"القسر والاستمالة" هما ذراعا السلطة في ميدان تأطير المجتمع الراهن، وعبرهما تنشط وتتغوّل، ويأتي الإعلام وإنتاج وجمع المعلومات في مقدمة الوسائل التي تلجأ إليها السلطة
، في تحقيق الهدف: القسر والاستمالة.
"القسر والاستمالة" تعبير آخر عن المبدأ الشهير "العصا والجزرة". وهو مبدأ عرفته جميع شعوب العالم بمن فيها التي تحكمها دول ديمقراطية، لذا تتفاوت حكومات الدول في "أسلوب" تنفيذ مبدأ "القسر والاستمالة" حسب درجة الإذعان والتمرد وأسلوبهما، داخل كل مجتمع. ثمة مستويات متباينة في تطبيق ذلك المبدأ.
في الغرب "الديمقراطي" أشكال متعددة لتأطير المجتمع، على وفق "ثقافة" القبول والرفض التي تعيشها جماهير تلك الدول، بعد تمارين عسيرة مرت بها لتبلغ "الجنّة" الراهنة، كما تبدو لجماهيرنا العربية التي ترزح في جحيمها الأبدي.
تقوم سياسة الدولة، أية دولة، على اللجوء إلى انتاج المعلومات وجمعها واستعمالها في تحقيق الأهداف الاستراتيجية الرئيسة لها عبر حكومات الدول، ولا فرق هنا بين الدول التي تسمى ديمقراطية أو الدول الاستبدادية، إلا في درجة القسوة والتضليل، أي أن الجوهر، هنا، واحد: حماية الدولة ضد أي من الأصوات التي تضعها أمام الخطر عندما يبدي الناس نوعاً من التذمر أو الرفض أو التمرد على سياسة الدولة، أو حكوماتها المتبدلة، شكلاً أو أداء، وفق التبادل السلمي للسلطة هناك، ووفق الانقلابات العسكرية، هنا، ووفق شن الحرب من الخارج لتغيير أنظمة سياسية في دول بعيدة، كما حدث في العراق، مثلاً.
في كتابه "المتلاعبون بالعقول" يقول هربرت أ. شيللر (أكاديمي أمريكي متخصص بوسائل الاتصال): (*)
"على أن تضليل الجماهير لا يمثل أول أداة تتبناها النخب الحاكمة من أجل الحفاظ على السيطرة الاجتماعية، فالحكام لا يلجأون إلى التضليل الإعلامي، إلا عندما يبدأ الشعب في الظهور (ولو بصورة فجة) كإرادة اجتماعية في مسار العملية التاريخية. أما قبل ذلك فلا وجود للتضليل (بالمعنى الدقيق للكلمة) بل نجد بالأحرى قمعاً شاملاً. إذ لا ضرورة هناك لتضليل المضطهدين، عندما يكونون غارقين لآذانهم في بؤس الواقع".
فات السيد شيللر أن أنظمة الاستبداد الشرقي تواصل التضليل بشكل سافر جنباً إلى جنب مع القمع الشامل، وبأقصى أشكاله، بما فيها الاستخدام المفرط للقوة ضد أي صوت مخالف مهما كان خافتاً.
ربما لأن الباحث الأكاديمي الأمريكي، التزم منهج تفكيك الحكومات الأمريكية ودورها في التلاعب بالعقول، على أن هذه الظاهرة لا تختلف في عمقها عما يحصل في دول الاستبداد الشرقي، تحديداً في الدول المتخلفة، أو النامية، إن شئتم.
ديمقراطية الدولة الديمقراطية لا تعني الديمقراطية في حق الجميع بالتمتع بالثروة والحق بالمعلومة وسائر أنواع المعرفة، حيث لا ديمقراطية عندما يتعلق الأمر بالمال "قدس الأقداس" حسب وصف كارل ماركس.
ثمة "مزايا مؤثرة" تحققت في أكبر دولة بالعالم، حسب الباحث، لكنه يستدرك: "على أن هذه المزايا المؤثرة ورغم توزعها بتوسع نسبي على النطاق الاجتماعي، لم تكن متاحة للقطاعات العريضة من السكان من الملونين وأفراد الطبقة العاملة، أو لم تنل منها إلا الجزء اليسير".
هذه شهادة من أكاديمي وخبير أمريكي متخصص وأحد مواطني الدولة الديمقراطية والأكثر رفاهية في العالم، هي الولايات المتحدة، فما الذي سيقوله لو أتيحت له فرصة دراسة مجتمع تحكمه دولة تحتل المراتب الأولى في الفساد، وعاصمتها بغداد هي العاصمة الأسوأ عيشاً، في العالم؟
(*) هربرت أ. شيللر، المتلاعبون بالعقول، ترجمة عبدالسلام رضوان، سلسلة "عالم المعرفة".
القسر والاستمالة
[post-views]
نشر في: 9 مايو, 2016: 09:01 م