TOP

جريدة المدى > عام > ريبورتاجات: أقراص تحت السلّم.. أفلامنا.. سينما سيئة الصنعة

ريبورتاجات: أقراص تحت السلّم.. أفلامنا.. سينما سيئة الصنعة

نشر في: 10 مايو, 2016: 12:01 ص

الحر وزحام المارة والسيارات، والباعة، والاصوات المتعالية هنا وهناك، كُلها لم تُثن عزيمتي على دخول مجمع سينما النجاح في الباب الشرقي ، للحصول على مجموعة من الأفلام السينمائية العراقية .قيصرية مجمع النجاح ساكنة، هادئة إلى درجة الخوف. هناك القليل من الن

الحر وزحام المارة والسيارات، والباعة، والاصوات المتعالية هنا وهناك، كُلها لم تُثن عزيمتي على دخول مجمع سينما النجاح في الباب الشرقي ، للحصول على مجموعة من الأفلام السينمائية العراقية .

قيصرية مجمع النجاح ساكنة، هادئة إلى درجة الخوف. هناك القليل من الناس. "الرجال" على وجه الخصوص متباطئو الخطى تحت أشعة الشمس، وملامحهم خاملة ويبدو أنهم هنا من أجل الفضول فقط، أما أنا فقادتني اقدامي إلى فرعٍ مليء بمحال بيع الأقراص الليزرية لأفلام سينمائية ، تصطف أغلفة الأفلام العربية والاجنبية على مشابك مترفة، لا يقف عليها الغبار وكأن هذا المكان جزء مفصول تماماً عن الباب الشرقي.
سألني صاحب المحل إن كنت أبحث عن فيلم ما ؟ " نعم ، فيلم سينمائي عراقي إن أمكن ؟" .. أجابني وقد عقد حاجبيه مستغرباً الطلب " ما نبيع أفلام عراقية " وأشار قائلا  " جوه الدرج المحل الصغير عاليمين به هذه الافلام".
توجهت فوراً إلى اليمين تحت سلم قديم ، حيث المحل الذي تبلغ مساحته ما يقارب المتر ونصف بمترين ، يجلس على الكرسي رجل هرم ، يراقب الشاشة بنهمٍ متابعا مشاهد مغرية للجميلة شمس البارودي. قفز واقفاً حين لحظ قدومي. لم أُبال بالمشهد الذي وجدته عليه. درت حول نفسي متفرجة على المحل الذي تظهر على أغلفة أقراصه الليزرية صورا لأفلام إباحية وأخرى رومانسية باحتشام معقول وبعض الأفلام التجارية العربية والأجنبية.
" فيلم ؟" سألني وهو يشير إلي بغلاف القرص الذي يحمل عنوان " إمرأة سيئة السمعة ". قلت له " أُريد فيلما عراقيا". رد بصوت سعيد "موجود ... بس .. يومين وأجهزه ".
أخبرني أنه لم يعد هنالك اليوم من يرغب  بشراء الأفلام العراقية ، لأسباب عديدة اهمها عدم وضوح الفيلم السينمائي العراقي. بدا على الرجل الحزن وهو يخبرني أن النسخ الأصلية لهذه الأفلام سرقت بعد عام 2003 ، وما تبقى منها غير صالح للعرض.
الرجل الهرم صاحب المحل ذكر أن السينمائيين والأكاديميين هم فقط من يقتنون أقراص الأفلام العراقية والتي لا يعرضها في هذا المحل العتيق، بل يعمل على تجهيزها قبيل فترة زمنية بطلبٍ من الزبون. أما الشباب فلا يهتمون بهذه الأفلام على الإطلاق وكذلك الجمهور العراقي بشكل عام  وتابع "الإقبال على الفيلم العراقي أصبح معدوماً " .
فضولٌ يدفعني لمشاهدة أفلام عراقية كنظيراتها العربية التي أشاهدها على شاشات التلفاز، هذا ما دفعني لسؤال عدد من النقاد والمخرجين السينمائيين علّي أجد جواباً شافياً، إلا أن الناقد علي حمود الحسن صدمني قائلا "لا يوجد مصطلح سينما عراقية " .
واضاف الحسن أن السينما تفترض وجود إنتاج حقيقي ، يعتمد على بنية راكزة ، وعلى شاكلة دور عرض سينمائية ومختبرات واستوديوهات ، فضلاً عن التسويق ، وكل هذا يفتقده العراق بعد 2003.
وكان الحسن حريصا على توضيح أن غياب الأدوات السينمائية لم يكن السبب الوحيد لتدهور الواقع السينمائي في العراق، فللسينمائيين اليوم دور كبير في فشل مشروع السينما العراقية وذلك لأنهم يعتمدون مشاريع فردية مفصلة وفقاً لمقاييس المهرجانات العربية والعالمية .
ويقول علي حمود الحسن " إن حقق هؤلاء المتفردون نجاحهم بعملهم ، سيكررونه ليجعلوه باباً للشهرة والوصول إلى محافل سينمائية أخرى ، ثم يتحولون بعدها إلى منظمي مهرجانات سينمائية أو إلى الدرس الأكاديمي أو البطالة البيروقراطية". ويؤكد الحسن أن " كل هذا يخلق أفلاماً لكنه يحول دون صنع سينما"  مشيرا إلى أن هنالك جيلا جديدا مهما من صناع السينما ، "لكننا نفقد العقلية المحركة والإنتاجية" ويرى "أن السينما ليست ترفاً فكريا وجمالياً بقدر ما أنها صناعة وتجارة ، فالسينما بدون ربح لاتعني شيئاً".
أجيال جديدة. شباب مهووسون بالعمل السينمائي. أراقب أعمالهم ويستفزني حماسهم. أفلام روائية قصيرة، وأفكار جديدة ومثيرة لأفلام طويلة ، إلا أن صناعها مصابون بخيبة الأمل، ويشكون من واقعٍ خرب أجبرهم على أداء دور البطولة دائماً خلف الكواليس. محاولتي للحديث مع بعضهم حول السينما العراقية تلخصت بصمتٍ طويل إنتهى بالقول "الأسئلة تضايقني والإجابات تحزنني". هذا ما اضطرني للمغادرة خجلةً بعد سماعي لإجابة المخرج الشاب علي هاشم .
إنطباع هاشم انعكس على أغلب الشباب الذين باتوا يحاولون صناعة سينما عراقية أو على الأقل فيلم سينمائي عراقي يشار لهُ بالبنان ، فالممثل والمخرج الشاب حيدر خضير يشاطر الحسن رأيه حول أسباب غياب السينما في العراق ، ويقول خضير "السبب الأول يعود لعدم وجود شركات إنتاح ، تتولى عملية تسويق الفيلم وإن وجدت فسيبقى التخوف من المجازفة في تمويل هكذا فيلم في بلد يفتقر لشباك التذاكر ودور العرض وهذا السبب ذاته يجعلنا نتأكد من عدم وجود عمل يضاهي الفيلم العربي او العالمي ، إلا أن هذا لا ينفي وجود أفلام ارتقت إلى المستوى العالمي وحققت حضورا واسعا في مهرجانات عالمية كفيلم " ابن بابل " للمخرج محمد الدراجي والذي حصل على ما يقارب 27 جائزة " .
المتعة الجمالية والفنية متعلقة بخبايا الروح والمشاعر ، والمخرج حيدر خضير يحاول العزف على هذه الوتيرة ليؤكد أن أهمية وجود دور عرض ، رغم أن اليوم أصبحت للمشاهد قدرة على متابعة الأفلام عبر الانترنت إلا أن لدور العرض نكهة خاصة تحرك خبايا الأحاسيس .
مخرجون ونقاد وممثلون لم يتطرقوا لموضوعة الفيلم السينمائي أو ما يسمى بالسيناريو، فندرة كتاب السيناريو من ذوي الخبرة في مجال السينما يعد سببا آخر من خلال ما أكده السينارست الشاب ياسر موسى، الذي يعزو هذا التراجع والغياب إلى تقيّد السينما بأفكار ونصوص تقليدية .
وهنا جاء رأيهُ مشاطراً لمقولة ذكرها الناقد علي حمود الحسن " ان صعود الإسلام السياسي وضع السينما وجميع الفنون ضمن أواخر أولوياته " ، فلا بد أن هذه القيود باتت تغتال قيم الجمال ببطء وقصدية.
لم أشأ الغور في المزيد من المشاكل السينمائية في العراق والتي ما عادت غائبة عن معرفة الكثيرين. حاولت الانتقال مع الشباب الحالم بصنع سينما عراقية إلى وضع حلول ، ولم أكن أتوقع الأمر بهذه السوداوية وأن الآمال متلاشية في قلوب الكثيرين أمثال السينمائي الشاب هيثم حسن الذي يجد من الصعوبة النهوض بالواقع السينمائي العراقي ، وذلك لغياب عنصر الإنتاج ولأن الفيلم يحتاج إلى مبالغ طائلة كما يحتاج إلى نتاج ربحي ، إلا أن بعض الشباب أيضاً لا يجدون صعوبة في صناعة سينما عراقية في حال إنشاء دور عرض ، وتوفير شركات إنتاج مسوقة فهاتان السمتان هما الأهم لخلق سينما حقيقية، لكن الآمال تتراجع بمجرد التذكر أن دائرة السينما والمسرح وهي المؤسسة المختصة بالأعمال السينمائية العراقية لا تمتلك سوى كاميرا  " آري " واحدة في حين أن العالم اليوم يمتلك أحدث الكاميرات والأدوات التي تصنع السينما ، وهذا ما دفعني للعودة إلى الرجل الهرم صاحب المحل وشراء قرص فيلم " امرأة سيئة السمعة ".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

"مُخْتَارَات": <العِمَارَةُ عند "الآخر": تَصْمِيماً وتَعبِيرًاً> "كِينْزُو تَانْغَا"

موسيقى الاحد: "معركة" المغنيات

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي

السينما والأدب.. فضاءات العلاقة والتأثير والتلقي

كلمة في أنطون تشيخوف بمناسبة مرور 165 عاما على ميلاده

مقالات ذات صلة

الصدفة والحظ.. الحظ الوجودي والحظ التكويني في حياتنا
عام

الصدفة والحظ.. الحظ الوجودي والحظ التكويني في حياتنا

ديفيد سبيغنهولتر*ترجمة: لطفية الدليميقريباً من منتصف نهار التاسع عشر من آب (أغسطس) عام 1949، وفي محيط من الضباب الكثيف، عندما كانت طائرة من طراز DC-3 العائدة لشركة الخطوط الجوية البريطانية في طريقها من بلفاست...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram