كل الذين تناوبوا على إدارة مجلس اتحاد الأدباء في البصرة كانوا يروّجون على أنهم سيعملون على تقديم ما بوسعهم للثقافة وللمثقفين، وضمن التصور هذا، يصوِّت أعضاء الهيئة العامة لهذا وذاك، ومع تقلبهم في السنوات وتعدد المرات وتناوبهم على عضوية المجلس، نجد أن لا أحداً فيهم تمكن من تقديم ما يجب تقديمه، أو أننا رأينا وضعا ثقافيا متغيراً من خلال توليه لمهامه هذه، حتى صرنا وصارت الثقافة والحياة ثقافيا معهم في تراجع مستمر، منذ أن وضعت الدكتاتورية أوزارها الى اليوم، ولا نستثني أحداً.
وواضح اليوم حجم القطيعة بين الثقافة بالمجتمع، والفجوة واضحة كبيرة بين المثقف وما يجاوره ويعاضده وبين ما يعتمل في حيالتنا العامة من تخلف وتراجع ونكوص..
كتب أحد المرشحين لعضوية المجلس- وهو معروف في البصرة- في موقع الكتروني كلاماً يُسيء فيه لأحد المرشحين الأقوياء لرئاسة اتحاد الادباء في البصرة ووصفه بأخطر الصفات لا، بل كتب عنه ما لو قرأته جهة مسلحة متطرفة لحسمت أمر حياته في لحظات، وعلى خلفية ذلك يدور في الوسط الثقافي كلام بين مناصر لصاحب المنشور، مناوئ للمرشح القوي، وبين معارض له، قابلٍ به حتى انبرى المرشح هذا للرد، مستعينا بما لديه من صفات وتواريخ وارقام، بدت للبعض مقنعة وأعرض عن القناعة بها آخرون، وهنالك فريق ثالث يدور في بحر هائج، مائج بين هذا وذاك..
ضمن أجواء كهذه يتحدث بعض الأدباء- أحسبهم في غفلة من أمرهم- عن امكانية إنقاذ الثقافة والاتحاد مما وقع فيهما، لكن، وبجردة بسيطة يمكن لأي عضو في الهيئة العامة معرفة الأجواء التي تسود الأيام هذه، وما إذا كان بين هذا الفريق وذاك مَن هو معني بجدية في شأن الثقافة وهموم المثقفين. إني أكاد أجزم، ومعي كثيرون بأن المعركة هذه وحملات التسقيط والتشهير الإعلامي إنما تدور في محيط لا يمت لمصلحة الثقافة بشيء، هي جملة خصومات تاريخية، ركض وراء منافع، بحث عن امتيازات لم تمنع هؤلاء المتنافسين من الارتماء في حضن مَن يجدون فيه الدفء والمال والنفوذ من جهة والقدرة على اقصاء وتهميش الآخر من جهة أخرى، وبينهم مَن لا يرى في مقتل الآخر الخصم سبباً لإنسحابه.
معظم الذين وصلوا بأصوات ناخبيهم أو بوسائلهم غير الشريفة الى إدارة الاتحاد أو التنظيمات النقابية والثقافية والفنية الأخرى وقفوا على أبواب المحافظين ورؤساء المجالس البلدية، يتسلونهم مالا وقرابة ورضى، وكل المحافظين يعرفون جيداً أنهم إنما يتعاملون مع نخب (ثقافية) بليدة، يتقدمهم سعيٌ شخصي، أكثر مما هو همّ ثقافي في المدينة التي راحت تتآكل من جميع أطرافها. ويمكننا إجمال طلبات أعضاء الهيئات الادارية، الذين وقفوا بشأنها على بوابات المسؤولين والحزبيين لا تتجاوز المال لتنظيم فعالية أو مهرجان ما، وهو لعمري من أسوأ ما يمكن أن يطلبه أديب مثقف من مسؤول في حكومة..
تعلم الهيئات العامة أنها لن تجد احداً من المرشحين متصدياً للخراب الذي بات ينخر المجتمع البصري، كما أننا لم نجد احداً وقف بوجه مسؤول حكومي ليقول له: أنت، يا هذا. إن ما يحدث في المؤسسة هذه، أو ما يرفع شعارات في شوارع المدينة او إن ما يقوم به الحزب هذا والمسؤول ذاك، وما يتهدم من هذا المبنى التراثي وما يسقط من أثر هنا وهناك إنما هو فساد وإهمال وتخريب وسوء ادارة ومشاركة لداعش ولغيرها في تحطيم الروح عن السكان، وهو قتل متعمد، هــدٌّ لأبسط قيم الجمال، تخريب للثقافة.
لا يمكن وصف الصراع الدائر بين المرشحين الرئيسيين لمجلس إتحاد البصرة على أنه صراع لمصلحة الثقافة أبداً، هو في أبسط تجلياته تصفية حسابات قديمة، سعيٌ للتشفي، استقواءٌ سياسي، حربُ موهومين وأنصاف مثقفين. ومَن يعتقد بغير ذلك فهو إما واهمٌ، تحركه عواطفه، او مدلّس يرى في البحث عن الحقيقة ما يتكشَّف من ضغائنه!
المسكوت عنه في ثقافة البصرة
[post-views]
نشر في: 10 مايو, 2016: 09:01 م