حصيلة أزمة الشهور القليلة الماضية تؤكد حقيقة سياسية أن هذه البلاد تعاني أزمة نظام داخلي لإدارة سلطاتها العليا.
لن أتحدث عن الدستور الدائم، الذي أسهم التشكيك والانتقاد والخرق المستمر لبنوده ومن مختلف الأطراف، بفقدانه سطوته المعنوية في إدارة الدولة. فالقانون الأعلى، والحال هذه، يواجه أزمة شرعية بفعل الامتهان الذي تعرَّض له، منذ إقراره في ٢٠٠٥، والغموض المقصود الذي أُعتمد في كتابته. وبعكس تجارب العالم فإن أعرافاً سياسية، غير مدونة، أصبحت تتحكم بالدستور المدوَّن، وتخضع لسلطتها المؤسسات الدستورية. ولن نكشف سراً اذا ما قلنا أن التوافقات، وهو التعبير الملطف للمحاصصة، أصبحت حاكمة على الدستور الذي كُتب بحبر هذه التوافقات ذاتها.
لقد كشف مشروع التعديل الوزاري وأزمة البرلمان الأخيرة، ثغرات كبيرة في النظام الداخلي للسلطتين التنفيذية والتشريعية، هذه الثغرات التنظيمية كانت بمثابة بوابة نفـذ من خلالها الإعصار السياسي الذي عصف بالبرلمان والحكومة وكاد يعصف بالبلاد نفسها. ولم يكن لهذا التهديد أن يواجه المؤسسات الدستورية والحياة السياسية في العراق لو لم تكتب الأنظمة الداخلية، التي تُحدد ضوابط عمل الحكومة والبرلمان، بروح سياسية نفعية ضيقة، تتمسك بوفاء نادر للمحاصصة.
ولو عدنا للماضي القريب، فإن أبرز الانتقادات التي كانت توجّه لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي هي عرقلته لإقرار نظام داخلي لمجلس الوزراء لكي يُتاح له التلاعب بجدول أعمال الجلسات، وتمرير القرارات حسب أهوائه.
وبرغم أن إقرار النظام الداخلي كان من اول إنجازات حكومة العبادي في الجلسة الأولى للحكومة، إلا أنه أغفل ثغرات كبيرة وخطيرة أعادت سطوة رئيس مجلس الوزراء وهيمنته على كابينته.
فمن القضايا التي أغفلها النظام الداخلي لمجلس الوزراء الحالي، هي مسألة تحديد الحد الأدنى والأعلى لعدد الحقائب الوزارية، بالإضافة لتجاهله الإشارة لوضع الكابينة في حال استقال أكثر من ٥٠٪ من أعضائها، مكتفيا بالنص على آلية إقالة واستقالة الوزير، في حال تغيبه او امتناعه عن حضور ثلاث جلسات متتالية، من دون الإشارة الى استقالة كل الوزارة.
وفيما نص النظام على نصاب الجلسات وطريقة إدارتها، فقد أغفلت اللجنة السياسية، التي عكفت على كتابة النظام أواخر ٢٠١٤، هذه الثغرات وهذا ما قادنا لأزمة حكومية حادة بعد أن طرح رئيس الوزراء مشروعه للإصلاح في شباط الماضي حينها قررت بعض الكتل إحراج العبادي وإعلان استقالة أعضائها في الكابينة، كسلاح لإقالة الحكومة برئيسها.
أيضا فقد ورَّط النظام الداخلي رئيس الوزراء عندما نص على نواب للرئيس بصلاحيات معينة، لكن هذه المناصب لا زالت شاغرة بعد أن قرر العبادي إبعاد نوابه الثلاثة الصيف الماضي.
وفي هذا المسار، لم تكن السلطة التشريعية أفضل حالاً من التنفيذية في غموض نظامها الداخلي.
فلم يكن النظام الداخلي للبرلمان واضحا في حالة "تعـذر" حضور الرئيس او نائبيه لعقد جلسة مقررة، وهل امتناع الرئيس او منعه يدخل ضمن هذا الباب؟
واستغل فريق النواب المعتصمين هذه الثغرة للإطاحة بسليم الجبوري ونائبيه، وهذا ما منع الأخير من الطعن أمام القضاء واللجوء لخيار فرض الأمر الواقع.
خيال مدونو النظام الداخلي للبرلمان لم يسعفهم لوضع حل للأحداث التي شاهدناه في جلسة الثلاثاء من حضور الطاقم المُقال بحماية عسكرية مشددة فضلا عن عقدها في قاعة أخرى وراء أبواب مغلقة بالسلاسل وتحت وقع تهديد جهات سياسية معروفة، وهذا ما يُسهّل الطعن بالجلسة من قبل الفريق المعارض.
بالمحصلة، فإن أزمة الأسابيع الماضية لم تكن من دون حسنات، فقد بدأنا نكتشف رثاثة الغطاء القانوني الذي يُدير عمل السلطتين التنفيذية والتشريعية وحجم الثغرات الذي تعاني منه. والآن الحاجة تلح لسد هذه الثغرات بأقرب فرصة منعاً لتكرار مثل هذه فوضى التي عجز القضاء عن البت بملابساتها. والحكومة العراقية تقول: الباب الي تجيك منه ريح سدّه واستريح!
بلاد بلا نظام داخلي
[post-views]
نشر في: 27 إبريل, 2016: 04:45 م
جميع التعليقات 4
علي زيدان
مازن الزيدي من اكثر الاشخاص اتزان وواقعية في تناول القضايآ السياسية سواء في صفحته على الفيسبوك او على الورق
يعقوب يوسف جبر
السلام عليكم ارجو تصحيح كلمة نقطتين باستبدالها لانها نقطتان باعتبارها مبتدأ شكرا
علي زيدان
مازن الزيدي من اكثر الاشخاص اتزان وواقعية في تناول القضايآ السياسية سواء في صفحته على الفيسبوك او على الورق
يعقوب يوسف جبر
السلام عليكم ارجو تصحيح كلمة نقطتين باستبدالها لانها نقطتان باعتبارها مبتدأ شكرا