حذارِ من المندسين المتصيدين بالماء العكر أعداء الدولة، عبارة كتبت بكل لغات العالم ، ربما يعود تاريخ استخدامها الى عصور قديمة اثناء اندلاع ثورات الجياع ضد الطبقة الحاكمة وكهنة معابد الآلهة ، حين يضطر الجائع الى التهام تمثال الإله المصنوع من التمر الزهدي ، فيضع في حسبانه انه ارتكب إثما يعد من الكبائر لتجاوزه على المقدسات ، ليس من المستبعد ان يتعرض الى عقوبة ليكون عبرة لمن يحاول تكرار الفعل الشائن .
الاجهزة الامنية في العصور القديمة كانت مزودة بفؤوس وسيوف ، وسياط ما ان تتلقى الاوامر من صاحب القرار حتى تشن حملة دهم واسعة تستهدف من اقدم على ارتكاب حماقة ضد الآلهة ، او الطبقة الحاكمة ، فتقود المذنبين من كلا الجنسين الى ساحة عامة وسط المدينة ثم تبدأ حفلة العقاب الجماعي بحضور الجمهور وبمباركة الكهنة المكلفين بحماية شرف الآلهة المصنوعة من تمر الزهدي.
عقاب السلطة لأبناء شعبها المحتجين حاضر في كل العصور التاريخية ، مع حصول متغيرات في اساليب العقاب ، في ظل التطورات الحديثة في مجال الاسلحة الدفاعية والهجومية ، وفّرت التكنولوجيا تسهيلات لرجال السلطة باعتماد وسائل جديدة اثناء قيامهم بتعذيب المذنبين ، تساعدهم على الاحتفاظ بقدراتهم العضلية ، بضربة واحدة بالعصا الكهربائية ، يضطر المذنب الى الاعتراف تحت وطأة التعذيب الجسدي والنفسي، بانه اساء الى الآلهة ، بمشاركته في ثورة الجياع والهجوم على مخازن وزارة التجارة للحصول على كيس من الطحين .
منظمات حقوق الإنسان الدولية وطبقا لتقاريرها الصادرة مطلع تسعينات القرن الماضي ذكرت ان الدول العربية تنفق اموالا طائلة للحصول على اجهزة" تعذيب حديثة متطورة " وتعاقدت مع شركات اجنبية بملايين الدولارت ، المنظمات في ذلك الوقت لم تحرك ساكنا على الرغم من دعوات الناشطين الى إلزام الدول باتفاقيات الحد من استخدام التعذيب للحصول على اعترافات بالإكراه ، الانظمة العربية الحريصة جدا على مواجهة التحديات الامنية ، بذريعة الحفاظ على الامن القومي ، استوردت اجهزة" تعذيب حديثة متطورة " بمواصفات تجعل المتهم يرى نجوم الظهر ، قبل مرور الدقيقة الاولى من حفلة التعذيب يعترف ويقدم معلومات قيمة للمحققين، تساعدهم على مسك رأس الخيط لمؤامرة اعدت في الخارج للاطاحة بنظام الحكم .
أشد ما يزعج السلطات العربية اندلاع التظاهرات الاحتجاجية ، فيتم التعاطي الرسمي معها بأسلوب واحد بالاشارة الى وجود مندسين يستهدفون مؤسسات الدولة ، مع توجيه اتهامات لجهات خارجية لوقوفها وراء تنظيمها وتمويلها لإفشال التجربة الديمقراطية ، السلطة ترى جميع المتظاهرين مندسين غوغاء رعاعاً ، مخربين ، يستحقون عقاب الارض والسماء .
هل تستطيع السلطة تشخيص المندسين أم انها تنطلق من اوهام رسّختها تجارب امتدت الى آلاف السنين في التعامل مع المعارضين، بإمكانها تشخيصهم من علاماتهم الفارقة ، وتناولهم التمر الزهدي !
العلامة الفارقة : مُندسٌّ
[post-views]
نشر في: 22 مايو, 2016: 09:01 م