TOP

جريدة المدى > سينما > "باولينا".. التسامح المختلف عليه

"باولينا".. التسامح المختلف عليه

نشر في: 12 مايو, 2016: 12:01 ص

العنوان الفيلم يحمل اسم باولينا ، الفتاة التي تقود الخط الدرامي لفيلم المخرج الأرجنتيني  سنتياغو ميتر ، والذي تقدم الممثلة "دولويس فونزي" دورا استثنائيا فيه، لذلك اقتصر العنوان على اسمها فقط كمدخل لثيمة الفيلم وحكايته . الحكاية باولينا شابة مثقف

العنوان
الفيلم يحمل اسم باولينا ، الفتاة التي تقود الخط الدرامي لفيلم المخرج الأرجنتيني  سنتياغو ميتر ، والذي تقدم الممثلة "دولويس فونزي" دورا استثنائيا فيه، لذلك اقتصر العنوان على اسمها فقط كمدخل لثيمة الفيلم وحكايته .

الحكاية
باولينا شابة مثقفة "دولوريس فونزي".، يسارية الافكار ، تحاول ان توصل مبادئها الى الاماكن القصية في بلدها ، مضحية بإمكانية ان تحصل على وظيفة  قاضي  مرموقة ، كما والدها القاضي الذي يتمتع بسمعة كبيرة في مجتمعه ، كونه قاضيا عادلا . في جلسة نقاش حاد معه تخبره بأنها قد قررت الذهاب الى منطقة نائية لتدرّس الطلاب هناك العلوم السياسية  وحقوق الانسان ، فتنجح في إقناعه رغم موقفه الرافض النابع من قلقه الكبير عليها ، كونه يعرف تلك المناطق التي تعاني الكثير من الحرمان نتيجة الحيف الواقع عليها ، وما يعكسه كل ذلك على السلوك الشخصي لناسها .
تذهب باوبينا الى احدى المناطق البعيدة كمدرِّسة في احدى مدراسها راسمة هدفا لها يتمحور في جعلهم يدركون ان الارجنتين الان غير الارجنتين السابقة الخاضعة لحكم دكتاتوري ، ويجب ان يعرفوا حقوقهم . لكنها ، وبسبب قلة خبرتها وعدم توفرها على تجربة حقيقية سابقة في تدريس ذلك ، تصطدم بعقبات كثيرة ، منها سخرية الطلاب ومشاكساتهم التي تتحملها على مضض ، لكن ما لم تتوقعه هو ان تتعرض للاغتصاب على يد بعض طلابها .

الاغتصاب
الاغتصاب هو محور الحكاية وذروتها ، كونه المدخل لثيمة الفيلم ورسالته عن التسامح الصعب وغير المألوف .
تتعرف باولينا على صديقة تسكن في منطقة بعيدة عن مكان سكنها ، التي تدعوها لقضاء امسية معها ، وعند عودتها على دراجة تقطع عليها الطريق مجموعة من طلبتها يقودهم "سيرو" العامل في احد مصانع الاخشاب ، والذي يغتصبها على مرأى منهم .
تعود باولينا منكسرة الى المنزل لا تصدق ما جرى لها ، وتشعر انها بحاجة الى ابيها القوي في هذه اللحظة من الضعف ، لتعرف بعد ذلك انها حامل بطفل غير شرعي نتيجة الاغتصاب ، الامر الذي يزيد من ازمتها النفسية ، لكنها تتمسك بجنينها وترفض التخلي عنه ، الامر الذي يدفع خطيبها الى التخلي عنها ، الامر الذي يزيد من حجم الخسارات التي تسهم في زيادة الضغط النفسي عليها .

الذروة
يبدأ الأب ومن خلال علاقته برئيس الشرطة بمطاردة الجناة ويتم القاء القبض على الجميع ، لكن بطريقة وحشية ويتعرضون للتعذيب بشتى الوسائل داخل السجن ، الاب اعتقد ان هذا سيرضي باولينا لكن المفاجأة واثناء استعراض المتهمين امامها ،لكي تحدد الجاني منهم وتعرفها عليهم خصوصا "سيرو" الذي سبق ان اعترف لصديقتها التي سهرت ليلتها عندها والتي كانت صديقة له ، انه هو الذي اغتصبها ، تخبر الضابط ان لا أحد من هؤلاء اغتصبها . هذا القرار اتخذته بعد ان شاهدت حجم الاذى الذي تعرضوا له ، والخوف والهلع الشديد الذي يعتريهم ، وهذا يعني انها سامحتهم ، لكن أية مسامحة تلك التي تعفو عن مغتصب وتسببه بحمل طفل غير شرعي . فترفض ان تشهد على سيرو الواقف امامها والذي سبق ان ذهبت اليه في عمله قبل إلقاء القبض عليه واخبرته انها تعرف تماما انه هو الفاعل ، وانها تعرف الدافع الذي جعله يقوم بفعلته ، وهي تسامحه ، الامر الذي يصيبه بالدهشة ، وكذلك جميع من يعرفها.

تأويل النص المرئي
طيلة احداث الفيلم ، نشاهد حجم الفقر والبؤس السائد ، ورتابة الحياة ، والحرمان الكبير الذي يعاني منه اهل المدينة الصغيرة ، مدينة ربما ليست بحاجة الى تعلم مبادئ حقوق الانسان والسياسة ، قبل ان تنعم بقليل من الرفاهية ومستوى معيشي معقول ، والتخلص من التهميش الكبير لها ولغيرها من المدن المشابهة لها .
في اول المشاهد نشاهد "سيرو" ومجموعة من الطلبة يتلصصون على امرأة تمارس الجنس مع احدهم في سيارته الخاصة ، عندما تتنقل الكاميرا على وجوههم نعي حجم الحرمان الذي يعانونه . .
باولينا نفسها لم تكن تشعر براحة نفسية في مدينتها الكبيرة ، كانت بحاجة للقيام بفعل يكسر الرتابة ولو انه لا يخرج عن دائرة ثقافتها ، لكن البعد النفسي لقرارها الذهاب الى اقصى مدن البلاد له دوافعه الخفية ، الواضح على تقاطيع وجهها ، فرغم الجمال الوافر الذي تتمتع به ، لكن ثمة مسحة حزن واضح في عينيها .
تخلص الارجنتين من الدكتاتورية وتحولها الى الديمقراطية ، لا يعني ان البلاد كلها تعيش بسلام وامان ورفاهية ، فالانتقال يتطلب الكثير من التضحيات ، وضحايا هذا الانتقال ربما يكونون من امثال باولينا الذين يؤمنون بأفكار يستعدون للتضحية بالكثير من اجل تفعيلها على ارض الواقع .
"عندما يتعلق الأمر بالفقراء فنظام العدالة لا يريد الحقيقة بل يريد المذنب، ولا يسعى لتحقيق العدالة بل إنزال العقاب ."
هذا ما تقوله باولينا لوالدها في عديد من نقاشاتها معه ، والان يتأكد ذلك من خلال مشاهدة ما حدث للمتهمين باغتصابها، والسؤال: ما هو حجم الفارق في تطبيق العدالة بين الاغنياء والفقراء ، اليس مثل هذا الفرق او الفارق والتمييز موجود في كل مكان ، ألم يسجن الكثير من الناس لا لذنب ما بل فقط لأنهم فقراء .

الاشتغال
لم يدخر المخرج سنتايغو ميتر جهدا في محاولة جعل المشاهد يتعاطف مع ضحيته ،متسنكرا فعل اغتصابها ومستنكرا ايضا قرارها بالتسامح ، من خلال الانثيال البصري المبني وفق حبكة متقنة ، نجح فيها كونه ساهم في كتابة السيناريو مع مارينو لليناس ، السيناريو نجح في تأجيج صراع داخلي لدى المشاهد ، هذا الصراع يتمحور برأينا في قرار باولينا بالتسامح مع الجناة او الجاني ، بقرارها بالاحتفاظ بالجنين ، باعتباره كائنا لا ذنب له فيما حصل ، هل نحن مع او ضد كل ما يجري من احداث ، طريقة اعتقال الشرطة للمتهمين ، ولماذا ما زالت الشرطة تتخذ ذات الاساليب القمعية في التعامل مع المتهمين رغم تحول البلاد من النظام الدكتاتوري القمعي الى النظام الديمقراطي .
أدت الممثلة "دولويس فونزي" دورها ببراعة فائقة ساعدها في ذلك وجهها الصارم الجميل ، ومسحة الحزن الذي تعتريه طيلة فترة الفيلم ، ونجحت بجعلنا نتعاطف معها في أزمتها ، وربما لا نتفق معها في قرار التسامح الذي اتخذته ، التسامح المثير للجدل وغير المألوف ، ليس في الارجنتين وحدها بل في كل مكان ، كون جريمة الاغتصاب هي الجريمة الاكثر قبحا التي يمكن ان تتعرض لها النساء .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الذين يتمسحون بأذيال السيستاني

هل تنجح أسواق الهايبر ماركت في العمل في بيئة العراق؟

ماذا تبقى من القانون الدولي؟

اتحاد مقاولي ذي قار "غاضب" من تضرر 250 شركة: تخصيصات المشاريع الحكومية "غائبة"

ديالى تتجه نحو الطاقة الشمسية لمواجهة "أسوأ أزمة" كهرباء مرتقبة

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

"بغداد تثور"... مشاهد سينمائية ديناميكية من ساحة التحرير

أثار اهتمامي موضوع زوجات مقاتلي داعش فجسدت دور ربيعة

الفائزون في الدورة الـ75 لمهرجان برلين السينمائي الدولي

مقالات ذات صلة

سينما

"بغداد تثور"... مشاهد سينمائية ديناميكية من ساحة التحرير

قيس قاسم تطرح مُشاهدة "بغداد تثور" (2023)، للعراقي المقيم في النرويج كرار العزاوي، كغالبية الأفلام الوثائقية الراصدة حدثاً دراماتيكياً آنياً، السؤال الإشكالي نفسه: أينبغي التريّث والانتظار لتوثيقه، ريثما تنضج في ذهن السينمائي، المعني برصده،...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram