هذا ما انشده، وهو مطلب الشعر النسوي الذي انا بصدده. اخلاقيات المرأة، بمداها الحديث لا بالتصنيف التقليدي، مطلب اساس وجوهر الحركة من اجل الحقوق العامة والحماية من الامتهان.
ولذلك اجدني في حال من الاسف، حين ارى الاسترخاص المخزي للذات في عروض الجسد عند بعض المغنيات والراقصات واتلاف القيم الجمالية لاجسادهن في السوق. هو نوع من البيع، نوع من البغاء المرخص به، وهذا هو مالا نرجوه، ما نريد ان تتحرر المراة من الاضطرار اليه. نحن مع حماية القيم الانسانية. لا التضحية بها. وعلى المرأة هنا ان تشارك في النضال الحقيقي لصيانة الكرامة الانسانية، لاصلاح الظروف التي تهين المرأة من اجل الخبز أو السلامة أو الحضور الاجتماعي. نحن نقدر جيدا ان الغناء والرقص والعمل داخل كابينات البيبنج واختلاس النظر، هي اعمال لقاء اجر. لكنها اعمال تحتاج إلى وقفة تامل متعاطفة، وتحتاج منا جميعا، مثقفين وناسا احرارا ، العمل لإنقاذ الإنسان مما يضطره للتضحية بمعناه الانساني. نريد الرقص فنا، نريد الغناء فنا، نريد التمثيل والمسابقات والعروض الجمالية فنونا تزيد المرأة سموا وتحرر داخلها المضطهد ليرى الحرية النظيفة.
ولهذا لا نريد للشعر النسوي ان يكون رغبات جامحة لاسترضاء المتلقي، قارئا أو سامعا. في هذا، وكما في الشعر المماثل، هتك للانساني وبيع غير مقبول في اوساط المراهقين والمحرومين جنسيا. واذا كانت فيه خدمة تعبير عن الكبت الجنسي، فهذه الخدمة محدودة جدا ويمكن تقديمها بفن سليم وكتابة اسمى.
تبقى مسالة يمكن ان نشير لها بلطف خاص هي ان هذا الشعر الفضائحي يكسر التابو ويقول بما لا يقال علنا وهي صفة فيها ايجاب يستحق اهتماما!
الحركة النسوية العظيمة اليوم ذات اهداف انسانية كبرى وهي حركة اخلاقية ذات صلة باكتمال حرية الانسان في الارض. نتمنى بدلا من التضحية بجمال الجسد، الانضمام معنا والعمل المشترك في بذار كريم، ثوري، يغير الحال في المستقبل وينقذ الطرفين من اغتصاب الحقوق والحاجة ومن الحرمان لهم ولهن! لا نريد نماذج جديدة من الضحايا، نريد نماذج جديدة ونشطة ومبدعة من العناصر الثورية، المتمردة على سوء الحال وسوء الفهم والتخلف الاجتماعي في السلوك والانظمة.
ارتباط بعض الاجنحة في الحركة النسوية العالمية بالراديكال أو باليسار الماركسي، لم يات اعتباطا ولا هو مجرد نشاط لعناصر حزبية. حقوق المراة مرتبطة بنوع الانظمة الاجتماعية والقوانين. وانجاز الحقوق واقرارها يحتاجان إلى تغيير هذه الانظمة الاجتماعية والقوانين باخرى جديدة اسلم انسانيا واحدث حضاريا. وهذا يعني عملا سياسيا أيضاً! ان العلاقة الجنسية، زواجا شرعيا او علاقات اخرى، تجعل منها الحاجة والهيمنه عيوبا اجتماعية. هي تدنس العلاقات الانسانية. البديل هو بعث طاقة الحب الكامنة في مجتمع بلا حاجة وتحترم قوانينه الانسان. تشترك في هذا الراي الانثويات اللبراليات والاشتراكيات او التيار الراديكالي في الحركة النسوية العالمية.
تبقى لي ملاحظة عن الشعر المنبثق من الانسانية المتخفية في المرأة. وهذا عادة يكون ذا نزوع وسمات صوفية. وصوفية هنا بمعنى الارتقاء بالمشاعر الداخلية لتمثل السمو الانساني الحبيس أو الممنوع من الاشراق. وهذا يدعونا للقول: "ان السعي الروحي للنساء يركز على يقظة المرأة وانتباهها إلى عالمها الخاص ووضعها في الكون أو في الحياة. وهذا عادة هو الجانب الذي تستقر اليه بعد انتهاء عملها الميداني. تأمّلٌ مثل هذا يتضمن لحظات من الوحدة عادة، لكنه يقوى بالمشاركة ويتطور إلى طرح اسئلة اساسية مثل من انا ولماذا انا هنا وما هو مكاني في هذا العالم؟ وفي الاجابة عن هذه الاسئلة ينبغي عليها الانصات إلى صوتها الخاص وان تصل إلى مصطلحات، وفي الشعر إلى صياغة عبارات- خاصة بها، ومن خبرتها هي! ينبغي لها ان تكسر العادات الثابتة والمتاصلة التي تقضي بالسعي إلى الحصول على الموافقة ومحاولة ارضاء الاخرين، اقارب أو اباعد. المهم ارضاء نفسها. (الصوفية النسوية. كارول بي كريست. ترجمة مصطفى محمود هشام). هذا السعي الروحي يستكشف بعدا مقدسا يوسع، ويميز احساسها بنفسها وبالعالم." وهو هذا السعي الروحي يهيئ للمسعى الاجتماعي. وهذا من بعد يمكن ان يدعم سعيها من اجل تغيير مجتمعها.
وهنا اجدني ملزما بالتنبيه الى انني لا ادعو لان تُخضِع الشاعرة او الكاتبة نتاجَها لنظرية. فهذا الاخضاع سيسبب ضررا من نوع جديد لنسويتها. اريد مثقفة نسوية تكتب ادبها هي، مشاعرَ ورؤى. ذلك لان النص يتكلم ويكشف ويؤثر اكثر من منتجه وهذا هو ما جعل اهتمامي بالشعر الذي تنتجه الشاعرة اكثر من اهتمامي بها. انا معني باسهامها في اخراج الانثوي من الظلمة الى الضوء.
المشكلة التي تعترض احيانا، هي ان من اكتب عنهن يردن ثناءات فقد اعتدن على التودد والاطراء. انا سيداتي اتتبع الاشعاع المعرفي في النص. البوح الخاص للانثوي الذي بالكاد يشق العتمة الداخلية للمرأة. وقليل من هذا يبزغ نقيا، انثويا مخلصا وحقيقيا. فانا لست ضد النص ولكن مع ما يعنيني منه. انا اذا في هذه الكتابة معني بالخط الاجتماعي –المعرفي في النص الادبي لا بصاحبته ولكي اظل حريصا على خيط الشعاع الانثوي هذا لا بد من ان اشير الى ما يكدره او يضيّعه. وما لا يرضيني قد يجد فيه الناقد الادبي مسألة مهمة او يجد فيه غيري اشارة تفيده. لنعوّد انفسنا على تقبل الاجتهادات. للنص، اي نص، قراءات مختلفة. كثرة المجاملات تفسد العلم وتضيّع الحقيقة. لا ننسَ ان معايير الجمال الثقافية وضعها رجال ونحن اليوم نحاول ايجاد معايير تحترم الحقيقة النسوية ونسعى لتأسيس اطار انثوي لفهم ادب المرأة.
هذا هو سبب اختياري للشعر لاجد فيه ضالتي ولأبذر من خلال الدراسة بذورا اريدها للمستقبل. ولتأكيد ما اعثر عليه من عينات. فاذا لم تستطع الشاعرة، لأيما سبب، ان تكشف عن رؤاها واحتياجاتها البعيدة في لحظات يقظتها، هي تستطيع ان تضمِّن تلك الومضات في اشعارها. وهنا تتحتم القراءة المتانية والمتفحصة. القراءة الدقيقة. مطلوبة لنرى! بالنسبة لاية شاعرة أو كاتبة أو فنانة، التحرر الروحي هو المنطلق الحقيقي وانتباهاتها مفاتيح لمغلقات قديمة وجديدة. وستتمتع بالرؤية القادرة على صنع تغييرات في حياتها وفي الثقافة والمجتمع، على الا يظل المسعى الروحي والفرداني معزولا عن المسعى الاجتماعي وإلاّ تحوَّلَ حزناً! في السنوات الاخيرة، بدأت النساء يكتبن عن الروابط بين الروحانية الشخصية، بين الفردية الانثوية المغيبة أو الخائفة والتغيير الاجتماعي. وهذا افق عملي جميل مبارك نتطلع إلى اتساعه!