منذ لحظة توقيع الحكومة العراقية مع الشركات النفطية الأجنبية عقود جولات التراخيص وفتح فرص العمل للعمال العراقيين وشعار الشركات هذه هو ( يعجبك الشغل ويانه على هاي الحالة لو تبطل ونجيب عشرة غيرك ينتظرون بباب الشركة) تحت هذه اليافطة غير المكتوبة، يتم التعامل مع العاملين في القطاع النفطي بالبصرة، وقد تم طرد المئات منهم بموجب هذه الطريقة! مخاوف هؤلاء وشبح الفصل والتهديد بالطرد قائم في كل لحظة، فيما يتمتع العاملون من غير العراقيين ( باكستانيين وهنود وأجانب وعرب ...) بأفضل الامتيازات بما فيها الزيادة في الأجور وتأمين حاجاتهم الأخرى، من إطعام وإسكان وسفـر .
وبعيداً عن آلية التعامل مع العاملين العراقيين من قبل الشركات الأجنبية هذه دعونا نكشف الضرر البيئي والهدر الاقتصادي الذي تسببت به أعمال الشركات بالنسبة للسكان والبيئة عامة. ولكي نقف على قضية واحدة نقول: إن مهندساً أوروبياً يعمل في إحدى الشركات هذه يقول: كذبني زملائي في مقر الشركة هناك، حين ذهبت الى بلدي في أجازة عمل وقلت لهم : إننا نحرق في الجو ولمدة يومين او ثلاثة، بعد بدء تدفق النفط من البئر ما نسبته 99%." وهو يقصد أن عملية الحرق هذه تتم ريثما تتأكد الشركة من أن نسبة الغاز في النفط المستخرج قد انخفظت الى الرقم هذا. وبمعنى آخر، لا يتم ربط انبوب النفط المستخرج من البئر الجديدة بشبكة التصدير قبل عملية الحرق هذه، لسبب بسيط هو أن العراق لم يقم بتطوير اعمال محطات عزل الغاز عن النفط، لذا يضطر العاملون في الشركات هذه الى حرقه في الجو. تُرى لماذا لم تقم الجهة العراقية ببناء وحدات عزل الغاز هذه، مع يقيننا بامكانية ذلك ضمن العقود هذه ؟
قد تبدو مشكلة كهذه مشكلة فنية صرف، لكن المهندس الأوروبي يقول: نحن في أوروبا والخليج وكل دول العالم النفطية بما فيها السودان لا يتم حرق ولا برميل واحد من أي بئر، ذلك لأن البئر تربط مباشرة ومنذ لحظة تدفق النفط بخطوط النقل الى وحدات ومحطات غزل الغاز، وهكذا لا تخسر الدولة قطرة واحدة، كما لا تسمح قوانين البلاد تلك بأية نسبة من التلوث في بيئتها. وبجردة بسيطة يمكننا الحديث عن أجور الريك الذي تدفع الحكومة العراقية تكاليفه الى البي بي والبالغة 30 ألف دولار يوميا، وكذلك أجور العمال وخلا ذلك يتم حرق ما معدله 7000 (سبعة آلاف برميل يوميا) وهنالك 36 ألف مقمق مربع من الغاز تحرق يومياً وتصرف 400 لتر من الوقود لمولدة الكهرباء يومياً. يقول المهندس: إن الشركات في دول العالم لا تحرق1% من النفط المستخرج، ألا تبدو القضية بأبعادٍ أُخر؟
عملية استخراج النفط من البئر في حقول البصرة تراقب وتدار عبر دائرة تلفزيونية من مختبرات الفحص في الدول الأوروبية، والمعلوم أن شركة متخصصة بفحص العينات النفطية يقوم طاقم منها بأخذ عينة من البئر التي شُرع بالإنتاج فيها وفحصها، قبل أن يُؤذن للعاملين على البئر بربط أنبوب الانتاج بخطوط النقل، أي أن النار تبقى مشتعلة ليوم ويومين او ثلاثة او أكثر، ريثما تحصل موافقة طاقم الفحص هذا حيث تتدنى نسبة الغاز والمواد الأخرى في النفط المستخرج. يقول أحد العاملين العراقيين: أنا انظر لكتل النار والأدخنة وهي تلتف وتتكور وتملأ سماء المدينة، وأفكر بمئات الآلاف من الدولارات المحترقة يوميا وكذلك أفكر بأهلي الذين تحمل الريح الدخان المميت الى صدورهم المملوءة أصلاً بكل أنواع السموم.
يتداول البعض من سكان البصرة طرفة قالها أحد العاملين في الشركات هذه، وهو رجل بسط أُميّ من سكنة الأهوار، حاول ان يتعلم الانكليزية فحفظ مفردات قليلة منها، بأن مدير الشركة طرده من العمل، وقال له بلغته الانكليزية الآمرة" Go home "فما كان من العامل البسيط هذا إلا أن قال له وبصوت عالٍ: شنو؟ "you go home ذس إز ماي كَاعي " .
"ذس إز ماي كَاعي"
[post-views]
نشر في: 7 مايو, 2016: 09:01 م