لم يكن العراقيون يتصوّرون أنّ تضحياتهم في سبيل الخلاص من دكتاتورية صدام يمكن أن تنتهي إلى دكتاتوريات جديدة، ولم يعتقدوا أنّ العراق الجديد الذي أسقط صنم الطاغية يسعى فيه البعض اليوم وبقوة إلى بناء أصنام جديدة يريدون منّا أن نُسبّح بحمدها ليل نهار، كان الجميع يعتقد أنّ عصر القائد الضرورة قد ولّى إلى غير رجعة ، فإذا نحن اليوم أمام عصر الزعماء الضرورة، أكتب هذه الكلمات وأنا أقرأ افتتاحية رئيس التحرير ليوم أمس ، التي يُخبرنا أنّ " الصمت وسط هذه الخرائب كلّها فضيلة بوصفه احتجاجاً ورفضاً وصبراً على المكاره وضياع الأمل المرتجى " .
افتتاحية المدى ليوم أمس تجعلنا نتساءل: لماذا يُنبت التغيير في بلدان العالم وروداً للبهجة والإقبال على الحياة ؟ بينما تحوّل في بلادنا إلى سُحُب من الكآبة والخوف من المستقبل المجهول، للأسف الطبقة السياسية في العراق لم يشغلها المستقبل بقدْر انشغالها بالماضي، لقد تحوّلَ العراق إلى غرفة مظلمة يبحث ساستها في داخلها عن شيء اسمه هوية العراق وكأنّ آلاف السنين من الحضارة غير كافية لنعرف هوية البلد، اليوم ننظر في وجوه الناس فنراها شاحبة ومتعبة، مسكونة بتجاعيد الخوف من المستقبل، والسبب سياسيون يمارسون الدجل والخديعة وسرقة أحلام المواطنين، ولكن هل يدفعنا هذا الحال إلى أن نمارس فضيلة الصمت؟ طبعا أنا أتفهّم حجم الضغوط التي يتعرّض لها الكاتب وهو يرى كيف أنّ الأمل بإقامة دولة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، تحوّل إلى دولة مراهقي السياسة!
وأعرف أننا نعيش في عصر لا صوت يعلو فيه فوق صوت الفساد والإرهاب والمحسوبية والرشوة والانتهازية والفوضى السياسية والأمنية وأخطاء الأحزاب واللاأحزاب .
في هذه اللحظة العصيبة والصعبة، نحن كإعلاميين ومثقفين لدينا مهمة وطنية، أن نكون عقلاً عاملاً يقف بوجه العقول التي تريد أن تُعيد الناس إلى زمن العصور الوسطى ، أن نقدم رؤى للناس. وأن نطرح حلولاً. وأن نُسهم في حالة التفكير العامة.
علينا أن نُعلّم الناس أن تضحياتهم وآلامهم وصبرهم لن تصبح رهينة بيد مجموعة من الانتهازيين والمتسلّقين والقافزين فوق سطح التغيير بمنتهى الخِفّة .
خيار صعب أن يرى الواحد منّا طريق السعادة،وتخذله قدماه في الوصول إليه، ، وفي كلتا الحالتين نحن لسنا سعداء بما نحن فيه، وليس أمامنا إلّا الدعاء على مَن سرق مِنّا بهجة الفرح وراحة البال، وأحال أيامنا إلى سلسلة متواصلة من الفواجع، فحرم الكلمات من أن تكون مصدر سعادة وفرح للناس.
رحِمَ الله عمّنا رشدي العامل الذي قال لنا ذات يوم عصيب : لا تحزن فإنَّ الليلَ قصير، والشمس على موعدها.
خيارانِ كلاهما صعب !
[post-views]
نشر في: 16 مايو, 2016: 06:41 م