تيقّنتُ الآن من أنّ لصوص المال العام الى جانب غيرهم، هم من بين المستفيدين من الفوضى التي تعمّ البلاد وتخلط الأوراق وتجعل أحياناً من الأسود أبيضَ. التظاهرات، المدنية منها والصدرية، لم تأتِ، ولو بلغة الطرشان، على ذكر شركة خاصة أو رجل أعمال مغرقٍ بالفسا
تيقّنتُ الآن من أنّ لصوص المال العام الى جانب غيرهم، هم من بين المستفيدين من الفوضى التي تعمّ البلاد وتخلط الأوراق وتجعل أحياناً من الأسود أبيضَ. التظاهرات، المدنية منها والصدرية، لم تأتِ، ولو بلغة الطرشان، على ذكر شركة خاصة أو رجل أعمال مغرقٍ بالفساد والإفساد عبر شراء ذمم مَن بيدهم قرارات البيع والشراء والتندرات والإحالة "من الباطن"، الى غير ذلك من أساليب ومظاهر الفساد المالي والإداري.
كما لم يتجرّأ المتظاهرون المحتجّون على فضح ما يجري من عبثٍ وتعدياتٍ واختطافٍ للمواطنين وممتلكاتهم بالاستيلاء على بيوتهم وعقاراتهم ومؤسساتهم المالية، وكأنّ الفساد يقتصر على قادة الدولة وأبنائهم وذوي القربى والخلصاء من معارفهم. وغاب عن دعاة الإصلاح أنّ الفساد يحتاج لأكثر من طرف ليتحقق الفعل الفاسد، مثل الزنى تماماً، إذ يغيب عنه الطرف الفاعل لتقع المرأة وفقاً للعرف "المخسوف" ضحيةً لفعلته المنكرة وتتحمّل عبء الجريمة لينأى الفاعل عن العقاب، متفاخراً برجولته في المجتمع المتخلّف عقلياً.!
مليارات الدولارات هُرّبت من بنوكٍ أهلية، أصحابها "علّاسة" وبقايا "حواسم" وجدوا لهم حواضن سياسيّة تحميهم وتشاركهم وتفتح أمامهم أبواب الثراء الفاحش على حساب محنة العراقيين البؤساء وتدمير بُنى "دولتهم". مئات الشركات " المُضلّلة" أُسِّست في العراق ودول الجوار ووراء البحار والمحيطات، وأصبح لها "وكلاء وسماسرة" بدرجة وزير، نزولاً الى بوّاب مكتبه وشبكة متداخلة من الإخوة والبنات والأوصياء، يحملون أختام الوزارات وأوراقها الرسمية وتفاصيل العقود والمشتريات. وفي كلّ زاوية من زوايا الدولة تُوجد لهذه الشركات سوقٌ افتراضية للبيع والشراء، يمكن العثور فيها على طرفي ظاهرة الفساد، رجل الدولة السمسار ورجل الأعمال أو وكلاء له يحملون أختامه. أين هؤلاء؟ هل سُمّيَ أحدٌ منهم؟ وأي قضية فسادٍ ارتبطت باسم أحدِ منهم وقُدّم ملفّه الى القضاء؟ وإذا ما تابعنا التساؤل فسنُحار بمَن نبدأ، وأيّ قضيّة نطرح، وهل مِن استعصاءٍ في ربط الجانيين معاً، المسؤول في الدولة ورجل الأعمال في ملفٍّ واحد! ويكاد سؤال واحد يضعنا في متاهة "البيضة والدجاجة" ويُعيدنا الى البداية الأولى: هل لكل فاسدٍ في الدولة وسوق المال والأعمال راعٍ متنفّذ في الأحزاب الحاكمة والكتل البرلمانية بحيث يتعذّر تقديم أصغر واحد منهم الى القضاء؟!
شاهدتُ أمس بناءً رثّاً في الأهوار نشر صورة له الإعلامي سعدون محسن ضمد، أُقسم، وأنا لا أعرف مِن مهنة البناء شيئاً، أنّ بإمكاني وبضعة أصدقاء أختارهم من "مسطر العمال" في ساحة الطيران أو غيرها من ميادين البطالة في أنحاء العاصمة، إنجاز بناء أفضل منه "تبرّعاً" لوجه فقراء الله الهائمين على وجوههم صوب بيوت الصفيح وفي التظاهرات المتعثّرة بمطالبها المُلتبسة. وقد كتب سعدون رقماً فلكيّاً لكلفته. وأستذكر النافورة المُعجزة التي افتتحها رئيس المحافظة يحيط به معشرٌ من الأعضاء والوجهاء كلّفت ما يفيض عما كلّفته الساحة المعمارية مع نافورتها ومرآتها في مونتي كارلو.! وأسأل صديقي صاحب الظرف المغلق على أسماء وزرائه التكنوقراط المستقلّين وحُزمه الإصلاحية: ألم يطّلع على هذا الفجور الأخلاقي الظاهر من الفساد المالي والإداري؟ وما الذي يُقيّده لكي يطلب تلفونيّاً بوضع اليد على ملفيّهما،مبنى الأهوار ونافورة المحافظة؟!
لقد كتبتُ للدكتور العبادي من بين ما كتبت:
أقترح أن تطلبَ من دائرة تسجيل الشركات أسماء الشركات وأصحابها ووكلائها ورؤوس أموالها ومعاملاتها في الوزارات ومرافق الدولة وسيرتها التجاريّة، وأنشرها على موقعٍ خاصٍ بالشركات ورجال الأعمال، ولا ضير في أن تطلب من المواطنين إرسال ما لديهم من معلومات عن الشركات وتواريخها وأصحابها ومصادر أموالهم، ثم أطلب من الوزارات ودوائر الدولة أن تنشرَ على الموقع كلّ إحالة منها لشركة أو رجل أعمال وتوصيف العقود، وستكتشف، وأنت في مكتبك، لصوصاً وأوباشاً وشبكاتِ دعارة ماليّة وعرّابين لهم، ولن تتحمل المسؤولية عن ملاحقتهم، لاعتبارات حزبيّة أو طائفيّة أو ما إلى ذلك من ظنونٍ ومخاوف تقيّد يديك وارادتك..!
وأنا بانتظار أن يفعل، بعد أن أصبح الاقتراح مشاعاً، وقبل أن يفعل، أتساءل بلا نوايا أو شكوكٍ مسبقة، أليس في ملفّات الفساد الإداري والمالي، مئات الحالات التي لا تقتضي الاصطدام بحيتان الفساد من قادة الأحزاب الحاكمة والوزراء والنوّاب وبضمنهم "موصفون" في حزبه ومَن لفّ لفّهم..؟
أشكُّ أنه سيفعل، لأنه هاوٍ لقضاء وقتٍ ممتدٍّ في التفكير، ولسانُ حاله يقول "لا تفكِّر، فلها مدبِّر".. أو مدير..!