TOP

جريدة المدى > سينما > أنا فيلليني.. الأحلام هي الحقيقة الوحيدة

أنا فيلليني.. الأحلام هي الحقيقة الوحيدة

نشر في: 12 مايو, 2016: 12:01 ص

كان مغامراً ومعقداً للغاية ، هذا ما تضيئه سيرته الضخمة التي أعدتها ش : شاندرلر وترجمها عارف حذيفة . لقد استغرقت فترة اعدادها أكثـر من ثلاثة عشر عاماً ، وحتى الأسابيع التي سبقت وفاته ... وكل سيرته هي حكاياته هو وما دونته ساندلر . كان يختار الأماكن الع

كان مغامراً ومعقداً للغاية ، هذا ما تضيئه سيرته الضخمة التي أعدتها ش : شاندرلر وترجمها عارف حذيفة . لقد استغرقت فترة اعدادها أكثـر من ثلاثة عشر عاماً ، وحتى الأسابيع التي سبقت وفاته ... وكل سيرته هي حكاياته هو وما دونته ساندلر . كان يختار الأماكن العامة للحديث معها ، وعموماً كانت المقاهي والمطاعم وأحيانا في سيارته ، لان هذه الأماكن تثير البهجة في نفسه ، مثلما تكشف طبيعته الواضحة والصريحة .

وما اختزنته شاندلر عبر السنوات الطويلة ، هو أن هذا الفنان العظيم ، كان وظل حالماً واهم ما في حياته هي الأحلام لأنها الحقيقة الوحيدة . لأنه يدرك جيداً ، بأن العقل الباطن مكتظ بغزارة الأحلام ، الفردية أو الجمعية ، في اليقظة والتصورات أو فعل مخياله لإنتاج الأحلام الفنية . وتكاد تكون ترجمته الفنية مرآة لأحلامه التي أعاد أنتاجها سينمائياً ، وهكذا هو فيلليني المهووس بطاقته الفنية ، وتصريحه مرات عديدة بأنه قادر على صوغ أحلام الناس وما يتصوره هو بواسطة الأفلام ، لذا يستطيع قارئ هذه السيرة المثيرة ، أن يقتنع بأن الحياة حلمه الكبير والواسع ، المستمر ، والذي لا يتوقف أبدا ، وأضفى هذا نوعاً من الاعتداد بتجربته ، لذا كانت الذات مشحونة بقدرتها للتعبير عن الأنا ، وكلاهما يعبران عن الكائن الغريب ، والاستثنائي . فالجسد موجود ، ومثير لمن يراه ، ويستدعي هذا أنا فريدة ، تباهى بها . وليس غريباً أن اختارت شاندلر عنواناً مركزاً للغاية : أنا فيلليني .
ويفصح هذا العنوان عن معرفة دقيقة لشخصية فيلليني واختارت له ما يحلم به أو يطمح أن يكون دالاً عليه ، قالت هذا نيابة عنه ، والعنوان ممتلئ بتاريخه وتفاصيل انجازاته الكثيرة وكثيراً ما قال لها آراء مثيرة للتأمل لما تنطوي عليه من شذرات فلسفية "الإنسان لا يتذكر حياته حسب ترتيبها الزمني ، فالنحو الذي سارت عليه هو الأهم ، أو هو الأهم في الظاهر ، نحن لا نتحكم في ذكرياتنا . وواحدنا لا يملك ذكرياته ، بل هي التي تملكه" . ذاكرته مكتظة بالأحلام الذاتية ، وتصورات الآخرين التي يستمع لها ويختزنها بوصفها أحلاماً.
تميزت  ش شاندلر في تجربتها الشخصية لإعداد سيرته الفنية ، ليست مكتملة ، بل اختارت منها ما توقعته مثيراً ، وكاشفاً عن الغموض الذي لف شخصية فيلليني .
في حوارها معه حول العناوين قال : " أن العنوان قيد . وعلى الإنسان أن لا يفكر في العنوان أولاً ، بل أخيراً ، وينبغي أن يكون شاملاً موضوعه قدر الإمكان .إذا تقيدت بالعنوان في البداية . ستجد ما تبحث عنه بدلاً من البحث عما هو مثير للاهتمام حقاً ، ومناقشته وأنت منفتح الذهن . أن العنوان لا يساعدك ، بل يرشدك ."
كان فيلليني فناناً لا يشبه أحدا . وقالت شاندلر بصراحة بأنه يوحدنا جميعاً برؤيا واحدة ، وفريدة . قال مرة : الأفلام صور متحركة . ولأفلامه صلة وثيقة بالإرث الفني وأقوى من صلتها بالإرث الأدبي . اختصر هذا المبدع الكبير حياته الفنية التي استثمرت التراث الفني الإنساني كله . وخلق لنفسه حياة واحدة . وظل هو الراوي لها عبر أفلامه التي اختزلت الكثير ، واختصرت أحلامه الإنسانية الغزيرة .
توزعت كثير من الشخصيات في أفلامه ، وأكثرها حضوراً غير مرئي في أفلامه ، على الرغم من حضورها الدائم كالروح ، وهذه هي شخصية فيلليني الذي ظل نجماً في أفلامه ، مثلما في الحياة اليومية وتفاصيلها الكثيرة الضاجة بما هو مثير للدهشة ، لقد كان فناناً قريباً من الجميع ، ينطوي على شيء من السحرية الجذابة والآسرة ، انه رجل صادق مع الآخرين ، لكنه دائماً ما يزاول الكذب مع نفسه .
كلامه مثير للدهشة ، وينفتح على التأويل ، وكان شاعراً ، يلتقط ما يدهش من مفردات ، تظل حاضرة ، محفزة للانشغال بإمكانات الكشوف فيها : ان الإنسان يواصل الحياة ما دام هناك أحياء ، يعرفونه ويهتمون به وأردفت شاندلر قائلة : " انه على حق . لقد كان فيلليني اكثر اهتماما بالأفلام الخالدة منه بالخلود الشخصي. "
المخفي اللاواعي ، غير المعروف بالتفاصيل ، كلها التقاطات فيلليني الشعرية الخاصة به ، والتي تعرف عليها هو ، أو توصل لها قبل الآخرين ، سجلها باسمه ، انها مكتشفاته الحلمية الكامنة في تخيلاته ووسط عالمه الفريد ، غيره لا يعرف وسيلته للوصول للأحلام التي لا تبعده عن الواقع ، بل تمركزه فيه . وتمنح تخيلاته طاقة المجال الفاعل في تجربته الفنية . وحده يعرف هذا الفضاء ، الغريب ، البعيد عن الآخرين ، والقريب إليه . " الفرق بين الآخرين وبيني ، هو أني اعرف أنني أعيش في عالم متخيّل ، واستاء من أي شيء يشوش رؤياي" . ولابد من التذكير بالعلاقة القائمة بين الحلم والرؤية ، التي اشار لهما فيلليني ، حيث المعنى الاستعاري والمحجوب المختفي فيهما . وهو فنان لا يعيش الا في فضاء التخيّلات . لان الذكريات مخزونة ولا يغادرها مثلما هي راضية بالسبات فيه "ولعل أهم ذكرياته ما كان لها تمظهر في عمله السينمائي ، واعني به الرسم . فقد كان في زمن بعيد جداً ، عندما كان طفلاً يرسم ، حتى تحول الرسم جزءاً منه ، والأم مزهوة به ، لأنه استجاب لنصائحها له عندما يرسم "هي مولعة بالرسم أيضا ، عندما كانت فتاة . الرسم مجال مجاور لعمله الفني ، وأحيانا يرسم شخصاً ممثلاً أو ممثلة وبعد ذلك يختار متماثلاً مع الذي رسمه."
وعرف هذا الفنان بأنه موهوب ، وما حاز عليه نعمة ثمينة جداً وعليه أن يقدرها ويستمتع بها . وأعظم موهبة امتلكها ـ كما قال ـ في الحياة هي مخيلته البصرية "أنها منبع أحلامي ، وهي التي مكنتني من الرسم ، وهي التي تصوغ أفلامي" ويذهب نحو تخيّل غريب ، انه حلمه الذي لن يتحقق "عند نهاية حياتي ، وفي فترة الغيبوبة القريبة من الموت ، أتمنى أن أرى رؤيا تكشف لي أسرار الكون ، وبعد ذلك استيقظ ، وأتمكن من صناعة فلم عن تلك الرؤيا ... الموت يكتنفه غموض رومانسي ... ويشير عن شعوره في سنواته الأخيرة " . " لو أصابني مرض واحتجزني عن العمل المختلف لكان ذلك موتاً في الحياة ، بالنسبة لي تقلقني فكرة العجز وعدم ممارسة الجنس ثماني مرات في الليلة الواحدة . حسناً ربما سبعة. "

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

عرض تسعة أفلام مدعومة من مؤسسة البحر الأحمر في مهرجان برلين السينمائي

الجدار.. ثنائية التحريض والاحتجاج

دفاتر السينما في عددها الأول 2025

مقالات ذات صلة

الجدار.. ثنائية التحريض والاحتجاج
سينما

الجدار.. ثنائية التحريض والاحتجاج

عدنان حسين أحمد - لندن تترصّع غالبية أفلام المخرج هادي ماهود بأفكار التنوير والتحريض والاحتجاج حيث يعتمد على كشف الحقائق، وخرق المحجوب الذي يضعهُ في دائرة الخطر. ويكفي أن نشير إلى أفلامه التحريضية التي...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram