اليوم ، يمرُّ شهر كامل على رحيل الروائي والصحفي العراقي محمد شاكر السبع في كندا في ظروف بائسة ولأنني لم أكن أعرفه شخصيا فقد سألت عنه صديقه وشريكه في الغربة الشاعر العراقي الكبير عيسى الياسري الذي أتواصل معه عبر الهاتف ..لم يحدثني الياسري عن قيمة السبع الروائية او تاريخه الأدبي بل حدثني وبمرارة عن طريقة موته وما أعقبها .. لم تكن طريقة موته مفاجئة لنا ففي داخل البلد يموت المبدعون احيانا وحدهم مهملين من الدولة ومن الأصدقاء فكيف اذا كان المرء مغترباً ..وحيداً وفقيراً ..هل يشفع له تأريخه الأدبي ليجنبه الموت غريباً عن بلده ومهملاً خارجه ؟!استوقفني ما أعقب وفاته ، ففي كندا التي عاش فيها ردحاً من عمره يتم حرق جثة المتوفي اذا لم يستلم جثته أحد او يتمكن ذووه من دفع اجور دفنه وأجور الدفن هناك باهظة جداً ، لذا خضع الراحل السبع لهذه التجربة المريرة بعد وفاته إذ وافق القنصل العراقي على حرق جثته !ربما كان الأمر بالنسبة لشعوب أخرى صحياً او يندرج ضمن طقوسهم الدينية أما بالنسبة للعراقي فيمكن ان يُمثل له مثل هذا الخبر صعقة نفسية وهو ما حدث للياسري ، فإن يتحوّل جسد صديقه الى رماد غريب بعد ان كان جسداً وروحاً غريبتين خلال حياته أمر لا يمكن احتماله ، وهكذا قررت بنت الشاعر الياسري الدكتورة أروى التكفل بجمع تبرعات من العراقيين لتجنب السبع المرور بهذه التجربة ولترد له بعض الاعتبار على أقل تقدير بعد ان توفي مهملا ومجهول الهوية في احدى المستشفيات الكندية ..وهكذا، قامت باجراء اتصالات مع ابناء الجالية العراقية فأجور دفنه تبلغ 6500 دولار بينما لا يتمكن العراقي المغترب في كندا من التبرع باكثر من 100 دولار لشحة الراتب الذي يستلمونه من الحكومة الكندية .. برغم ذلك ، تمكن الياسري وبنته من جمع 2500 دولار من معارفهم وانتظروا ان تبادر القنصلية العراقية بالتكفل ببقية المبلغ لكن خبر حرق جثة السبع لم يستوقف القنصل العراقي الذي ينفق اكثر من مبلغ الدفن في واحدة من أمسياته الثقافية التي اعتاد اقامتها لشاعرات وادباء لا يبلغون مكانة السبع ولا الياسري ولا تاريخهم ، وكان كل ما خرج من جيبه (200) دولار فقط ! لذا أنقذ الموقف مطرب عراقي اسمه سلام العراقي وصفه الياسري بذي القلب اليسوعي الطيب فتبرع بمبلغ 4000 دولار ليستقر جسد السبع اخيراً في قبر، كما أبدى رجل دين ليبرالي متنور هو الشيخ نديم الطائي استعداده لتخصيص قبر له في مقبرته .الغريب في الأمر ان القنصل لم يرجع الى السفير العراقي في كندا ليقرر حرق جثة السبع ، أما بعد ان وجد السبع قبراً بجهود العراقيين الشرفاء من اصدقائه وابناء جاليته فقد بادر السفير العراقي بحضور مجلس العزاء في مونتريال قادما من اوتاوا بينما انبرى القنصل ( الكريم ) لرثاء السبع في قصيدة بائسة لم يكن السبع بحاجة اليها اكثر من حاجته الى قبر يحتضن جثمانه ومبادرة حقيقية للاهتمام به خلال حياته وبعد وفاته ...يقول لي الكبير الياسري إن على المبدعين العراقيين في الغربة ان يضعوا وصيتهم منذ الآن ويطالبوا بحرقهم قبل ان يأمر قناصل سفاراتهم بذلك ، فاذا كانوا قد خرجوا من أحضان بلدهم مرغمين ، فسيكون بامكانهم على الأقل ان يختاروا مصيرهم خارجه!!!
شهداء المنفى.. محمد شاكر السبع أنموذجاً!
[post-views]
نشر في: 20 مايو, 2016: 09:01 م