وأخيراً .... تبيّن الخيط الأبيض من الأسود لمكتب المفتّش العام لوزارة التربية في أن "التدخلات السياسية"، فضلاً عن "الأوضاع الأمنية والطائفية"، من الأسباب الرئيسة في ضعف الإدارة المدرسية في البلاد، بحسب ما جاء في بيان للمكتب نُشر أمس، وتضمن إقراراً صريحاً بأن هذه الأسباب "أدت إلى ضعف اختيار إدارات المدارس في المديريات العامة للتربية كافة".
ما الذي يعنيه تعبير "التدخلات السياسية"؟.. إنه يعني بكل بساطة أن الأحزاب الحاكمة والميليشيات التابعة لها تتدخل في الشأن التعليمي، وأحد أشكال هذا التدخل فرض إدارات من عناصر هذه الأحزاب والميليشيات لا يتوفر فيها أدنى الشروط اللازمة لإدارة المدارس وللإشراف التربوي.
هذه المشكلة لا تختصّ بالتعليم الابتدائي والمتوسط والإعدادي التابع لوزارة التربية، فالأمر كذلك في مجال التعليم العالي هو الآخر .. لدينا جامعات وكليات ومعاهد يتولى رئاستها وعمادتها وإدارتها أكاديميون لا يتحلّون هم أيضاً بالحدّ الأدنى من المستوى الأكاديمي والإداري اللازم. وكان من عواقب هذا أن انحطّ مستوى التعليم العالي والبحث العلمي، وصارت جامعاتنا تتراجع في التصنيفات الدولية والاقليمية الى الحضيض ويأتي ترتيبها في ذيول القوائم.
أكثر من هذا، فإن أجهزة الدولة كلها تعاني من هذه المشكلة، وهذا ما يكشف عن واحد من أسرار ما نواجهه في حياتنا الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية من تخلّف وانحطاط وخراب. الحزبيون والميليشياويون يتولّون الإدارات العليا، وبدورهم يعهدون إلى محازبيهم وعناصرهم بالإدارات والأقسام والشعب الأدنى، والنتيجة فساد إداري ومالي عاصف ومزلزل. وهذا بالضبط ما نحن فيه الآن.
مكتب المفتش العام في وزارة التربية قال بيانه إنه "وضع برامج لمعالجة ضعف الإدارة المدرسية ووضع الحلول الستراتيجية لها"، لكنه لم يخبرنا بماهيّة هذه الحلول، عدا القول إن "من أهم تلك الحلول استحداث تشكيل إداري يعني بإدارات المدارس يتولّى تقييم المديرين وإدخالهم في دورات تطويرية تتضمن الاتجاهات الحديثة للإدارة وإعداد مشروع بعنوان (الإعداد المهني لمديري المدارس على مستوى البكالوريوس في أقسام التربية في الجامعات)"... الخشية هنا أن الأمور ستتردى أكثر من ذي قبل مع هذا الموصوف في بيان المكتب بـ "من أهم الحلول"، فالتشكيل الإداري المُقترح يُمكن أن ينقل إلى نفسه الأمراض ذاتها السائدة في جهاز الدولة البيروقراطي، وفي مقدمها أو على رأسها الفساد الإداري والمالي، فتكون الكلفة والعواقب مضاعفة.
أية حلول لمشكلة الإدارات المدرسية والجامعية ولقضية التردّي في المستوى العلمي للجامعات والمعاهد، ولسائر مشاكلنا وأزماتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لا يمكن أن تتحقق مع بقاء النظام السياسي المحاصصاتي قائماً. الشرّ يولد الشرّ، ومن الطبيعي أن يتفشّى الشرّ المحاصصاتي، المستوطن الآن في قمّة الهرم السياسي والاجتماعي، في كلّ الاتجاهات ويجتاح السفوح باتجاه الأدنى ليضرب خلايا المجتمع فاطبة، وبينها المدارس والجامعات.
هل كان هذا أحد الحلول الستراتيجيّة التي وضعها مكتب المفتّش العام بوزارة التربية؟
لا أظنُّ.
اعتراف المُفتّش العام
[post-views]
نشر في: 11 مايو, 2016: 05:35 م