(جزء أول)
عنوان يصلح أن يكون هدفاً وشعاراً وهتافاً وحلماً.
هو شوق الملايين من العراقيين وغير العراقيين في بلدان العرب.
يلخص هذا العنوان أكثر حاجات الناس إلحاحاً لبلوغ ما يفترض من حال تتيح لهم تحقيق آدميتهم والخروج من حال الجوع والصمت والعسكرتاريا ودولة الإسلام السياسي، وكلها معيقات أساسية للفرد ليكون إنساناً. مثل الكثيرين غيري ساندت الحراك المدني بما أوتيت من كتابة ومنشورات على الفيسبوك وصور شخصية لي متظاهراً، وحدي، في لندن كإشارة رمزية للتعبير عن مشاركتي للجموع التي تتظاهر في ساحة التحرير. وفي زيارتي الأخيرة لبغداد شاركت المتظاهرين بكلمة ارتجالية دعماً لحراكهم وتأييداً لمطالبهم. أتذكر مما قلته في كلمتي المرتجلة القصيرة: نحن أقلية، نعم، لكن الأقلية الشجاعة أكثرية. كان بين منسقي الحراك أصدقاء تواصلت مع بعضهم في حوارات مكثفة حول ما يحدث وقدمت مقترحات، اعتقدتها مفيدة، ملخصها: كل توسيع للمشاركة في الحراك هو في صالح الحراك، وبما يعزز جدواه ويفتح الأبواب أمام عراقيين آخرين للمشاركة، على وفق عدم أدلجة الحراك والابتعاد عن الحزبية والالتزام بالروح السلمية. أي ما يعزز عراقية هذا النشاط المدني، واضح القوام والأفكار والغايات، مع التأكيد على أن لا شروط على من يرغب في المشاركة عدا الالتزام بالفكرة المدنية لتحقيق الدولة المدنية، وعدم الخضوع لأي ابتزاز من طرف كتل وتيارات ومليشيات الإسلام السياسي. لكن الالتباس اللاحق، واختلاط الأوراق، بعد دخول التيار الصدري على الخط. أحد أقرب أصدقائي، أحبه وأحترمه، برر دخول التيار الصدري بمثال لا يمت إلى الدراما العراقية بصلة، عندما قال: لاهوت التحرير في الظاهرة الساندينية، كان إيجابياً في السير مع الثورة. ورددت بأن لاهوت التحرير، هناك، لم يكن قائداً للثورة بل داعم فعال لها، رغم أن أبرز زعمائه انسحبوا بعد سنوات. هل يعقل أن يقرن أحد موقف لاهوت التحرير اللاتيني الداعم لحركة اليسار والديمقراطية هناك بدولة الإسلام السياسي في العراق، أساس وجوهر الخراب العراقي الراهن؟كنت، وما زلت، أضع يدي على قلبي ويدي الأخرى مع مناضلي الحراك ومتظاهريه، لأن الأمر خرج عن السيطرة، إذ لم يعد بمقدور الحراك المدني الاستمرار منفرداً أمام ضغط سياسي/جماهيري جديد فلم يكن أمام منسقيه بد من الاستسلام أمام حلول اللحظة المتوترة التي لا يقوون على مجابهتها باسترخاء. .. وحين حلّت تلك اللحظة، غير محسوبة النتائج، عندما اقتحم المتظاهرون مبنى البرلمان، ازداد خوفي وقلت: المقبل هو الأخطر. رغم ان مبنى البرلمان أحد أكبر مراكز الفساد والجريمة في العراق. مع أن "خصوبة اللامتوقع" حسب تعبير حنا أرندت، لم تزل ماثلة، لكنها "خصوبة" لا تشترط ألذ الثمار، دائماً، فثمة أشواك وأعشاب سامة وأخرى تقتل ما يجاورها.
الخبز؟
نعم، فالملايين من العراقيين لم يجدوا ما يأكلونه وهم مواطنو أغنى دولة في العالم. (أفادت بعثة الأمم المتحدة في العراق "يونامي"، أن ستة ملايين عراقي ما يزالون يعيشون تحت خط الفقر من أصل نحو 33 مليوناً).
الحرية؟
نعم، من دون حرية لا يمكن للممنوعين من التعبير أن يخوضوا حوارات منتجة وسجالات فعالة بشأن وطنهم ومستقبل أطفالهم.
الحرية فضاء إنساني يتمتع بشمسه جميع الناس كالطقس الجميل.
المدنية؟
مجتمع متحضر تقوده دولة، لا دابة، تركبها الأحزاب والآيدولوجيات. الجيش فيها يدافع عن الوطن ضد العدوان الخارجي غيرمخترق بـ ، أو توازيه، مليشيات مسلحة خارج القانون يمكن أن تشتبك ليس مع جيش الدولة، حسب، بل مع الناس كلهم.
(يتبع جزء ثان)
خبز.. حرية.. دولة مدنية
[post-views]
نشر في: 16 مايو, 2016: 09:01 م