TOP

جريدة المدى > عام > كتابات فـي النسوية ( 11 ) .. النسوية: تاريخ موجز ومكان لتمثال!

كتابات فـي النسوية ( 11 ) .. النسوية: تاريخ موجز ومكان لتمثال!

نشر في: 8 مايو, 2016: 12:01 ص

من منتصف القرن التاسع عشر وحتى سبعينات القرن العشرين طريق صعب، حققت فيه الحركة النسوية في العالم انجازات كبيرة. وقف إلى جانب المناضلات الرائدات اساتذة ومفكرون ورجال قانون وكتاب وفنانون، ورجال دين وملحدون ومثقفون إنسانيون وآيديولوجيون كبار. فلا أحد ال

من منتصف القرن التاسع عشر وحتى سبعينات القرن العشرين طريق صعب، حققت فيه الحركة النسوية في العالم انجازات كبيرة. وقف إلى جانب المناضلات الرائدات اساتذة ومفكرون ورجال قانون وكتاب وفنانون، ورجال دين وملحدون ومثقفون إنسانيون وآيديولوجيون كبار. فلا أحد اليوم ينكر أن خصباً جديداً، إنسانياً حياً، تغلغل في الكتابات وفي العلاقات الإنسانية وإن تياراً نقدياً بدأ يوجه ضربات تنبيه واعتراض على ما يصدر من دراسات، كتباً. ومحاضرات في النقد الأدبي وفي دراسات اجتماعية. الكاتبات النسويات بجرأة وبعلمية، رفعن الصوت: أن الكتابات الذكورية أساءت للتاريخ النسوي، هم امتلكوا حريتنا في التعبير. نحن اليوم ننتزع ما أمكننا من هذه الحرية لنعيد تثبيت الحقائق...
قلنا أن جملة من الكتاب والمفكرين تعاطفوا مع هذا الاتجاه وتبنوه . وهذه علائم انتصارات للحركة النسوية كما هي دلائل تقدم حضاري. ولعل أهم أنجاز، بالنسبة لنا، هو التيار الراديكالي في الحركة النسوية، والذي لليسار فيه القيادة، لأنه ثوري صلب أولاً ولأنه كان تياراً ذا طابع اكاديمي فرض اخلاقياته على برامج الدراسة في جامعات شتى.
في "الردايكالية النسوية" تكون الحركة النسوية قد امتلكت رؤية ثقافية علمية الطرح واتصلت بمتطلبات التغيير الاجتماعي. ابتعدت عن الحلم المجرد واللاواقعية." كما صار للفينومولوجيا المتبناة فعل باهر في تحليل الخبرة العينية الخاصة للنساء ووعيهن بجنسهن وجنوستهن وفي استيعاب النسوية لطروحات ما بعد الحداثة ..
ولكي نعطي لهذا العرض نوعاً من التسلسل التاريخي-الحديث،لابد من أن نبدأ من أول الرموز الجديدة، وهي الكسندرا كولنتاي التي أسست تنظيما نسويا للعاملات وطالبت بأن يكون التنظيم مستقلا عن الحزب وأن يكون في الحزب البلشفي مكتب مخصص لشؤون الحركة النسوية. غادرت هذه المناضلة الروسية بلادها سنة 1908 وظلت في المهجر حتى 1917 حيث صارت عضواً في الجنة المركزية وأسست مركزاً لرعاية الأمومة والطفولة ودور حضانة لأطفال النساء العاملات وعملت على توفير حبوب منع الحمل. ومحاضراتها الأربع عشرة التي ألقتها في 1921 ترسم أفكارها النسوية الاشتراكية. كما نرى اليوم، في أمريكا، وفي الكابيتول بواشنطن ثلاثة تماثيل لمناضلات نسويات قدن القتال من أجل حقوق المرأة في أمريكا، وهن : لوكيشيا موت وسوزان انتوني واليزابث كادي ستانسون.
نحن لا نستطيع بهذه العجالة أن نستعرض كل الأسماء وكل الانجازات النسوية، لكننا سنأتي على جملة كتب مهمة وأسماء لها دور ثقافي نسوي، متمنين لو تبدأ عندنا حركة ترجمة تتبنى هذا الموضوع وتنقل لنا سلسلة كتب منها "الخيال الأنثوي" لميري سياكس و "النساء أديبات" لـ آلن مورس و "ادبهن الخاص" لألن شولتز وقد أشرت إلى هذا الكتاب أكثر من مرة في كتاباتي و"قراءة المرأة" لماري جاكوب و"السحر الأنثوي" لـ بيتي فريدان، ومحاضرات هيلين فاندلر، وهي استاذ في جامعة هارفرد وناقدة للشعر الحديث امتازت بنقدها الجمالي النسوي، وسوى هذه كتب ومحاضرات ووثائق تضعنا أمام تاريخ ثقافي ونضالي واضح للحركة النسوية التي تشهدها اليوم، وقد ظهرت عندنا كتب محترمة في هذا الصدد منها كتاب الأستاذ د. بعلي حفناوي بعلي، الذي أفيد منه الآن، وكتاب الأستاذ رضا الظاهر "أمير مطرود" بجزءيه وكتب جريئة أخرى مثل الفلسفة النسوية التي أعدها د. علي محمد المحمداوي وكتاب الصوفية النسوية لـ كارول بي كريست ترجمة مصطفى محمود، وهو كتاب نسوي باتجاه آخر والنظرية النسوية( مقتطفات مختارة / ت عماد ابراهيم).
كتب أُخرى كثيرة صدرت في مصر والمغرب ولبنان لاستكمال الثقافية النسوية. كانت لتلك اليقظة الفكرية النسوية وذلك الحراك الاجتماعي الذي يزداد عمقاً ثقافياً وسعة جماهيرية، نتائج باهرة، فقد ظهرت كاتبات يكتبن أدباً جديداً ونصوصاً نسوية جديدة تماماً ودراسات أكاديمية واسعة وعلمية رصينة فضلا عن الناقدات النسويات وانجازتهن المهمة في تغيير كثير من الأفكار وترسيخ اتجاهات جديدة في النقد والتفكير ..
ويعد هذا المجرى الساخن من الستينات حتى اليوم، بقي نضال المرأة ومعركتها الحقيقية مع نفسها. لقد حققت انتصارات في الشارع وفي الأكاديميات والأوساط الفنية والثقافية، فما هو الانتصار الذي حققته على نفسها موروثها ولغتها الخاصة ونزوعاتها المستقبلية؟ ثمة ما يعرقل حرية الحركة، مما ورثته ومن مراحل التحول والقلق اليومي، لمواصلة الطريق بكفاءة وبسعادة شخصية مطلوب أن تتثقف بمعرفة جيدة وحديثة عن نفسها، وبمعرفة اجتماعية بما حولها ومعرفة بأساليب ولغة وتقنيات التعبير عن نفسها، من هنا اعتراضنا على بعض أساليب الكتابة من النماذج التي اخترناها ولومنا أو ملاحظاتنا عليها – التي ربما كان بعضها قاسياً، فلسنا في بحث أدبي، ولكننا بإزاء مهمة فكرية بالدرجة الأولى.
تناولنا في كتابنا هذا عينات ممتازة بالنسبة للمرحلة وللواقع الاجتماعي في العراق، العراق الشرق أوسطي" بمتاعبه والفكر المهيمن فيه. هي في كل حال نماذج صافية أحيانا، ملتبسة بذكورية أحياناً، لكن الأنثوية واضحة في اشعارهن ومبهجة لنا، نراها تقدماً محموداً. عليهن الآن احترام رموزهن وكشوفاتهن وخبراتهن، والإعلان بفنية متقدمة وبشجاعة عن رفض التوصيات والولاية أولاً ومنح الحق للذات النسوية في التعبير وفي اختيار شكل هذا التعبير .
ولا يظنن أحد أن الانجازات الجديدة والخطوات الشجاعة، والبكر، ستمر من دون مشاكسة، أو حتى عدوانية، من الأرث الذكوري المستفحل والذي ما يزال وسيظل زمنا آخر يتحكم بمساحات واسعة من الواقع الاجتماعي. أيضاً، لا يستبعدن الغيرة من تفوقهن ومن الاتجاهات الجديدة في التفكير والكتابة.
المهم أن العديد من المثقفات في العالم اليوم استطعن زحزحة بوابة المنفى القديم وهن اليوم يتمتعن بشمس العالم. قلت في واحدة من مقالاتي : إن المرأة بحاجة لأن تكون لها لغتها الخاصة وأن تبتدع عبارتها هي، فعلى سعة المعجم هي لا تمتلك حتى الآن كلمات كثيرة، الكلمات في المعجم دمغها الرجل بما رأى وبما فهم وبما اراد. هو تملّكها لاستخداماته هو. هي اذاً تحتاج لأن تعطي الكلمات معانيها، أن توسع مدى الكلمة للمضامين الجديدة وهذا موجز ما عبرت عنه "ماري كردينال" في كتابها "تعبير آخر"...
بالنسبة لنا أو لبلدان العالم الثالث، حصل تغير غير مرئي في النضال النسوي، فلم يُدرس جيدا. في هذه البلدان صارت الحركة مكملاً لازماً لحركات الشعوب التي تتولى صنع الحضارة والتحولات في بلدانها، الحركة النسوية، بموجتيها الثانية والثالثة، متداخلة منتشرة من دونما مركزية كما في الغرب، حيث لا تراتب هرميا ولا مركزية للعقل الذكوري. النسوية اليوم فلسفة تحرير المرأة وتحرير الشعوب، بقي أن أقول لشاعراتنا، في هذا الكتاب ولرفيقاتهن حيثما يكن، العينات التي رصدناها في اشعاركن الجميلة هي علامات فوسفورية في الطريق وزهرات نادرة تطلع في حدائق البلاد. وانا أردت في تأكيدها ان أحيي المستقبل.
قلت من قبل : هنالك ثلاثة تماثيل لمناضلات نسويات في الكابيتول بواشنطن.. وأقول لكُنّ الآن :
ثمة، في كل الميادين الكبيرة مكان لتمثال، فلمن منكن سيكون؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

صلاح عباس: على مدى تاريخ الحقب الصدامية لم يشكل فن الحرب ظاهرة مميزة مثلما موجود في العالم

الفلسفة ركيزة اساسية للذكاء الإصطناعي

الدكتور سامي سعيد الأحمد.. مدونات التاريخ القديم بين وضوح المنهج ودقة التوثيق

موسيقى الاحد: موتسارت الاعجوبة

فاضل السلطاني شاعر الترحال والبحث عن الذات

مقالات ذات صلة

كريم السعدون.. شاعر اللون وصوت الإنسان في فضاء التشكيل
عام

كريم السعدون.. شاعر اللون وصوت الإنسان في فضاء التشكيل

اميرة ناجي يقول الفنان العالمي فاسيلّي كاندينسكي: "اللون هو قوة تؤثر مباشرة في الروح."، وهذه المقولة تكشف جوهر التجربة التشكيلية التي يعتمدها كريم السعدون، إذ تتعامل أعماله مع اللون بوصفه طاقة وجدانية وروحية تتجاوز...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram