حينما طرحتُ على عدد من اساتذة المسرح عندنا ما اكتشفه (الكساندر باكشي) المؤلف والباحث الموسيقي الروسي من ان هناك نوعين من الانتاجات المسرحية هما (الانتاج التمثيلي) و(الانتاج التقديمي) استغربوا هذين المصطلحين وطبيعة كل منهما والاساليب المستخدمة في عناصر كل منهما، وعندها اضطررت الى تعريفهم بالمصدر الذي ذُكر فيه المصطلحان وذكرت ان الانتاج التمثيلي يعتمد المشابهة مع الحياة او الإيهام بمحاكاة الصور الحياتية ، في حين ان الانتاج التقديمي لا يعتمد مثل تلك المشابهة بل يقدم صوراً ذات طابع مسرحي قد لا تكون مشابهة للصور الحياتية كما انه لا يعتمد الايهام بمحاكاة المواقع. وقد ظهر بعد حين مصطلح (التمسرح) او (المسرحة) كبديل للانتاج التقديمي .
الحقيقة ان مصطلح (التمثيلي) لم يطبق الا عند ظهور المذهب الواقعي والطبيعي في الفن المسرحي اواسط القرن التاسع عشر حيث اصبح من الضروري اقناع المتفرج بصدقية عناصر العرض المسرحي – النص والاخراج والتمثيل والماكياج والازياء والمنظر والملحقات والاضاءة والمؤثرات الصوتية وذلك وفقاً لعامل الايهام بالواقع.
وكانت الانتاجات المسرحية خلال القرون التي سبقت ظهور الواقعية في النص والعرض تصنف على انها انتاجات تقديمية اي ان صورها لا تمثل او لا تشابه صور الحياة الواقعية بل هي صور ممسرحة، وخير دليل على ذلك ان الاغريق في انتاجاتهم للمسرحيات الكلاسيكية لم يستخدموا مناظر تمثيل البيئة التي تقع الاحداث خلالها. وان الممثلين استخدموا الاقنعة الكبيرة المختلفة للدلالة على تصوير الشخصيات المختلفة التي يمثلونها كما ان القاءهم للحوار المكتوب شعراً مفخمٌ ومنغمٌ يبتعد عن اسلوب الكلام في الحياة الحقيقية. وسار الفن المسرحي بالاتجاه التقديمي عبر مراحل تطوره المتعاقبة الى ان ظهرت الواقعية مع ان العديد من المنتجين المسرحيين عبر تاريخ المسرح حاولوا ان يقتربوا من الواقع اي من الانتاج التمثيلي في بعض العناصر ولكن ليس جميعها، كأن يطلب المخرج عند اخراجه مسرحية رومانتيكية مثل مسرحية (روميو وجوليت) لشكسبير من الممثلين ان يقتربوا من اسلوب الكلام الاعتيادي وان كان حوارهم مكتوباً بالشعر.
وعليه فإن اراد احد المخرجين ان يمنح مسرحية كلاسيكية مثل (انتيغونا) لسوفوكليس طرازها الاصلي فعليه ان يلجأ الى عناصر الانتاج التقديمي، اما اذا اراد ان يبعدها عن طرازها الخاص ويقربهما من الانتاج التمثيلي فعليه ان يفعل كما فعل المخرج الايطالي (فرانكو زفريللي) عندما اخرج مسرحية شكسبير (روميو وجوليت) في لندن حيث استخدم منظراً تمثيلياً شبيهاً معمارياً بواجهة منزل عائلة (جوليت) في مدينة فيرونا بشرفته المشهورة، وطلب من الممثلين الانكليز ان يتركوا القاءهم التقليدي لشعر شكسبير وان يلقوا حواراتهم بطريقة قريبة من الكلام الاعتيادي وطلب منهم ان يتصرفوا بحركاتهم كما هو حال الشباب هذه الايام. وهكذا حوّل الانتاج من الاسلوب التقديمي الى التمثيلي، ونعترف بأن الاسلوب التقديمي يمنح المخرج والمصمم حرية اوسع في انجاز العمل طالما ان التطابق مع ما موجود في الواقع غير مطلوب.
يرتبط بالانتاج التقديمي نظام معين لإعداد الممثل وبناء الشخصية الدرامية وهو الذي سمي النظام الفرنسي والذي يعتمد على عمل الممثل من الخارج الى الداخل بمعنى ان يستخدم المتغيرات في صوته وجسمه لتقترب من صوت وجسم الشخصية التي يمثلهما وبالتالي لتؤثر تلك المتغيرات بمشاعر الشخصية وعواطفها.
أساليب الإنتاج المسرحي وأنظمة التمثيل
[post-views]
نشر في: 16 مايو, 2016: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...