عبد الرزاق الصافـينشرت مجلة (مسارات) التي تصدر عن (مؤسسة مسارات للتنمية الثقافية والإعلامية)، في عددها الثالث عشر، الصادر في خريف هذا العام (2009) ملفاً غنياً عنوانه على غلاف المجلة الأول «يهود العراق: الهجرة الجماعية والعودة المستحيلة».
ونظراً لأن ما حصل لليهود العراقيين في أواسط القرن الماضي لم يكن هجرة جماعية اختيارية، بل تهجير قسري لما يزيد عن مائة وثلاثين ألف مواطن عراقي يهودي، هم بقايا اكبر وأقدم جالية او مجموعة يهودية في العالم عاشت في العراق منذ نحو ألفين وخمسمائة عام، رأيت من المناسب إلقاء مزيد من الضوء على هذه القضية. لقد تم هذا التهجير القسري، الذي كان جريمة بشعة بحق هذه المجموعة، وبحق الشعب العراقي كله، نتيجة تواطؤ بين الصهيونية العالمية وحكومة إسرائيل، والحكومة البريطانية من جهة، وحكام العهد الملكي من جهة أخرى. وللتدليل على هذا الأمر سعيت للاستفادة من كراس بعنوان «كفاحنا ضد الصهيونية» الذي يحمل اسمي، وهو بحث مقدم إلى المؤتمر العلمي الذي عقد في أواسط سبعينيات القرن الماضي في بغداد ضد الصهيونية، أعدته لجنة برئاستي ضمت الرفاق فالح عبد الجبار وزهير الجزائري والدكتور صادق البلادي، وقدمتُ خلاصته في المؤتمر. هذه الخلاصة التي نشرت في صفحة كاملة من جريدة «طريق الشعب»، التي كنت رئيس تحريرها يومذاك. غير إني، للأسف، لم استطع الحصول على نسخة من الكراس المذكور، الذي يحوي معلومات موثقة حول هذا الموضوع، رغم بحثي الجاد عن الكراس طيلة شهر كامل! * ولذا عمدت إلى الاستفادة من مواد الملف المنشور في «مسارات» ومن كتاب الأستاذ صادق حسن السوداني الموسوم «النشاط الصهيوني في العراق: 1914-1952»، والى ذاكرتي عما حواه الكراس الذي لم استطع العثور عليه. كان تعداد الطائفة اليهودية في العراق في العام 1948 نحو 135 ألف مواطن. وكانت حكومة إسرائيل الصهيونية تأمل ان يبادر اليهود العراقيون إلى الهجرة إلى إسرائيل بعد إعلان قيامها في 15/آيار/1948 بناء على قرار تقسيم فلسطين الجائر الصادر عن هيئة الأمم المتحدة. غير ان أملها لم يتحقق، اذ لم يهاجر إلى إسرائيل في عام 1948 سوى خمسة عشر يهوديا، أي ما يعادل ما لا يزيد عن واحد بالألف بقليل! ولم يهاجر في العام 1949 سوى 1708 يهودياً، أي ما يعادل ما لا يزيد عن الواحد بالمئة بقليل. رغم إن الوضع شهد بدء المضايقات والتمييز ضد اليهود بعد قيام إسرائيل. وعندها تذكر بن غوريون، رئيس حكومة إسرائيل، مقولته قبل قيام إسرائيل بسنوات عديدة، اذ قال ما معناه:»انا لا اخجل ان اعترف بانه لو كان لدي من السلطة بقدر ما عندي من الرغبة لانتقيت عددا من الشباب الموهوب المتطور المستقيم والوفي لقضيتنا والمتوقد رغبة في تغيير اخلاقية اليهود وإرسالهم الى البلدان التي غرق فيها اليهود في رضا عن النفس اثم، ولأمرت هؤلاء الشباب بالتظاهر باللايهودية وملاحقة اليهود بالأساليب اللاسامية السمجة تحت شعارات مثل (ايها اليهود القذرون)، (ايها اليهود ارحلوا الى فلسطين). ويواصل بن غوريون قوله: (واؤكد لكم ان نتائج الهجرة قد تتخطى عشرات الاف المرات النتائج التي يحصل عليها رحالتنا الدعاة الذين يكيلون المواعظ الصم منذ عشر سنوات)». وعمدت حكومة إسرائيل إلى السعي بعدة طرق لإجبار يهود العراق على الهجرة إلى إسرائيل. هذه الهجرة التي تلكأت طيلة قرابة السنتين من قيام إسرائيل. اذ لم يترك العراق سوى ما يزيد قليلاً عن الواحد بالمائة من اليهود العراقيين. وسعت للضغط على الحكومة العراقية لتسهيل هجرة اليهود. عن طريق التواطؤ مع الحكومة البريطانية، إذ كانت بريطانيا صاحبة وعد بلفور وراعية الهجرة الصهيونية الى فلسطين طيلة ثلاثين عاماً على إصدارها ذلك الوعد المشؤوم في عام 1917، ودورها النشيط في إصدار قرار تقسيم فلسطين الجائر الذي حرم الشعب الفلسطيني من نصف وطنه. وكانت حصيلة هذا السعي تشريع قانون إسقاط الجنسية عن اليهود العراقيين، من قبل وزارة توفيق السويدي في آذار 1950، بدعم من نوري السعيد الذي كان يتمتع بالسيطرة على غالبية أعضاء مجلس النواب العراقي، ونفوذه الكبير في مجلس الأعيان وكل مرافق الدولة. هذا القانون الذي شـُرّع بطريق الاستعجال في مجلس النواب والأعيان. وجرى التمهيد له في الصحافة الحكومية، قبل إعلان الحكومة عن نيتها لإصداره. يقول توفيق السويدي في حديثه مع المؤرخ العراقي عبد الرزاق الحسني، المنشور في كتاب الأخير «تاريخ الوزارات العراقية» ما يلي: «انه - أي توفيق السويدي - كان قد فاتح السفارة البريطانية في بغداد بوجوب نقل يهود العراق إلى الهند للتخلص من مشكلتهم، فلم يستحسنوا هذه الطريقة، فكلّف وزير الداخلية صالح جبر ان يتصل بالسفير البريطاني لإيجاد الحل المناسب لهذه المشكلة، فكان إعداد التشريع المذكور (أي قانون إسقاط الجنسية – الصافي) آخر ما تفتقت عنه الأذهان». يقول السيد صادق حسن السوداني في كتابه (النشاط الصهيوني في العراق: 1914-1952) الذي مرّ ذكره، بصواب، &
قراءة فـي مجلة (مسارات)..تهجير قسري لا هجرة جماعية!
نشر في: 24 يناير, 2010: 05:47 م