كما هو المعتاد عنهم، يعالج الأميركان الأزمات عبر الخوض في سلسلة من المتاهات التي تُفضي بدورها الى أزمات اخرى أكثر تعقيداً من الأزمة التي اُريد حلها.
لن اذهب شرقاً او غرباً للتدليل على فرضيتي اعلان، فبالامكان الإشارة الى الحرب على داعش كمثال بارز على المقاربة الاميركية في معالجة الأزمات. فواشنطن ارادت مواجهة داعش لكنها خسرت ثقة شعوب المنطقة، وهل هناك أخطر من ذلك؟!
فعندما سقطت الموصل بيد داعش، في حزيران 2014، انكرت ادارة اوباما وجود خطر، معتبرة ان ذلك نتيجة طبيعية لأزمة سياسية جراء تهميش السُّنة. حينها قال اوباما إن المشكلة عراقية بالدرجة الاولى، وان بلاده لن تتدخل في ما لا يعنيها.
لكن واشنطن عادت، بعد شهرين من سقوط الموصل، الى الاعتراف بالخطر الذي يمثله داعش إثر اجتياح التنظيم سهل نينوى وتعرض التركمان والايزديين والشبك الى أبشع جريمة انسانية شهدتها العقود المتأخرة، سبق ذلك تهجير مسيحيي الموصل وتفجير كنائسهم ومصادرة أملاكهم.
لقد أدى إرتباك وتخبط الرؤية الاميركية في مواجهة داعش الى مفاقمة خطر هذا التنظيم الإرهابي وعرقلة القضاء عليه. بدوره استثمر داعش هذا التراخي ليحكم سطوته على مناطق احتلها سواء في الرقة او الموصل، والنتيجة ان اهالي الموصل، بعد 20 شهراً من احتلال مدينتهم، باتوا لا يصدقون وعود التحرير او تحريك الجيوش هنا وهناك.
في آذار الماضي، استغربت الخارجية الاميركية ان يرفض نصف العراقيين، من مختلف الانتماءات، دور اميركا مباشرة في محاربة داعش على أرضهم، وان ثلث العراقيين يعتقدون ان الولايات المتحدة تُدعم الإرهاب بشكل عام وداعش على وجه التحديد.
وبحسب الاستطلاع الذي أجراه مفتش الخارجية الاميركية، فان قرابة 40% من العراقيين يعتقدون ان الولايات المتحدة تعمل على زعزعة استقرار العراق والسيطرة على موارده الطبيعية.
ويشكو التقرير من أن "السفارة الأميركية في بغداد تواجه حملات تضليل إعلامي مستمرة". وفيما يشبه التبرير لفشل الدبلوماسية الاميركية في التواصل مع العراقيين، يخلص التقرير الى القول بأن ذلك "لا يدع مجالًا للسفارة الأميركية لتلميع صورة بلادها الحالية ودورها في العراق".
لكن عندما تسأل الدبلوماسية الاميركية، وسفارتها الاكبر في العالم، عما فعلت لتغيير او تحسين صورتها لدى العراقيين، نكتشف انها رصدت خلال العام الماضي 10 ملايين دولار لما تسميه بـ"التوعية العامة"، وربما تكون قد رصدت مثل هذا المبلغ خلال العام الجاري.
بالتأكيد فهذا رقم كبير، يعادل نحو 13 مليار دينار عراقي، بالنسبة لسوق محدودة، لكن التساؤل الأهم أين تم إنفاقه؟ وعلى مَن؟ وما هي الجيوب التي ذهبت اليها هذه الاموال؟ وكيف تبخرت هذه المبالغ في وقت تعاني وسائل الإعلام المحلية من ازمة مالية شديدة، أدت الى إغلاق العديد منها؟!
ألا تتساءل الدبلوماسية الاميركية عن جدوى المشاريع الوهمية التي رُصدت لها مبالغ طائلة كجزء من خطتها لمواجهة داعش؟ وهل تفكر السفارة بمغادرة التعامل مع منظمات "فضائية"، وتجرّب التفكير بطرق اكثر جدوى لمواجهة داعش والتطرف؟
ماذا قدّم للحرب على داعش، مشروعٌ ينفق ملايين الدولارات على مئات من صفحات التواصل الاجتماعي، لكنه يبتعد عن الصحافة المستقلة، والإعلام المتواجد على ارض المعركة؟ اين هو من السينما وكل ما تنتجه الثقافة؟!
وباستثناء ما يقوم به القنصل الاميركي في الجنوب ستيف ووكر من مد الجسور مع فرق رياضية او تأييده لضم الاهوار الى لائحة التراث العالمي، لم يسجل للدبلوماسية الاميركية نقطة ايجابية لكسب ود العراقيين، مفضلة ان يقتصر نشاطها داخل الكواليس السياسية فقط.
العام الماضي كتبت، في هذا العمود، عن "داعش الاميركية" التي تواصل حياتها وسط حرب يشنها تحالف دولي يضم 50 دولة بقيادة الولايات المتحدة، وكلف 7 مليارات دولار حتى الآن.
وما كان خاتمة لذلك المقال، يصلح خاتمة لهذا المقال ايضا فأني"لا أزعم ان داعش أميركية الوجود، فهذا مما لا يمكن إثباته، لكنها أميركية البقاء بكل تأكيد"، والدليل ما تقدَّم!
كيف خسرت أميركا العراق؟
[post-views]
نشر في: 11 مايو, 2016: 09:01 م