لا أتردّد ولو لرمشة عين، ولا أتأخر ولو لثانية واحدة، عن أن أمحض رئيس الوزراء حيدر العبادي كامل تأييدي وكثير تشجيعي له وهو يعزم على "اتخاذ إجراءات رادعة لمنع مَن تسوّل له نفسه التعدّي على حقوق المواطنين وأمنهم"، كما جاء في آخر بيان متلفز له.
بالعزيمة نفسها وبالقوّة ذاتها أؤيده وأُطالب الجميع بتأييده وهو يوجّه وزارة الداخلية "بالتحقيق في حوادث الاعتداء والتخريب التي حصلت (داخل مبنى مجلس النواب السبت الماضي) وملاحقة مرتكبيها على وفق القانون وفتح تحقيق شامل في أسباب ما حصل ومحاسبة المقصّرين في أداء مسؤولياتهم في توفير الحماية اللازمة".
لكنني أرغب في أن يقوم السيد العبادي قبل هذا، أو في الأقل بالتزامن معه، لكي يُثبت لنا أنه حاكم عادل لا تأخذه في الحق لومة لائم وأنه يستحقّ المنصب الذي يتولّاه والكرسي الذي يقعد عليه والطاولة التي يجلس إليها.. أن يقوم باتخاذ الإجراءات الرادعة اللازمة لمنع كل مَن سوّلت له نفسه التعدّي على حقوق المواطنين وأمنهم منذ أن صار رئيساً للوزراء وقائداً عاماً للقوات المسلحة قبل سنة ونصف السنة، بل إنّ الواجب الوطني والأخلاقي يحتّم عليه أن يفعل الشيء نفسه مع كلّ مَنْ سوّلت له نفسه التعدّي على حقوق المواطنين وأمنهم في السنين التسعة التي سبقت ولايته، وهي السنين التي تولّى فيها السلطة اثنان من قادة حزبه وائتلافه بالذات، وهذا ما يُلقي عليه مسؤولية أخلاقية، فضلاً عن الوطنية، لأن يجعل إجراءاته بأثر رجعي.
قبل المتظاهرين الذين اجتاحوا مبنى مجلس النواب في لحظة غضب حيال لا أُباليّة المجلس وهيئة رئاسته والأغلبية الساحقة من أعضائه بالمحنة التي تطحن المواطن العراقي على مدى الثلاث عشرة سنة الماضية، كان أعضاء في مجلس النواب قد تصرّفوا تحت قبّة مجلسهم وأثناء جلسة لهم على نحو لم يختلف كثيراً عمّا فعله المتظاهرون لاحقاً.. إنهم (أعضاء المجلس اؤلئك) هم الذين قدّموا "الأُمثولة" للمتظاهرين في أن يتصرفوا برعونة تشبه رعونة أعضاء المجلس الذين تجاوزوا على رئيس المجلس ورئيس الوزراء وحطّموا بعض أجهزة القاعة، وهو مما يُعدّ "مؤشراً خطيراً على عدم احترام مؤسسات الدولة الدستورية وعدم الحرص على الممتلكات والمال العام"، كما جاء في البيان المتلفز للسيد العبادي .. هذا إذا كان المتظاهرون هم مَنْ عبثوا وخرّبوا داخل مبنى المجلس وليس عناصر مندسّة مدفوعة من جهات سياسيّة أو حتى حكوميّة.
السيد العبادي إن فَعلَ هذا (اتخاذ الإجراءات الرادعة لكلّ أعمال التعدّي على حقوق المواطنين وأمنهم)، أقلّه منذ أن تولّى هو السلطة، فسيكون قد حجز لنفسه مكاناً ومكانة في التاريخ لا يدانيهما إلّا ما للعظام من مكان ومكانة. أما إذا حصر إجراءاته الرادعة ببضعة المتظاهرين المتّهمين بتخريب معدّات وأجهزة وأثاث في مبنى مجلس النواب، فلن يحصد غير النقمة من الناس بوصفه قد شغل نفسه بالصغائر وترك الكبائر من دون ما تستحقّه من ردع وعقاب.
والخيار خياره.
ردع العبادي
[post-views]
نشر في: 6 مايو, 2016: 06:09 م