نشر الأستاذ علي الشوك مقالةً أدبيةً بعنوان " لقاء في مقهى" في صفحة أفكار(جريدة "المدى" العراقية 19/4/2016). ولقد شاءَ أن تكون المقالةُ في صيغةِ حوارٍ مُتخيّل بينه وبين عددٍ من أصدقاء يلتقيهم في لندن. رغبتُ لو أن الاستاذ الشوك جعله، إلى جانب الحوارِ المُتخَّيل، بين شخصياتٍ مُتخيلة أيضاً. إذن لأتاح لنفسه حريةً أوسع، في افتراض الأفكار والمواقف على ألسنتهم. الخطورة فيما فعل تكمن في أن حلقة الأصدقاء الذين اعتاد لقاءهم هم كتاب معروفون للقارئ، بصورة لا مجال للشك فيها: فاطمة المحسن، زهير الجزائري وكاتب هذه السطور. وأن هؤلاء الكتاب معروفون بمواقفهم وآرائهم بصورة من الصور.
أنا أعرف عن قرب فاطمة المحسن، وحقلَ اهتمامها في المتابعة النقدية، وتاريخ الأفكار في العراق خاصة. وأعرف زهير الجزائري وحقلَ اهتمامه في كتابة الرواية، ومتابعة الحركة السياسية، تاريخاً وأفكاراً. ولا أريد أن أتطفل على ما أملاه الاستاذ الشوك على لسانيهما من آراء في المُنخّل اليشكري، ومالك بن الريب، وأبي العلاء وجناية صاحب كتاب "الأغاني" على الوليد بن يزيد ، لإنه إملاءٌ، حتى لو كان الكاتبان بعيدين عن حقله الشعري القديم، لا مضرة فيه على شخصيهما ككاتبين، بل هو "زايد خير" يرتضيانه. ولكني أرغبُ في التهميش على ما وضعه الأستاذ الشوك على لساني، لأنه يُسيء لي كما أعتقد. وأنا أعرف عن يقين بأن الاستاذ الشوك مُبرّأٌ من أية نية للإساءة. فعلاقتُنا، حتى لو تعارضت فيها الأفكار، يكفلُ الاهتمام الموسيقي بتوفير الهارموني اللازم لها.
بعضُ الستينيين يُطلق عليَّ، بمعرض الشتيمة، لقبَ "الحداثي المُحافظ". فقط لأني شديد الولع بقراءة الموروث العربي، الشعري والنثري. شأني في الموسيقى، فأنا أطرب إلى الكثير من الألحان الشعبية، وأحفظها، ولا أجدها تتعارض مع طربي العميق لأكثر أعمال باخ، بيتهوفن.. وﭬاكنر تعقيداً. ولأن المولعين بالموسيقى الكلاسيكية في حياتنا الثقافية قلةٌ قليلة، لم أجد متألّباً يطلق عليّ لقبَ "العميق السطحي" مثلاً.
في المقطع التالي الذي ورد في مقال الاستاذ الشوك حول مقارنتنا نحن العرب بالغرب، بدوتُ لنفسي، وكأني في مرآةٍ مقعرة، كثيرَ التشوه:
" ماذا كنت تريد ان تقول، يا عزيزي؟" قال فوزي:" نحن أقرب الى الصفر بالقياس اليهم."
" ماذا؟ نحن عندنا ملحمة جلجامش، والف ليلة وليلة" قال زهير.
"وماذا أيضاً؟" تساءل فوزي.
" رسالة الغفران" قال زهير.
" أهذا كل مافي الامر؟ قال فوزي.
قلت :"انا ترجمت ابتهال الشاعرة انخدوينّا، ابنة الملك الاكدي ساركون، الى الإلاهة انانّا، وهي أقدم أثر أدبي نسائي في العالم."
" ثم ماذا ؟ نحن أمة البيت الواحد ، بل الشطر الواحد" قال فوزي.
هذا كلامٌ خطير مني، وكأني بينهم "سكّينة خاصرة"، كما يقول العراقيون، لا شاغل لديّ في الحوار سوى الإنكار. مع أني أكثر المولعين بـ"ملحمة كلـكامش"، وكتبت "تحت ظلها" قصيدةً طويلةً، وحولها، في الترجمات الشعرية إلى الانكليزية وفي الموسيقى، الكثير. وأكثر المولعين برسالة الغفران. ولم أقل في حياتي، ولا اعتقدتُ، بأننا "أمة البيت الواحد، بل الشطر الواحد". بدأتُ حياتي النقدية بدراسة معلقة لبيد، أواسطَ الستينات، وشاغلُ الشعر العربي القديم كان من أهم محاور كتاب "ثياب الامبراطور". ولو قرأه الاستاذ الشوك لوجد مأخذي يتمحور حول إساءة "الأغراض" الشعرية لخبرة الشاعر الداخلية.
خيالُ الاستاذ الشوك لمْ يتوقف عند هذا الحد، بل أراد تعزيزه: قال فوزي" أنا قرأتُ دواوين أعظم شعرائنا، ووجدتُها ثقيلةً جداً."
ثم: قال فوزي:" نعم، وأنا اعتقد ان أكبر خلل في ثقافتنا الادبية ، القديمة، الذي لم نتحرر منه الا حديثاً، هو السجع. انا أفقد اعصابي من السجع."
ويتواصل الحديث المُتخيَّل على لساني عن السجع: " هل تعتقد انه انتهى؟" قال فوزي:" انه سيعود مع مجيء هذا التنظيم المشبوه، الذي يسمي نفسه تنظيم الدولة الاسلامية."
لا أبدو هنا عنيداً ومتطرفاً فقط، بل ساذجاً أيضاً أن أعتقدَ أن السجع أكبرَ خللٍ، وأن موجةَ التطرف الاسلامي كفيلةٌ بإعادته إلى حياتِنا العربية اليوم.
على هامش حوار مُتخيَّل
[post-views]
نشر في: 8 مايو, 2016: 09:01 م