في حجرة مدير إحدى المدارس الثانوية، جلس رجل الدولة كما لقـّب نفسه ليناقش قضية فصل ابن شقيقه من المدرسة لسوء سلوكه ..لم يكن يناقش الأمر بقدر ما كان يحاول ان يفرض رأيه على إدارة المدرسة ...كان يبدو على الفتى المعني لامبالاة وعدم احترام واضحين بينما كان عمه يتبجح بكونه يعمل في مؤسسة أمنية مهمّة من مؤسسات الدولة وان والد الفتى مسؤول مهم هو الآخر ويصعب عليه الحضور الى المدرسة لانشغاله بخدمة البلد !!قال له المدير بأدب: إن ابن شقيقه ضرب أحد زملائه الطلبة ضربا مبرحا ما أدى الى إصابته برضوض وجروح...سأل العم الفتى عن سبب ذلك فقال متشكياً :" عمو ...شتمني " فقال العم بلهجة عصبية للمدير :" طبعا يضربه ..حتى البزونه تخرمش اذا داسوا ببطنها " ..استغرب المدير المتمسك بالمنطق التربوي منطق العم فالعنف ليس حلا وكان يمكن ان يشكوه لإدارة المدرسة ..لاحظ الفتى ان منطق المدير تفوق على منطق عمه فقال لعمه بخبث:" عمو ..انتقص من عشيرتنه" ..هنا ثارت ثائرة العم الشاب فأرعد وأزبد مطالبا باحضار الفتى ليؤدبه بنفسه، فالعشيرة لا يجب ان تُهان ، ثم أكمل خطابه الثوري بما يشبه (الهوسات) وهو يُعدد خِصال عشيرته معروفة النسب ، وبدلا من أن يستدعي الفتى المصاب ليرضيه بكلمة او ( ديـّة ) حسب قوانينه العشائرية بدا مستاءً من إساءة الفتى للعشيرة ويكاد يُطالبه بفصل عشائري !!
الأمر ذاته فعلته قبيلة بني تميم حين حذرت مجلس محافظة ديالى من استجواب المحافظ لأنه ينتمي إليها ، كما استخدمت عشيرة الجبور المنطق العشائري نفسه في تعاملها مع قضية محاولة إقصاء سليم الجبوري عن منصبه فهددت باتخاذ موقف حاسم من النواب الذين صوَّتوا على إقالة (ابنهم) !!لقد سبق لجمهورية العراق أن ألغت قانون العشائر وقضت على سلطة القبيلة السياسية وحولتها الى هيئة اجتماعية ريفية يمكن للمرء الرجوع اليها للمشورة ، لكن الفراغ السياسي الذي خلـَّفه النظام العراقي السابق ، اعاد للأعراف نفوذها من جديد فضلا عن غياب التطبيق القانوني ما بعد أحداث عام 2003 الذي أعطى للعشائرية نفوذها وهذا ما كرسه حتى بعض المتنفذين في السلطة .ما قبل عام 2003، استنهض صدام همم العشائر وابتدع ما يُدعى بـ(شيوخ التسعينيات) ليضمن ولاءهم له ، لكن كيان العشائر القوي عبر التاريخ العراقي الحديث لم يقوَ وقتها على مجابهة الحكم الدكتاتوري لذا استعادت العشائر عافيتها بعد سقوطه لكن النزعة العشائرية استخدمت بشكل مبالغ به ومغلوط أحيانا وصل الى حد تجاوز القوانين واستخدام قوة العشيرة لاستعادة حقوق أبنائها او التعدي أحيانا على حقوق الآخرين ..في ما يخص الفرد العراقي ، فهو إما رافضٌ لهذا الأسلوب في التعايش مع الآخرين ويحلم بسيادة القانون والأفكار الحضارية المتحررة بدلا من الأعراف والتقاليد الظالمة أحيانا ، او منضوٍ تحت لواء عشيرته ليستمد قوته منها .. فهل يمكن التغلب إذن على سلطة العشيرة بقوانين صارمة تنصف المواطن وتعيد إليه كرامته وتبعد عنه الإهانة وتجعل (ظهره قويا ) من دون تدخلات وفصول عشائرية ؟! واذا كان المواطن البسيط يحتاج أحيانا الى (ظهر قوي) يسنده فلماذا يلجأ المسؤول الى العشيرة ليعزز قوته ..أهو الإحساس بالضعف أمام أي منطق آخر مخالف لمنطقه أم طريقة مضمونة لاتقاء شرِّ الآخرين بتهديدهم بقـوة عشيرته؟
ظهور قـويـة
[post-views]
نشر في: 25 إبريل, 2016: 09:01 م