TOP

جريدة المدى > عام > كتابات فـي النسوية ( 10 )

كتابات فـي النسوية ( 10 )

نشر في: 24 إبريل, 2016: 12:01 ص

استرضاء الهيمنة واستثمارها الخاسر
ملاحظات في الشعر النسوي الفضائحي
ما فعله التاريخ هو أنه جعل الجسد الأنثوي معياراً يكرس من خلاله النظام الاجتماعي والهيمنةَ الذكورية التي اكدها النظام البطرياركي و رسَّخَ فلسفة الدونية و التفوق للطرف الآخر. والأساس

استرضاء الهيمنة واستثمارها الخاسر

ملاحظات في الشعر النسوي الفضائحي

ما فعله التاريخ هو أنه جعل الجسد الأنثوي معياراً يكرس من خلاله النظام الاجتماعي والهيمنةَ الذكورية التي اكدها النظام البطرياركي و رسَّخَ فلسفة الدونية و التفوق للطرف الآخر. والأساس الأول الذي اعتمد عليه هو الأساس نفسه الذي ما يزال الاحتجاج به، ألا وهو التمييز البيولوجي بين الجنسين. وهذا الأخير كان نتاجاً طبيعياً لفعل الإنتاج المادي في الأرض، أي القوة العضلية واستمرارية العمل من دون اعاقات بيولوجية كما يحصل عادة للمرأة..لكن فكراً آخر يقول أن هذه القوة العاملة ومالكها كانا نتاجا نسويا في الأصل. عموما، في الحياة العملية تتخذ المفاهيم رسوخها مما هو واقع مرئي، لهذا ظلت الفلسفة في الكتب وظل التمييز في البيت والشارع والعمل وقد تبنته العلاقات الاجتماعية عبر هذه الثلاثية.
فكيف نعيد التوازن وكيف نصلح ما أوجده التاريخ الطويل للبشرية؟ هذه جملة مهام وليست مهمة واحدة، وهي تتطلب جهوداً فكرية وتربوية وجهوداً نضالية مضاعفة لاستبدال علاقات الهيمنة، وترويض البشر المتمتعين بنعم ونفوذ واستثمار الهيمنة..، بلياقات وقناعات فكرية وحضارية جديدة.
ما يزيد من تعقيد هذا الإشكال، إسهام المرأة في تكريس السلطة الرمزية للهيمنة، فهي، عبر التاريخ الطويل اكتسبت مرونة تكيف ونوعاً من الفلسفة الاستسلامية والركون إلى القوة الفاعلة، وما أورث هذا هو العنف المتمثل بأشكال شتى، مرئية وغير مرئية.
من هنا صارت مركزية العمل هي تحرير الإرادات والضمائر والتخلص من الحاجة. هذه خطوات عمل أولى لتجاوز دفاعات الهيمنة وركائزها، فلا غرابة أن يقيم الرجل، الذي امتلك خبرة تسلط تاريخية، دفاعاتٍ جديدةً ويطور أو يستحدث فلسفات تتصل بضرورة لا الهيمنة فقط ولكن العنف الرمزي بأشكاله أيضاً.
المهم أننا بازاء حالات واسعة من الرضا بالهيمنة وتنامي قدرة الاحتيال على كسر إيذائها أو صرامتها. فالمرأة، مثلما تحاول بسلبية تمرير الطارئ الخشن، هي أيضاً تسهم في تسويغ الهيمنة ومنحها مقبولية من "صناعة أنثوية"، إذاً، هو عمل في تعزيز الهيمنة كنتاج أخير. فكيف بعد هذا نعمل لفهم العلاقة مع "الآخر" بديلا عن المرأة، لنرفع مستوى الموضوع ونمنحه مدى إنسانياً، علماً أن العلاقة مع الآخر أساس لكل العلاقات الاجتماعية؟ كيف نكون قادرين على احترام غيرية الآخر والكف عن اختزاله وتبسيط دلالاته ونكف عن صناعة ظروف تضطره لذاك الرضا لكي ينجو أو ليواصل عيشه؟ ثم الوصول إلى البعد الآخر الذي هو التعبير عن كل ذلك شعراً.
البداية في الأساس البيولوجي وفاعليته ومنه نَصِفُ الاختلاف الكامل بين الرغبة والحاجة، "بالنظر إلى الرغبة على انها الحالة التي من الصعب أن تنتهي إلى الإشباع. فهي تتغذى، بكيفية أخرى، من عوزها. وهذا العوز الدائم واللاوصول سر كوني مثلما هو حقيقة بشرية علينا احترامها وإيجاد البعد الفكري لتقديرها". فلو تحققت الرغبة ووجدت اكتمالها وتجسيدها في المتعة، سيصبح الأنا أنانياً من دون إحالة إلى الآخر وسيكون وحيداً من دون وحدة ..
إذاً، اتخذت الرغبة البيولوجية هنا شكلاً ميتافيزيقياً، فهي رغبة متعذرة الإشباع، وهذا، ضمن ما يعنيه، يعطي سبباً دائماً للهيمنة وسبباً دائماً للرضا بها.
بهذا الميتافيزيق، انتقلنا، في فهم العلاقة بالأنثى، إلى مستوى آخر، قل هو مستوى ثقافي وهو الأليق بالشعر كما هو الأليق بإنسانية الإنسان، يقول "ليفيناس" : "وحده الأنثوي بامكانه منحنا ، بوعي، فرصة لرؤية جسده ويمنعنا عنه في آن معاً" .
هنا صار الجسد مراداً ثميناً وسامياً، وأنه ليس في منطقة الخضوع الذكورية، بل هو في منطقته الخاصة، نراه ولا نراه، نقترب منه ولا نصله، هذه هي منطقة الشعر بالنسبة لنا! نحن تركَنا الجوع البيولوجي في حالين الأول : عرض جودة ومواصفات للزهو أو للانتفاع والثاني : أن البيولوجي صار فعلاً كونياً هو جسد بشري بمواصفات مثيرة يصيح بصوت واضح، بكافة الإشارات، إلى حاجته للتكامل، أو للراحة من سعيره أو من الحيوية المشتعلة فيه، فإذا ارتقى عن العرض المباشر، كيف يعبر عن هذا جمالياً؟ بالنسبة لموضوعنا، كيف نعبر عن هذا بفن شعري؟
علينا أولاً أن ندرك بأن هناك غيرية في العلاقة بين الذكر والأنثى، سواء كانت هذه العلاقة، عشقاً أو زواجاً أو عهراً أو رفعة عاطفية، وإن أياً من هذه العلاقات لا تنفي غيرية الآخر لكن تؤكدها وتحاول أن تشبعها رضاً بتهيئة مدى أقصى للتواصل أو للمرور، مرور الرغبة، وأن الاكتفاء من الرغبة أو انتهاءها، يعني وضوح الغيرية بكامل ماديتها. هناك من يقول أن الغبطة المتحققة لا من المتعة أساساً بل من حضور الاختلاف بحالة رضا، كل له متعته وكل له رضاه وكل له اختلافه. هنا اتسع المجال للشعر أكثر، كما اتسع للجدل.
لكن اين هو سر المتعة في اللقاء، بعيداً عن الجوع أو العطش اللذين يمكن سدهما ببدائل؟ رأي يقول : "في اللقاء بالآخر، ينفتح سطح المحبة والخصوبة اللذين يسيران بنا نحو ذواتنا بعيداً عن الموت وإلى نهائية الزمان .. ولذلك في الحب لا يمكن معرفة الآخر ولا الأمساك بحقيقته" وإذا حاولنا امتلاك المحبوب أو الاتحاد به، فإننا سنعجل بالقضاء عليه، وتحديداً بالقضاء على اختلافه الذي يشكل جوهر وجوده الذاتي ... (بواسطة عبد القادر بودرمة- ليفياس: الأنثوي وفيتومينولوجيا الإيروس).
إذن فحوى الرأي السابق هو أن الحب ليس فيه علاقة تسلط أو هيمنة وليس هو امتلاكاً برضا، بل هو ثنائية وجودية انبثقت من التركيب الحي وارتقت بها الحضارة وأنها قبل الوعي كانت في البيولوجي، وهذا يجعلنا ثانية في المدى الفلسفي، وشعرياً نحن في حال بين القرب والبعد أو الفقد الموشك وفي القضاء الذي تقيم فيه العواطف مهرجانها القصير وهذه الحبيبة مقبلة أو متنائية. هو هذا ما نكتب عنه أو ما نتحرق له أو ما نعيش لأجله. هي هذه منطقة الشعر الآن.
أيضاً ، يمكن أن يكون لقاء الحب أبعد ملاذاتنا عن التلوث واصفاها "لحظات اللقاء الجنسي هي اللحظات الوحيدة في الحياة التي تفصلك عن العالم تماماً.."، "ثمة عنف ينزل بحياء النظرات إلى الشهوة "الماجنة" لأنها باختصار تفضل ألا تكون مرئية ..".
صار للشعر إذن مستويان من القصائد التي  تشير أو تكشف التجربة. فهي إما أن ترتفع بالتجربة إلى ما أشرنا إليه من بعد أو تهبط بها إلى غرائزنا أو إلى الحسي، والثاني يتم حين لا قدرة لنا على رؤية أخرى فنبقى ضمن تفاصيل الغرزي الحسي. لا لوم ولا انتقاص ولكنه الاعتيادي الذي تتعطل فيه الثقافة والجمالي.
الشعر انتقال من الاعتيادي. في الاعتيادي يقاس الجمالي باللذة. والدعوات المباشرة، الإغرائية، سواء كانت شعراً، نثراً، غنجاً، تعرياً أو عهراً تحكمها حدود الملامسة الجنسية وحتى إذا كانت بالنسبة للمرأة تحدي الممنوع إلى الحاجة فالحاجة هنا مادية. وبالنسبة للمذكر يزهو بتحقيق العنف وشعور المرغوب فيه بالرضا أو الخضوع. وهكذا نبقى في حدود البيولوجيا ونكون قد خسرنا الجمالي وخسرنا المتعة في التوهج إلى الأبعد الذي لا يُرى وخسرنا الألفة الإنسانية الأعمق معنى. لقد خسرنا الملاذ الروحي والجسدي في الصخب المادي أو الاستلاب. راحت دقائق الأمان النقية والسكينة الفردوسية – الحلم. والحيواني قد أنهى اكتماله وراح يتبول أو ياكل أو ينام في محاولة، ربما، لاستمرار الصمت الذي يجهل تفسيره. ترجمة كلام الشهوة لا معنى لها. وأي شعر قبل ذلك يمكن تعويضه ببدائل، بوصف الجسد وصفاً مباشراً أو بالتعري. لا ضرورة لأن ينوب عنه الشعر ما دام قد خسر الجمالي والمعنى الأبعد .. الثقافة تعمل في حقل والغريزة، أو الاعتيادي، يعمل في حقل وكل له لغته. هنا لغة البطريارك هي الفاعلة والتي ستستمر في الخطاب السياسي ولن يكون حتى لليسار لغة جديدة حاسمة
(Public man Private Woman Jean Bcthke Elshrain, P.127).
 لكي نكتب شعراً عن الرغبة والتحريض على الجنس لا بد من نقل التجربة من المباشر، من عالم الجسد القريب الملموس إلى العقل ، لاننا الآن نكتب "فناً شعرياً"..
الدعوة للجنس، شعراً، إغراءً، أزياء، حلماً، ماكياج، غنجاً وتسريحات وحركات وتحرشاً ، كلها دعوات جميلة ومباركة للإخصاب. ومن يستطيع نكران وجود الجمالي في كل من هذه المفردات النسوية الجميلة والمثيرة؟ لو نطق الجسد بدعوته بلا شوائب لكان كلامه شعراً! يبدو أننا نحتاج إلى مزيد من الوقت لتكون الإجابة مقنعة، هذا إذا توافرت إجابة مقنعة أصلاً!
في المنظور العام، سلبية هذا الشعر الإغرائي أو الفضائحي كما يقال، أنه يسحب الخيال الذكوري إلى مظهرهن الخارجي لا إلى الذات أو إلى المعنى الأنثوي! هو نوع من التعري. وانهن يصنعن كلاماً يعطي أثراً بصرياً وأثراً محفِّزاً. هو نوع من المهيجّات، وهكذا شعر يصعب أن يحتفظ طويلاً بجماليات عُليا. وإذا امتلكها فلن يحتفظ بها بعد انتهاء الكشف أو القراءة أو الإلقاء أو الاستعراض. وهذا تماما ينطبق على الفيلم الجنسي ايضا. تورد "لورا مولفي"، وهي منتجة أفلام، هذا المثال :
في فيلم "وحدها الملائكة تملك أجنحة" Ony Angels Have Wings أن الفيلم يبدأ بامرأة كـ "شيء" للمشاهد. نظرات جميع الأبطال لها وهم مجتمعون في الفيلم والبطلة وحدها معزولة  وقد جُعلِت مثيرة جنسياً .. مع تقدم الفيلم تقع في حب البطل المذكر الرئيس وتصبح من ممتلكاته فاقدةً تألقها الخارجي وجنسانيتها المُعمّمة (للجميع)، صارت تخضع إثارتها للنجم الذكر وحده. ومن خلال التمثُّل به، المشاركة في سلطته، يمكن للمشاهد أن يمتلكها أيضاً. (متعة بصرية، وسينما روائية)، (عن النظرية النسوية، ت د. عماد إبراهيم).
مثل هذا يحصل تماماً في القصيدة الفضائحية وهي تُسمع أو وهي تُقرأ. ثمة تمثل غير مرئي للمشاركة! الأنثى تحولت إلى واسطة إمتاع، هذا ما لا يتفق ابداً وكل فصول النظرية النسوية. إذاً العمل الشعري هنا افتقد الرمزيات الخاصة واعتمدت قيمةُ النص على الاجتماعي بدلاً من الفني. تقول الأنثوية هيلين سيكسو في "ضحكة ميدوسا" : ينبغي على المرأة أن تضع نفسها في النص وتضع نفسها في العالم وفي التاريخ وبالحركة الخاصة بها .." وهو هذا المطلوب في الشعر النسوي عموماً، كشف حقائق  الداخل التي لا تُرى. إن كشف هذا المخزون المخفي سيكون مدهشاً، وسيُغير الكثيرَ من المفاهيم والرؤى.
في كل حال يجب ألاّ ننسى بأن النسوية الثقافية هي آيديولوجية بطبيعة الأنثى. أو هي ماهية أنثوية معاد تخصيصها من النسويات أنفسهن في محاولة للإقرار بسمات الأنثى .. (ليندا الكوف). لكن الأقرار بسمات الأنثى لا جدوى منه إن لم يستوجب النظر باحترام، وإلا فإن الشعر النسوي سيؤدي إلى النكوص بها. بإيجاز أريد "الثقافة" هي التي تسمو بالأنثوي لا البيولوجيا، نحن في سبيل تعزيز الأنا الأنثوي لا ما يتعلق به أو ما يُغلّفه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

"مُخْتَارَات": <العِمَارَةُ عند "الآخر": تَصْمِيماً وتَعبِيرًاً> "كِينْزُو تَانْغَا"

موسيقى الاحد: "معركة" المغنيات

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي

السينما والأدب.. فضاءات العلاقة والتأثير والتلقي

كلمة في أنطون تشيخوف بمناسبة مرور 165 عاما على ميلاده

مقالات ذات صلة

الصدفة والحظ.. الحظ الوجودي والحظ التكويني في حياتنا
عام

الصدفة والحظ.. الحظ الوجودي والحظ التكويني في حياتنا

ديفيد سبيغنهولتر*ترجمة: لطفية الدليميقريباً من منتصف نهار التاسع عشر من آب (أغسطس) عام 1949، وفي محيط من الضباب الكثيف، عندما كانت طائرة من طراز DC-3 العائدة لشركة الخطوط الجوية البريطانية في طريقها من بلفاست...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram