عندما أعلن زعيم التيار الصدري، نهاية شباط الماضي، عزمه دخول الخضراء، وتبعه في ذلك أنصاره وطيف من الناشطين المدنيين، أواسط آذار الماضي، طرحنا تساؤلاً بسيطاً، وماذا بعد ذلك؟ ما هو برنامجكم؟ وهل استنفدت الحلول ليتم اللجوء لهذه الخطوة؟
كان تساؤلاً صادقا، قبل شهرين من اقتحام البرلمان نهاية نيسان الماضي. وبطبيعة الحال، كان الرد حينها مزيجاً من التخوين والتسفيه، بل اقترب أحيانا من التكفير والطرد من الملّة المدنية والوطنية!
لقد أخطأ قادة الاحتجاجات بشيطنة "خضراء بغداد" لوحدها، فهناك آلاف المناطق الخضراء التي تنتشر في عموم العراق، ويتحصن فيها المسؤولون عن كل هذا الفشل والفساد الذي تعانيه البلاد. ففي بلد تتمتع فيه الحكومات المحلية بسلطات واسعة وموازنات مالية هائلة، يتيحها نظام اللامركزية الإداري، لا يمكن تحميل بغداد، ولا العبادي، ولا حتى رئيس البرلمان، مسؤولية كل ذلك. فالنظام البرلماني يفرض مسؤولية تضامنية على كل الكتل المشاركة في الحكومات، ولا يمكن ان تنأى بنفسها عن ذلك.
ما تقدم لا يعني أبداً دفاعاً عن السلطة أو شخوصها او حصونها، فهذا آخر ما أفكر فيه، كمواطن أولاً، وكصحفي ثانياً، وكمراقب ثالثاً. كما ان الكلام أعلاه، لا يعني اتهاماً لأي طرف، ولا تخويناً لأي جهة تتظاهر او تحتج ما دامت تؤمن وتلتزم بالاطر القانونية التي حددها دستورنا. فالدستور، شئنا أم أبينا، لا يمكن استبداله بالفوضى، رغم ثغراته وعلله المعروفة.
بعيداً عن النوايا الحسنة، الآن وبعد 19 يوماً من اقتحام الخضراء ومبنى البرلمان، هل لنا بجرد ثمار هذا المنجز الذي بات "الرفاق" يقرنونه باقتحام الباستيل، وانهيار جدار برلين؟!
صحيح أن الازمة السياسية، قبل 30 نيسان، كانت تراوح مكانها، إلا أنها لم تك تعاني الجمود الذي يلفّ عموم البلاد الآن. فقبل اقتحام البرلمان، كانت الكتل، راغبة أم مرغمة، تجتمع وتتفاوض، وتطرح مبادرات، وتخرج بتوصيات أفضت بدورها الى توسيع مساحة الجدل بشأن الخروج من دائرة المحاصصة الى دائرة الإصلاح الذي كان حلماً قبل أشهر قليلة.
أضف الى ذلك، فإن التظاهرات والاعتصامات كانت تعمل عملها بالضغط على الاطراف السياسية، وتحملها أحيانا على خفض سقوف مطالبها، ولو أنها استمرت بهذه الوتيرة لتحقق الكثير من الأهداف التي رفعها التيار الصدري وحلفاؤه، مع الحفاظ على هياكل النظام السياسي. لكن اقتحام البرلمان قدّم لبعض الاطراف حجة للإفلات من استحقاقات الإصلاح، وأسهم بتقوية مواقفها المتعنّتة.
وهكذا فقد تسبب اقتحام مجلس النواب بشلل السلطة التشريعية، الجهة المعنية بتمرير "حكومة التكنوقراط"، التي كان الصدر يضغط لتمريرها في جلسة 26 نيسان، عندما لوّح نوّابه بورقة الاقتحام حينه.
ولم تقف تداعيات الشلل البرلماني عند هذا الحد، الذي بدوره أوقع القضاء في حرج كبير أمام طعون الخصوم، فقد انتقل سريعاً الى السلطة التنفيذية، متجليّاً بتعذّر انعقاد مجلس الوزراء بنصاب مكتمل، الأمر الذي دفع رئيس الحكومة الى البحث عن "حِيَلٍ شرعية" لإنقاذ مؤسسته من الشلل التام، والقبول بشلل جزئي من شأنه تمشية الأمور التنفيذية، في ظل أزمة مالية تتفاقم، وحرب شرسة مع الإرهاب.
ولو كانت تداعيات اقتحام الخضراء قد توقفت عند هذا الحد لهان الأمر، فالشلل والجمود أصبحا من أبرز سمات العملية السياسية. لكنّ التداعيات الامنية الاخيرة كشفت جانباً أشدّ خطورة من تداعيات اقتحام الخضراء والبرلمان. فقد هيّأ التوتّر السياسي، ما بعد 30 نيسان، مناخاً مناسباً لعودة التفجيرات الإرهابية التي استهدفت الأسواق الشعبية وتجمعات المدنيين في بغداد وعدد من المحافظات.
وبينما وظّفت بعض الأطراف الاعتداءات الأخيرة في خصومتها السياسية مع أطراف أُخرى، أغفل الجميع الانهيار الذي خلّفه عصيان قائد عمليات بغداد أو قائد حماية المنطقة الخضراء لأوامر "القائد العام"، بفرض الأمن مع الحرص على حماية أرواح المتظاهرين وعدم المساس بهم.
مازالت الأسئلة، التي طُرحت قبل الاعتصام والاقتحام، تدور في الفضاء السياسيّ حتى هذه اللحظة، بحثاً عن أجوبة أو اعتذارات مُقنعة!