TOP

جريدة المدى > عام > متاحف السلام في اليابان..جنون الصبي الصغير والرجل السمين يحرق أصابع الصغار

متاحف السلام في اليابان..جنون الصبي الصغير والرجل السمين يحرق أصابع الصغار

نشر في: 21 مايو, 2016: 12:01 ص

بعد مضي اكثـر من سبعة عقود على مرور ذكرى القاء القنبلة الذرية والتي عرفت باسم (الصبي الصغير) على مدينة هيروشيما والتي ذهب ضحيتها أكثـر من 140 الف شخص من المدنيين وبعدها ( الرجل السمين ) بثلاثة ايام على مدينة ناكازاكي والتي قتلت مايقارب 70 الفا آخرين

بعد مضي اكثـر من سبعة عقود على مرور ذكرى القاء القنبلة الذرية والتي عرفت باسم (الصبي الصغير) على مدينة هيروشيما والتي ذهب ضحيتها أكثـر من 140 الف شخص من المدنيين وبعدها ( الرجل السمين ) بثلاثة ايام على مدينة ناكازاكي والتي قتلت مايقارب 70 الفا آخرين ، مازال الدرس الذي استوعبته اليابان قاسيا ويعيش في ذاكرة الاجيال ، درس الحرب والقتل والدمار الشامل بالقنابل الذرية .

 

 

 

ويحاول العالم اليوم اليقظة من الكوابيس الارضية المحتملة التي سببها ابتداء من فناء الانسان والتلوث البيئي ومشاكله التي مازالت الاجيال المعاصرة تعاني من تبعاته ، الى التصحر والأعاصير ، وانتهاء بيوم القيامة الارضي الذي يهدد الجميع بين لحظة واخرى ، ذلك هو الخطر الذري والهيدروجيني من قنابل وصواريخ الدمار الشامل مخزونه في ترسانات العديد من بلدان العالم ، وسط صراع محموم على مصالح تلك البلدان وبؤر التوتر والحرب في العديد من مدن العالم .

ففي مبادرة متميزة قامت بها اليابان بإنشاء اول متحف للسلام ، وكان هو الاول من نوعه في العالم ، وفي مكان يعد عين المأساة في نفوس اليابانيين ، انها - هيروشيما – أول مدينة عرفت معنى الدمار الشامل ، فقد بني هذا المتحف في عام 1955 كتأكيد على التزامها الابدي ضد الحروب والتسلح الذري والنووي ودعما للسلام العالمي . بعد أن بدأ اليابانيون في إعمار المدينة ورسم ملامحها من جديد ، اقترح وقتها المهندس الياباني الشهير (كينزوتانجي ) اقامه نصب تذكاري ضخم للسلام ليصبح حجر الاساس لهيروشيما الجديدة ، وهو النصب الذي امسى حديقة غناء تحتفي بالجمال ، وتبلغ مساحتها 30 فدانا وتسمى حديقة النصب ، والتي لاتبعد عن مكان سقوط القنبلة الا قليلا . في وسطها أقيم متحف السلام المكرس لإبراز فظاعة الدمار الشامل ، هذا المتحف الاول يعد الاصل الذي تتفرع عنه العديد من المتاحف والتي تشتمل على تنويعات ثقافية وتعليمية غير تقليدية . وفي هذا المتحف نجد اليوم عرضا حقيقيا للضربة الذرية ومن ثم يلقي الضوء على توثيق تاريخ المدينة ودمارها. كل هذا مرصود باحدث ما توصلت له التقنيات السمعية والبصرية ووفق بناء معماري متطور مزود بارشيف سمعي شامل يضم اصوات من بقوا على قيد الحياة ، مع منظومات تعليمية تخص الاطفال حيث المناهج المدرسية تتعامل بوجوب زيارة متاحف السلام . وتوجد هناك اكثر من 300 قطعة فنية تحيي ذكري إلقاء القنبلة . ويتم التعليق على القطع الفنية من خلال برنامج سمعي مترجم الي خمس عشرة لغة عالمية . وهناك تقليد جميل اذ يطلب من الزوار تسجيل رسالة سلام خاصة بهم ، وفي باحة المتحف المطل على قبة القنبلة الذرية تعرض اكثر الصور المروعه للدمار وبقايا الملابس المحترقة التي كان يرتديها الضحايا ، ومن ابلغها بقايا تلك الدراجة الهوائية التي كان يركبها طفل صغير ذاهب الى مدرسته ، تلونت اجزاؤها المنصهرة بشكل سريالي عجيب جراء الانفجار، الى جانب بقايا حقائب وكتب وكراريس مدرسية وقلام ملونه وصفحات الكتب المحترقه ، بل حتى اظافر وبقايا أجزاء من جلود الاطفال المحترقة .

وهناك ايضا متحف ناكازاكي الجديد المعروف بنقده القاسي للتاريخ الياباني والعالمي وصلاته الدولية للثقافة كرمز لإعادة البناء في ظل السلام العالمي ، وهو يعد واحدا من اكثر المتاحف ديناميكية في اليابان من ناحية الابتكار وتحديا للفكر المعماري التقليدي ، فهو ممتع للغاية من منظور فكري ويشتمل علي اقسام أهمها : (نحو عالم خال من الاسلحة النووية ) و ( الطريق الى الموت النووي ) و(الحرب بين الصين واليابان ) وغيرها من الاقسام المدعومة بالاعمال الفنية واللوحات والوسائل السمعية والبصرية واصوات الناجين ومناجاتهم ، وهناك قاعة الفيديو ببرنامجها الشهير ( سؤال وجواب) حيث المناخ الملائم لدراسة مستقلة لمأساة المدينة . ويذهب المتحف الى ما هو ابعد مما يقدم متحف هيروشيما من حيث ربطه للبنية العريضة لاحداث القرن العشرين التاريخية ، ويفسر دور اليابان في الحرب بوعي غير منحاز ممازجا كل ذلك بشكل جوهري بين الحدث والعمل المعماري ، حيث يقابل الزائر في بادئ الامر مع عناوين مؤثرة مثل ( الدمار وقت الغسق ) و (الدمار وقت الفجر) مع عرض اكثر من 200 موضوع من التراث المادي واصوات الهلع الشديد الصادرة من الذين كانوا في المباني المضروبة. والمتحف يعتبر تحديا لكل الطموحات لمن يفكر باستخدام القوة في التعامل الانساني في العالم وخاصة الحكومة اليابانية اثناء الحرب ، اذ ينتقد بقوة دور اليابان ووحشية الجيش في منشوريا وغيرها من الاماكن ، ما ادى الى انتقاده بشدة من قبل اليمين الياباني. لكن ذلك لم يؤثر على خط المتحف بل زاده اصرارا على التفسير الواقعي والقاسي لهذه الفترة البالغة الحساسية تاريخيا ، واليمين غالبا ما يمارس ضغوطا من اجل انشاء لمتحف اخر يمجد ضحايا الحرب اليابانية . ومع ذلك تكاثرت متاحف السلام في شتى انحاء اليابان فهناك (صالة ماروكي ) والتي تاسست عام 1967 فهي تعرض اللوحات الزيتية الكئيبة من مشاهد الانفجار والتي رسمها الفنان ماروكي ايري وزوجته توشي ماروكي في الفترة من 1950 وحتى 1982 وهناك مجموعة من 15 لوحة ، مع كل لوحة كتب الفنان ابياتا من الشعر تصف مأساة هيروشيما وناكزاكي من جراء القصف الهمجي ،

تصف اللوحات بشكل بارع ردة فعل الناس تجاه العنف والفوضى من القصف النووي وتفحم الأجساد البشرية ،ورعب أطفال تأكل اجسادهم الندية نيران الحروب ،و موت عشاق مخذولين وأمهات تحتضن أطفالها. وتتضمن اللوحات صورا عن الجميع، ليس فقط اليابانيين ولكن كذلك أسرى الحرب الأمريكيين والكوريين المقيمين بهيروشيما ، الذين تأثروا أيضاً بالتفجيرات الذرية . حاول الشاعر الفنان وزوجته تمثيل جميع المتضررين وذلك بجعل قضيتهم عالمية دون تميز ، والتأكيد على أهمية الجنس البشري بأسره. وقد استخدم الفنان الحبر الأبيض والأسود كما في الرسومات اليابانية التقليدية وذلك بإغراق اللوحات بالحبر، وتميزها بالحبر الأحمر الذي مثل الجحيم الذري ، والذي يُبرز بشكل لافت للأنظار أنها ضد الحرب وضد الأسلحة الذرية .

وكذلك الحال مع ( متحف طوكيو للتنين الخامس سعيد الحظ ) والذي يعرض لتجارب القنبلة الامريكية في منطقة بكيني اتول . فيما أنشأت مؤسسة اوسكا الدولية للسلام مركزها في موقع رائع جوار قلعة اوساكا عام 1989 . بينما فتح في ذات العام( متحف جرايسر وتسر) للسلام في مدينة( كوسي ) ويركز على البيئة والسلام كما ينظم رحلات سلام منتظمة من اجل دراسة الغزو الياباني للصين وهي ايماءة هامة لمتحف ياباني في هذا المجال . وفي عام 1992 فتح متحفان يابانيان للسلام ابوابهما امام الجمهور هما( متحف كيوتو للسلام العالمي) والذي يركز على موضوع الاطفال والانتاج الادبي والتعليم في الحروب بينما المتحف الاخر هو( متحف كاواساكي للسلام) الذي يهتم بموضوع الابادة الجماعية و حقوق الاهالي.

وفي عام 1993 تم تشييد (متحف سايتاما للسلام) والذي يهتم بتدعيم السلام العالمي ووضع التاريخ الياباني في مواجهة بانوراما الاحداث العالمية . وتعد(صالةعرض ساكيما للفنون ) في اوكيناوا والتي فتحت ابوابها عام1994 اهم المعالم الفنية وتعرض لوحات الفنانين امثال كافي كولوتير ،ماكوتواونو ،وتوشي ماروكي وغيرهم وهي واجهة لاعلان صارخ ضد كل من يدمر الكائن البشري مما يجعلها في طليعة الصالات المتحفية المناهضة للحروب في العالم.

اما اخر المتاحف والذي افتتح في بمناسبة الذكري 60 لالقاء الصبي الصغير المدمرعلى اليابان وهناك ( متحف بنات المتعة ) الشهير والذي تديره مؤسسة نساء من اجل السلام، في هذا المتحف ممر مزدان بالزهور ولوحة طويلة عليها صور بالابيض والاسود لنساء مسنات هن ذات النساء اللائي تم استعبادهن كرقيق جنس من قبل الجيش الامبراطوري الياباني في الفترة من1932 ولغاية1945 ويشار لهن ببنات المتعة. اذ تحاول مؤسسة نساء من اجل السلام توثيق الادلة حول 160 مركزا لبنات المتعة كان يديرها الجيش اذ تجلب الفتيات وهن في الغالب صغيرات لاتزيد اعمارهن عن 13 عام واجبارهن علي ممارسة الجنس مع ما قد يصل الى 50 جندي يوميا لكل واحدة وكذلك يكلفن باعمال الخدمة للضباط والجنود وكن يتعرضن للضرب حتى الموت اذا حاولن الهرب . ورغم مماطلة الحكومة في هذا الموضوع واعتبارهن بغايا بكامل ارادتهن الا انها رضخت اخيرا وقامت في عام 1995 بدفع مبلغ 20000 دولار لصندوق دعم مالي الى 285 باقية على قيد الحياة من بنات المتعة للتكفير عن الذنب . ويحوي المتحف مئات السجلات اليومية التي تتضمن شهادات مخجلة لضمير الانسانية وتسجيلات حية بأصوات الضحايا من الاحياء ، كما تحوي على افلام وثائقية وتقارير اخبارية مفصلة .

ومن المفارقة ان لايبعد هذا المتحف الا قليلا عن نصب (ياسكوني ) المبني من الزجاج اللامع والصلب حيث مدفن قادة الجيش من العسكريين السابقين وهم ذات الرجال الذين اسسوا هذه المحاجر المذلة للكرامة الانسانية .

كل هذا واكثر في اليابان من اجل معرفة قيمة السلام ولكن وللاسف لانجد في بقية دول العالم الا قليلا من الجهود المبذولة لاعمال مماثلة . فهل نأمل بأن تهتم دول العالم بمشاريع مماثلة تخرج ثقافة السلام الى الواقع ، من أجل استيعاب دروس الحروب ولنحفظ حياة اجيال من صغارنا تهددها الحروب بالدمار والفناء.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

"مُخْتَارَات": <العِمَارَةُ عند "الآخر": تَصْمِيماً وتَعبِيرًاً> "كِينْزُو تَانْغَا"

موسيقى الاحد: "معركة" المغنيات

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي

السينما والأدب.. فضاءات العلاقة والتأثير والتلقي

كلمة في أنطون تشيخوف بمناسبة مرور 165 عاما على ميلاده

مقالات ذات صلة

الصدفة والحظ.. الحظ الوجودي والحظ التكويني في حياتنا
عام

الصدفة والحظ.. الحظ الوجودي والحظ التكويني في حياتنا

ديفيد سبيغنهولتر*ترجمة: لطفية الدليميقريباً من منتصف نهار التاسع عشر من آب (أغسطس) عام 1949، وفي محيط من الضباب الكثيف، عندما كانت طائرة من طراز DC-3 العائدة لشركة الخطوط الجوية البريطانية في طريقها من بلفاست...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram