(جزء ثان / أخير)
الدولة المدنية هي حلمنا، نحن أبناء الواحديات والثنائيات، حتى لو صار العالم (المدني) يضحك علينا لأننا ما زلنا نحلم بالبداهة، وكأننا نحلم بكروية الأرض ودورانها حول الشمس.
لا بأس، فالأفكار/التغييرات الكبرى عبر تاريخ الأمم بدأت أحلاماً، وإن بدا بعضها مثيراً للسخرية.
.. ولكي يميز المدنيون العراقيون أنفسهم عن "المدنيين" الطائفيين، عليهم أن يعلنوا معنى الدولة المدنية، صراحة، بلا تدليس ولا تغليس، على أنها دولة جميع المواطنين المتساوين في الحقوق والواجبات الملتزمين بالدستور المدني الذي سيكتبونه هم بالإجماع، بعد تعديل الدستور الحالي، قانوناً يخضع الجميع لأحكامه، من مختلف الأقليات والأديان والطوائف والأحزاب، على وفق تداول سلمي لحكومة منتخبة، انتخاباً نزيهاً.
قبل مفكري عصر التنوير، في الغرب، وثورات العالم وحركاته المدنية، وحتى الثورية، كان أبو نصر الفارابي هو الطبيب والفنان الذي سبق الجميع، في القرن العاشر الميلادي، في كتابه "آراء أهل المدينة الفاضلة". والمدينة الفاضلة التي وضع لها هذا العبقري "خريطة طريق" لم تكن سوى الدولة المدنية في طفولتها الواعدة.
اللافت في فكرة الفارابي هو أن الدولة المدنية لا تخص قطراً من الأقطار، ولا مصراً من الأمصار، بل هي دولة العالم كله لتنعم البشرية بالمساواة والعدالة تحت حكم القانون.
والدين؟
الدين في الدولة المدنية خيار شخصي وسلوك أخلاقي ينبغي احترامهما، طالما الدولة المدنية هي دولة جميع المواطنين، أي بجميع أديانهم واعتقاداتهم وشعائرهم، وفي بلد متعدد الأعراق والديانات والمذاهب، كالعراق، فالدولة المدنية حَريّةٌ باحترام التعددية وحمايتها.
لا يخشى المدنيون من تخويف الآخرين، لهم ولغيرهم، بأن المدنية ضد الدين، فالدولة المدنية ليست موقفاً فكرياً أو مزاجياً لشخص، أو مجموعة أشخاص أو حزب أو كتلة أو تحالف قد يكون إلحادياً أو لادينياً، يسبب الهلع للأغلبية المؤمنة، بل هي (الدولة المدنية) حاضنة للوطن والمواطنين، متدينين ومؤمنين وملحدين ولا دينيين، مع التزام الجانب القانوني والأخلاقي في التعايش والأخوة والتسامح ونبذ العنف في دولة الجميع من أجل الجميع.
.. وإذا كانت التعددية قوام المجتمع، أي مجتمع، فلا لدين أو آيديولوجيا أو مليشيا مسلحة، من أي طائفة أو جماعة سياسية، الحق في فرض رؤيته ومواقفه وابتزاز الآخرين، عبر قطعانه الجاهلة، وتقلباته السياسية، ضد ومع، على مدار الساعة، خصوصاً إذا كانت هذه القطعان الجاهلة بقيادة زعامة طائفية فرضت نفسها، في لحظة سياسية غير متوازنة، توجه آلاف المتظاهرين، من بينهم قلة مدنية عاجزة عن رفض هذه، لكنها مضطرة إلى التسليم لها بسبب اختلال ميزان القوى في الشارع.
الدولة المدنية عقد قانوني وقعه مواطنو المجتمع باختيارهم الحر، وكل ما يتعارض مع هذا الخيار الحر، هو ضد الديمقراطية التي، هي الآن، شرط أساس من شروط الدولة المدنية، على أن مشروع الدولة المدنية في العراق، مثل أي مشروع، قابل للسرقة، سواء من قبل مدنيين مزعومين أو من قبل أعداء الدولة المدنية المعروفين، والدليل هو دخول شخصيات وكتل وأعضاء برلمان على الخط الجماهيري المتظاهر، مع سبق الإصرار والترصد، لخلط الأوراق والإمعان في تكريس الفوضى بغياب الدولة، حتى دولتنا الطائفية الفاسدة، وتصاعد عمليات التفجيرات الإرهابية، أخيراً، في بغداد وبعض المحافظات.
ملاحظة: لاحظت أن لا رجال الدين، وحدهم، ولا زعماء الطوائف وقادة المليشيات يضيقون بالنقد والحوار، بل بعض من أصدقائي المقربين، في قيادة أو تنسيق الحراك المدني المتظاهر هم أيضاً لا يتقبلون أي نقد أو اقتراحات.
كيف تبني دولة مدنية وأنت لا تتقبل النقد والحوار؟
الدولة المدنية.. حلماً ومعنى
[post-views]
نشر في: 23 مايو, 2016: 09:01 م