TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > القسر والاستمالة

القسر والاستمالة

نشر في: 9 مايو, 2016: 09:01 م

"القسر والاستمالة" هما ذراعا السلطة في ميدان تأطير المجتمع الراهن، وعبرهما تنشط وتتغوّل، ويأتي الإعلام وإنتاج وجمع المعلومات في مقدمة الوسائل التي تلجأ إليها السلطة
، في تحقيق الهدف: القسر والاستمالة.
"القسر والاستمالة" تعبير آخر  عن المبدأ الشهير "العصا والجزرة". وهو مبدأ عرفته جميع شعوب العالم بمن فيها التي تحكمها دول ديمقراطية، لذا تتفاوت حكومات الدول في "أسلوب" تنفيذ مبدأ "القسر والاستمالة" حسب درجة الإذعان والتمرد وأسلوبهما، داخل كل مجتمع. ثمة مستويات متباينة في تطبيق ذلك المبدأ.
في الغرب "الديمقراطي" أشكال متعددة لتأطير المجتمع، على وفق "ثقافة" القبول والرفض التي تعيشها جماهير تلك الدول، بعد تمارين عسيرة مرت بها لتبلغ "الجنّة" الراهنة، كما تبدو لجماهيرنا العربية التي ترزح في جحيمها الأبدي.
تقوم سياسة الدولة، أية دولة، على اللجوء إلى انتاج المعلومات وجمعها واستعمالها في تحقيق الأهداف الاستراتيجية الرئيسة لها عبر حكومات الدول، ولا فرق هنا بين الدول التي تسمى ديمقراطية أو الدول الاستبدادية، إلا في درجة القسوة والتضليل، أي أن الجوهر، هنا، واحد: حماية الدولة ضد أي من الأصوات التي تضعها أمام الخطر عندما يبدي الناس نوعاً من التذمر أو الرفض أو التمرد على سياسة الدولة، أو حكوماتها المتبدلة، شكلاً أو أداء، وفق التبادل السلمي للسلطة هناك، ووفق الانقلابات العسكرية، هنا، ووفق شن الحرب من الخارج لتغيير أنظمة سياسية في دول بعيدة، كما حدث في العراق، مثلاً.
في كتابه "المتلاعبون بالعقول" يقول هربرت أ. شيللر (أكاديمي أمريكي متخصص بوسائل الاتصال): (*)
"على أن تضليل الجماهير لا يمثل أول أداة تتبناها النخب الحاكمة من أجل الحفاظ على السيطرة الاجتماعية، فالحكام لا يلجأون إلى التضليل الإعلامي، إلا عندما يبدأ الشعب في الظهور (ولو بصورة فجة) كإرادة اجتماعية في مسار العملية التاريخية. أما قبل ذلك فلا وجود للتضليل (بالمعنى الدقيق للكلمة) بل نجد بالأحرى قمعاً شاملاً. إذ لا ضرورة هناك لتضليل المضطهدين، عندما يكونون غارقين لآذانهم في بؤس الواقع".
فات السيد شيللر أن أنظمة الاستبداد الشرقي تواصل التضليل بشكل سافر جنباً إلى جنب مع القمع الشامل، وبأقصى أشكاله، بما فيها الاستخدام المفرط للقوة ضد أي صوت مخالف مهما كان خافتاً.
ربما لأن الباحث الأكاديمي الأمريكي، التزم منهج تفكيك الحكومات الأمريكية ودورها في التلاعب بالعقول، على أن هذه الظاهرة لا تختلف في عمقها عما يحصل في دول الاستبداد الشرقي، تحديداً في الدول المتخلفة، أو النامية، إن شئتم.
ديمقراطية الدولة الديمقراطية لا تعني الديمقراطية في حق الجميع بالتمتع بالثروة والحق بالمعلومة وسائر أنواع المعرفة، حيث لا ديمقراطية عندما يتعلق الأمر بالمال "قدس الأقداس" حسب وصف كارل ماركس.
ثمة "مزايا مؤثرة" تحققت في أكبر دولة بالعالم، حسب الباحث، لكنه يستدرك: "على أن هذه المزايا المؤثرة ورغم توزعها بتوسع نسبي على النطاق الاجتماعي، لم تكن متاحة للقطاعات العريضة من السكان من الملونين وأفراد الطبقة العاملة، أو لم تنل منها إلا الجزء اليسير".
هذه شهادة من أكاديمي وخبير أمريكي متخصص وأحد مواطني الدولة الديمقراطية والأكثر رفاهية في العالم، هي الولايات المتحدة، فما الذي سيقوله لو أتيحت له فرصة دراسة مجتمع تحكمه دولة تحتل المراتب الأولى في الفساد، وعاصمتها بغداد هي العاصمة الأسوأ عيشاً، في العالم؟  
(*) هربرت أ. شيللر، المتلاعبون بالعقول، ترجمة عبدالسلام رضوان، سلسلة "عالم المعرفة".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

«الإطار» يطالب بانسحاب السوداني والمالكي.. وخطة قريبة لـ«دمج الحشد»

تراجع معدلات الانتحار في ذي قار بنسبة 27% خلال عام 2025

عراقيان يفوزان ضمن أفضل مئة فنان كاريكاتير في العالم

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

بغداد تصغي للكريسمس… الفن مساحة مشتركة للفرح

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram