مستر بريمر له الفضل الكبير في ترسيخ مظاهر الدَّمج في الحياة العراقية ، حين قرر ضم الأجنحة المسلحة التابعة لقوى سياسية قارعت الديكتاتورية الى المؤسسة العسكرية . في زمن صدور القرار ، كان التطوع في الجيش او الشرطة يُعد من المحرمات ، ومَن يرغب في العودة من منتسبي الجيش المنحل عليه ان يضع في حسابه ، بأنه اصبح هدفا متحركا لفصائل مسلحة تابعة لقوى عراقية رفضت المشاركة في العملية السياسية ، نظرية الدَّمج منحت رُتباً عالية الى اشخاص امتلكوا حق ادارة الملف الأمني، فكانت النتيجة تراجع الاوضاع الأمنية في المناطق الساخنة وحتى الباردة .
إعادة بناء المؤسسة العسكرية، كلفت الخزينة العراقية مليارات الدولارات ، لا يهم ذلك ما دام الهدف ضمان استقرار الاوضاع الأمنية ، لكن هذه الامنية لا تتحقق بوجود ضباط دمج لم تشملهم اصلاحات رئيس الحكومة العبادي ، فظل قرار بريمر يحتفظ بقوة اثنين حصان غير خاضع لإعادة النظر او البحث ، لوجود اطراف مشاركة في الحكومة الحالية ، تدافع عن القرار بوصفه جاء في وقت غياب المؤسسة العسكرية بحل الجيش العراقي ، وتهريب معداته وآلياته الى جهات توصف بأنها مجهولة ، لكنها معلومة معروفة لدى القوات الاميركية والمهربين وتجار الاسلحة!
انتقل ابتكار الدمج الى مفاصل كثيرة في الحياة العراقية ،في المدارس لمواجهة مشكلة نقص الابنية المدرسية ، في العشوائيات المنتشرة في بغداد، فضمّت أُسراً قررت ان تندمج في حي سكني غير مشمول بالخدمات الاساسية ، لتشكيل قوة ضغط امام الجهات المسؤولة عن رفع التجاوزات ، وتحقق الدمج ايضا في تنفيذ المشاريع ، صاحب العقد يدمج اكثر من مقاول في مشروع واحد فتضيع المبالغ بعد ان يتسلم الوسطاء حصصهم المثبتة بوثائق وُقِّعت في الغرف المغلقة وتحت إشراف حزب متنفذ ، لديه الاستعداد لتحشيد ضباطه الدمج ضد مَن يرفض تسليم الامين العام حصته من الرزق الحلال !
بريمر حفظه الله ورعاه جعل الدمج منهجاً في العراق ، مَن تبناه ظفر ، ومَن تخلى عنه خسر الدنيا والآخرة ، انطلاقا من هذه القاعدة ، وُلِد من الدمج قرار منح المناصب بالوكالة ، لتفادي اشكاليات الاصالة ، وقطع طريق الدخول الى تقاسم المواقع على اساس الانتماء المذهبي مما يؤدي الى المزيد من الخلاف لا يخدم العملية السياسية .
حكومة العبادي الجديدة دمجت الوزارات ، بهدف تقليص النفقات ، مع احداث ترشيق ومعالجة الترهل في الدوائر الرسمية ، المعترضون فسروا لجوء العبادي الى خيار الدمج لإبعاد شخصيات تصدرت قائمة الوزراء المخضرمين في الحكومات المتعاقبة من الكابينة الجديدة ، بعيدا عن الحسابات السياسية ، الدمج الوزاري لا يحقق التقشف، بل سيضيف اعباءً على الوزير الجديد المستقل ، فيكون هدفا متحركا لكتل برلمانية تبكي على اطلال وزاراتها ، وحين تصل الى مرحلة النحيب ، تقرر جمع التواقيع لتبطش بالوزير الجديد !
جمهورية "الدَّمج" العراقية
[post-views]
نشر في: 11 مايو, 2016: 09:01 م