اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > زهرة اليأس الأسمى في رسومات (هاشم حنّون)

زهرة اليأس الأسمى في رسومات (هاشم حنّون)

نشر في: 14 مايو, 2016: 12:01 ص

تزخر اللوحةُ التي يرسمُها (هاشم حنّون) بالنابض والحيويّ من ينابيع مشاعره ودفء عواطفه النبيلة،والكفيلة بغسل كل اعتلالات الروح والتخفيف من شدة اوجاعها وغربتها ،والسعي لمحو آثار المخاوف وتبديد هواجسها،بغية تذليل الصعاب أمام براءة ونُزهة الأشياء والعوالم

تزخر اللوحةُ التي يرسمُها (هاشم حنّون) بالنابض والحيويّ من ينابيع مشاعره ودفء عواطفه النبيلة،والكفيلة بغسل كل اعتلالات الروح والتخفيف من شدة اوجاعها وغربتها ،والسعي لمحو آثار المخاوف وتبديد هواجسها،بغية تذليل الصعاب أمام براءة ونُزهة الأشياء والعوالم التي تقترحها ذائقته المُتخمة بصورِ لتصوّراتٍ خالية -تماماً- من أية زوائد وعيوب كتلك التي تتركها عفويّات أخطاء الواقع وظلاله على كثافة تلك البراءات المُتاخمة لسوانح الحلم والدعة والشعور الرائق بالطمأنينة، ومتعة التعويض عن غزارة الألم الرابض في غواطس اللأشعور.

(أستحلفُ النجمةَ
أن تحتمي -أكثـر- بالضوء
والنهرُ... بالماءِ
والطفولة.ُ.. بالطفولةَ
فثمة مؤامرةٌ
لاغتيال الفرح
بغلِ ... فرح ٍ حقود !)

ما من نقطةٍ في أتون أعماله تخلو من وقع قوة التأثير،وسطوة التنامي وديمومة التفاعل فيما بين تلك العلاقات التي يَنسجُ عليها (حنّون) صدق دفاعاته واستمالاته الجماليّة المدعومة بوعيّ معرفيّ ودربة تجريب يعاند الاختزال من أجل لذة الفوز بنشوة الإضافة الروحيّة عند نهاية نفق محاولاته،حيث يتوازى الحذف وقيمة أثر الإضافة النوعيّة التي يناور على توريدها- نسقاً وأسلوباً- عبر متآخياتٍ وتجاوراتٍ تناغميّة،حفلت تُرتّل آهاتٍ فائضةٍ عن مقاييس ذلك الحزن الشفيف الذي يباغت فيه سيمفونيات معزوفاتة اللوّنية،ويُعمّد بجلال الضوء مهابة الكشف عن عُتمة المخزون من بقايا ذلك (الخراب الجميل) الذي يسكن دواخله،حتى حين يحاول أن يحدّ أو يمنع من جبروت وطغيان حضور ذلك الحزن وذلك الخراب،على النحو الذي يزيد من قابليّة الشدّ الدرامي في تثمين بناء وحدات لوحاته وطبيعة إخراجها من ملكوتات جحيمها المعتادة من حواضن حروب...حصارات...هجرة ... رحيل ... نوبات من اللاجدوى... نوازع غربة وتحشيدات مشاعر لم تعد صالحة للتبرير،كما انها ليست جديرة بمخاتلات وتعليلات الرسم العادي،المتداول والمألوف وبنوده التعويضيّة وغيرها من نقاط تخويل وتحويل،برع (هاشم حنّون) في تجاورها وفي تقليب وتقريب لوامسها من عالمه الشخصي الخاص،لكي يستنهض فيها، ومنها ملكات تحويلها إلى سوالك همومٍ  إنسانيّةٍ عامة،متفاعلة مع مُحيطها وخواصها شعورها الجمعيّ،من خلال مسارب حنين العودة إلى عالم الطفولة وبطولة الأشياء وفتنتها،وتحفيز حيويّة اللحظات التي يستنطقها ويغريها-مكراً إبداعيّاً- للوقوف إلى جانب تجربته اللافتة والممتدة إلى بداية ثمانينات القرن الفائت، ومشاركاته في لوحة حملت عنوان (الشهيد) في العام 1978 وتوالي مشاركات أخرى في معارض دائرة الفنون،فضلاً عن كونها تجربة عراقية حافلة بوثوب تماثلاتها منذ بواكير ذلك الوعي وتقدّمه على الكثير من أقرانه، وجرأة تبنيه لمساوماتِ لعبٍ تمثيلي (سايكو-دراما) أضحى يُحادد بها  ضفاف ذلك النوع من العبقريّة القادرة على حمل أجنحة الطفولة مرفرفةً حتى تخوم الشيخوخة، دون أدنى فقدانٍ لحماسة الروح، ومن ثمّ إغراءات تفويض الدهشة، الدهشة التي يراها الروائي (ميلان كونديرا)؛ على انها توّترٍ حيوي،وبما يتقابل لدى(حنّون) في مرايا مهاراته التعبيريّة،وسُبل إرساء وسائله الدفاعيّة حيال مشروعه الوجودي والإبداعي ،وحتميّة الحفول بحياة تستحق منه -بموضوعيّة وحياد- ربح كل ما قدّم من تضحيات وخسائر عبر مجسات توريد قِيمة الفن الذي يرتقي فيه ويسمو على كل ما فات،واستنشاق هواء ما هو آت،وبما -قد- يقابل جوهر ما سعىت تلخيصه عبارة(نيتشه) القائلة؛(يمكنني أن ألقي على كلِ ما حدث لي ... سواء أكان فاجعةً أم فرحاً،نظرة اعترافٍ بالجميل).
   هنا... يتحوّل الرسم في مُنعكساتِ تجربةٍ راسخةٍ وعميقة من حيث معاملات ارتباطاتها الحدسيّة ومقومات الحسيّة والمعرفيّة وإصرار تميّزاتها-على نحوٍ نابضٍ و مُتجددّ- عن غيرها من تجارب خوض مثل هذه المُغامرات التعوِيضيّة،وصولاً لمرافئ موقف جمالي رصين،يتجاوزَ من خلاله  محاكاة  قسوة الواقع، بغية أن يستلذ من تداخلات  ظروفه الخاصة  وتشظياتها،لينتقل بمجمل كل ذلك نحو مصاف سمو الأحلام ومُرادفات الحياة البدائيّة  البسيطة والحميمية بكامل حواكم وعيها وقياسات تخلصها من سطوة المكان ووجوده(الفيزيقي)،والسهي بالتسلي في أثيرية سحره (أي المكان الذي يفترضه هاشم حنّون ويدافع عنه بالرسم) وبنزق شاعريته وتمرداته التأويليّة،وتلك مهارات دفاعية يقظة و موزونة بدواعي ثقل ثقافة متنوّعة المصادر والمرامي والتوجهات التي التزمت هذا الفنان لأن يبتكر لنفسه عوالمه وخواص مصداته،وتتحُسس طعم ومذاق قيمة اللوّن القادر على تلبية نواياه ومفاتن مقاصده وتحميلاته الوجدانيّة، وبإعتماد ثقة النقطة-كما أشرنا- التي يفاوض على قوتها الكامنة في عموم مساحات أعماله،وما تُمثّله جميع عناصر اللوحة الواحدة  من درجات التعاقب والتوالي بمرونة وحيويّة ومتعة  استرخاء ضمني،تتناسل كُلّها في ممالك جوٍ من السعادة والفرح المتطامن والمتناغي مع رهان منجزاته المعماريّة أي كان شكل وهيئة اللوحة،سواء إن اتخذت نسق المصفوفات أو التجاورات الكتلويّة بفوارق مساحات مُحَددة ومرهونة، لا تماسس أو تؤثر على الجو الدرامي العام للعمل الفني، أو في حالة تناميها وتصاعد إنساغها وامتدادات جذورها  في  كنف ونسيج ذلك المحيط الطفولي-التلقائي والعفويّ الذي تسبح فيه شخوص وموجوداته،دون مُحددات وفواصل،وبما يجعل منها منطلقاً تتابعيّاً في ترويض مهارات التعبير عن مشاعره الحقيقيّة،ومحافل مواقفه  بالدرجة الجماليّة القصوى الحافلة ببهاء اللحظة الباهرة،وبالطريقة التي ينوي بها الوصول لنبل غاياته المترعة بالعمق والبساطة-معاً-،والمُكثفّة في تحويل(هَيُولى)الحلم-بالتخطيط الأولي للصورة أو الشكل-الى دهشةٍ محسوسة قادرة على التحريض والاحتفاء ببراء الأشياء و دبق العلاقات التي تحويها ربوع لوحاته الجافلة بسطوع اللوّن،والحافلة بتآخيات موجوادت نابعة من صدقية وسجية لحظات وجودها، كما لو أن الكلُ واحدٌ في تماهيات تلك المقتربات والتوجهات التي نادت بها جماعة(كوبرا-cobra)بعد نهاية الحرب الكونيّة الثانيّة،بتمهيدات اقترابها من الشعر والفن الشعبي ورسوم الأطفال والفن البدائي،فضلاً عن مقت أعضاء هذه الجماعة للتقليد والاجترار،وجَلدِ مناهضتها للجمال والتوادد والانسجام مابين مُكملات المشهد العام للعمل الفني والخطاب الجمالي الصرف،بينما تصطف استبدالات (هاشم حنون) لتجانب تفويضات سعادات مدن من حيويّة فرح طاغٍ،يواجه بها هول وعورة درب الآلام وسلالم المصائب والمِحنّ،لتحفل-أعماله.. بعد ذلك- بأنواع من استمالات جمالية بارعة،مبتكرة ومُحكمة ببنود خبرة وعافية موهبة وذكاء تجريب مغاير في حداثة مشهد التشكيل العراقي.
  وفي الوقت الذي ينشد فيه(حنّون) سُبل الخلاص الإنساني متخذاً من دِفاعات الأحلام وأشكالها الإستبداليّة دريئةً في ترجمة عوالمها وأخيلتها على سطوح لوحاته الذائبة بغنائيّات الألوان خضلةً،مزهوةً بإضافة مواد أخرى تزيد من قوة حضور اللوّن كعلامة فارقة في منتوجات أحلامه البصريّة،نجده-أيضاً- يُشيّد ملامح مُدن حلميّة-هي الأخرى- تُعجُّ بالنابض من الحياة وتُقيم من وهج ذلك (كرنفالات)هائمة وقائمة على تحويل (مآثر) الحزن ألى حصنِ سعادةٍ وفرحٍ أثيرين،إذ تفيض رسوماته-خاصةً بعد تحوّلات انفتاحه على تجارب عالميّة خاصة عند إقامته في كندا منذ عدة سنوات- بجملةِ  من استناراتٍ وتوضيحاتٍ مستترة تتوّسد دِثار وعي حذرٍ تارةً،وغيرها مُعلنة- واضحة تحت طائلة إجراءات نفسيّة مُحكمة التفكير و البناء تارات أخرى،وبما يُشكّل مثابة تنافسيّة-خفيّة تجمع ما بين سحر الغموض المحبّب،ومتعة الإفصاح المرح،الرامي إلى إلغاء المسافة بينهما-تماماً- وجعلها بمثابةِ برزخٍ للعفويّة والبساطة المُوغلة ببراعة ونبوغ التعقيد الماثل في نوع تقانة التنفيذ وتلك الأجراءات المُحصنّة التي يلجأ إليها هذا الفنان في توريد شريط خواطره وذكرياته ومرموزات حياته بشفاعة دفقٍ حيّ،بارعٌ وتلقائي في ذات اكتواءاته النفسيّة تلك،ولو كنتُ ممن يسمّون ويحبذون هذا النوع من التعبير بـ (السهل المُمتنع)،لكنتُ اكتفيتً بذلك،وتركتُ تجربة(حنّون) تبوّب نفسها تحت هذا التصيف،الذي أراه لا يُقارب أو يداني خفقات كميّات العاطفة الواعيّة والجهد الفكري الخلاّق الذي يُحيي به أرواح كائناته الحالمة بانتعاشات دهشتها،وفي أن يديم صلة الوصل في مستوطناته الذهنيّة،وعوالم استشعاراته الحلميّة المُتقدمة على حقيقة رهانية واقعها المحض،إنه يرسم بقدسيةِ لحظاتٍ غنى تأمل،وساعات تجلّ في اقتباسات أحلام،يبتكر هو أجواءها ومواقعها وأنساقها بحريّة تامة، فليس من منطق معين يُهدي إليه فيوضات رغباته ويُعينه في السير على ضوء فناراته،فالمشهد التتابعي في شريط ومتحف ذاكرته -هنا-يحاول (حنّون)أن ينتقي أو يختار موجوداته وقياساته ووضعيات شخوصه وعناصر أشيائه،وتلاقي علاقاتها مع بعضها من تجاربه الواعية في أبهى حالات تمرّدها ومثول دفاعاتها وربحيّة تعويضاتها الجسيمة بالحلم وتحقيق بطولاتٍ حقيقية،تباغت الوهم وتنتصر عليه تطلعات(هاشم حنّون)الأُس العفويّ الأكبر في متانة المشهد التشكيلي العراقي من حيث قوة وجسامة ما تعرّض إليه خلال مسيرة حياته منذ يفاعة وعيه،مروراُ بملحقات تقسيّاتِ ظروفٍ ومتواليات محن،ثم مهارة الظفر بقوة وبراعة الدفع الحكيم والمُفكّر ومقاومة أشباح الغربة،وتخطي عقباتِ جَمع كل ما ورد و ما كان وما حصل عبر(ميكانزمات) الفن من أجل مواصلة الحياة،ومسكِ عروة السعادة –ربما- على الطريقة التي ذهب إليها (كازانتزاكي) على اعتبار؛(السعادة .... هي الزهرة الأسمى ليأسه).

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram