غالبا ما تختلفُ معي على شكل القميص وكمية السكر في القهوة، وسعة باب الغرفة، نتخاصم وتقهرني، فلا أكاد أطيق لها عملا من أعمال النهار. وفي الليل، في ساعاته القصيرة، بعد المغيب، حزينة، ضجرة تذهب لرياض الصالحين وعبّاس قمّي، ومثلها حانق وحزين، أذهب أنا لصديقي (جوني المشّاء) أفتح خزانة الثياب، أوقظه حيثما وجدته نائماً، يجلس قبالتي على الطاولة، أحدثه بحديث الليلة الماضية، وحين أفرغ منه، أهجره متكئاً، حاسر الرأس وأذهب للنوم. هي تشكو لهما( الصالحين وقمّي)ما تلقاه منّي، وأنا أشكوها للمشّاء، الهائل عابر الليل بنعال الريح. لكنني وحين يجمعنا فراش في ركن مظلم من البيت، أدفع بساقي باردة بين فخذيها، تمانع بادئ كل ليلة، لكن، سرعان ما يستهويها الأمر فتنسى عبّاسها القمي، تخرج من رياض الصالحين الى ذراعي وجحيم قبلتي، هي هكذا، تفعل معي كل ليلة، أما انا فسيكون المشّاء صديقي، جوني الهائل، قد عبر بي الدروب المضيئة كلها.
كل صباح، أضع قدر الحليب على عين الفرن الزرقاء، وأمضي لصاحب الدكان أشتري الجبن والزبدة والبيض، أسمع صوتها يتعقبني: لا تنسى علبة البسكويت لأبنك، فأشيرُ: أنْ نعم، ومن مكانها على الحنفية، تظل تراقب حليبنا، فيما يداها تغسلان الاكواب والملاعق والصحون. معها اكمل إعداد الفطور، ومن يدها اتناول قطعة الخبز بالزبدة، تحرص على أن تكون أمامي بثوب نومها الأبيض الشفيف، ومن فتحة طويلة في صدر الثوب، أتأمل حركة الأرنبين الصغيرين، يروحان ويغدونا مع كوب الحليب بين الطاولة وفمها. يذهبان الى قطعة الخبز ويعودان مع الملعقة والسكين. ومن الباب العريض حيث يحاول العشب صعود العتبة كل صباح، اتأمل حركة اليمام عند صنبور الماء المكسور وابتعاد البلابل عن مهجع القطط، لا أود الحديث معها عن صوت ماكنة السقي ولا عن موعد قص أشجار السياج، ذلك لأنني أجد أن متعاً جديدة هي الأقرب الى روحي في الساعة من الصباح الأولى هذه.
عقب كل ظهيرة، قبل أن تدخل الشمس بيتها الأخضر البليل، خلف النخل، وقبل أن يؤذن للناس بصلاة المغرب والحديث بترتيب وجبة العشاء، يطيب لنا تناول الكعك بالشاي مع النعناع، تضع على الطاولة وردة حمراء صغيرة، هناك، في أقصى نقطة من الحديقة، وردة حمراء واحدة، حتى وإن كانت وردة دفلى، ذاك، إن لم تر في الحديقة وروداً أخر. كنت غرست لها القرنفل الأحمر في الركن المشمس هذا، انظروا، أنا أشير الى جهة ما في الحديقة، وهي تبيعني نظرتها المسائية دافئة، نحاول أن نوهم أصابعنا باننا وحدنا على الطاولة، كان أصغر أولادنا ومعه رهط من حفدة واسباط يمتطون احصنة وغزلان البلاستيك، يصعد واحد وينزل آخر. أنا، بدشداشتي البيضاء ونعلي الجلد، أذهب الى بيت الخطار، أفتح الباب، حيث تركتها رخوا، رخيصة، أدير مقبضها بتؤدة، حيث يكون مكتبي هناك، افتح درجا فيه لا أرغب برؤيته خاليا من زجاجة نبيذ في القليل. هي تتحسس عن قرب لحظتي المسائية هذه، وأنا أستشعر رغبتها في رؤيتي معافى منتشياً، فلطالما حدثتها عن فضائل النبيذ الأحمر وقرأت لها تقرير الجامعة الكندية بشأن وجوب شربه، وعرجت على ما دوّنه الأجداد العراقيون في الواحهم عنه. أنا، لا أجد الحرج معها، وأعلم بأنني أعيد عليها تلاوة ما سمعَتُه منّي عشرات المرات، وهي لا تجد نفسها عاجزة في احضار وردتها الحمراء، عقب ظهيرة كل يوم، لا تتأخر عن مشاركتي فطوري كل صباح، حيث يروح ويغدو أرنباها تحت ثوب نومها الشفيف، لكنها لا تني تعود الى رياضها الصالحة وعبّاسها القمّي، مع يقينها بأن صديقي المشّاء (جوني) الهائل، عابر الليل بنعال الريح، سيصحبني الى سريرها كل ليلة .
هي بقميص النوم وأنا بكأس النبيـذ
[post-views]
نشر في: 19 إبريل, 2016: 09:01 م