سالت الدماء وانقطع خيط الودّ الذي كان يربط العبادي وحكومته بجمهور المحتجين ومن ورائهم التيار الصدري، بعد الاحداث المؤسفة التي حدثت الجمعة الماضية. أصبح الطرف الاول يتحدث عن قمع ومجازر وديكتاتورية يجب ان تحاسب وتلاحق، بينما يدافع الطرف الآخر عن نفسه، بالاحتماء وراء مفردات المندسين، والبعثيين، أو المسلحين، كتبرير لاستعمال العنف ضد الطرف الاول.
ومع توفر الاسباب الموجبة، فان هذه النهاية الدموية كانت متوقعة جداً في ظل اندفاع جمهور المتظاهرين، وتمنع او قلة حيلة الطرف المقابل. كانت المواجهة او الاصطدام الكبير، مجرد مسألة وقت. حدثت المواجهة لكنها لم تك اصطداماً كبيرا، فالاحتمال الاسوأ مازال قائما، مع استمرار الازمة السياسية، وتماهي الجبهات، واختلاط الالوان.
ومهما ادعى التيار الصدري وحليفه المدني تمثيل الارادة الشعبية، إلا انهما، بحسب كل المعطيات، لن يمثلا سوى جمهور محدود جمعته لحظة تخادم مرحلي، ولم يرتق الى بناء تحالف وثيق.
فالتيار الاول، جهة سياسية مشاركة في الحكومة والبرلمان منذ 2005، وان تنصل عنها زعيمها مرارا، ولها توجهاتها السياسية والدينية الخاصة بها. أما التيار الثاني، فهو مظلة لألوان متباينة لايجمعها سوى معارضة محاصصة النخبة السياسية الحالية، وسعيها الحثيث لكسر دائرة السلطة المغلقة.
وغنيُّ عن القول فان "التيارات"، وبحسب الادبيات السياسية، هي واجهات حركية لم تتبلور بشكل واضح ولم تصل مرحلة النضج التنظيمي الذي يحميها من الاختراق او حتى التفتت.
ورغم الاعتراف بوجود سخط وتذمر شعبيين جراء استمرار الشلل الحكومي الذي يعود بشكل اساس للأزمة المالية أولا، والصراعات السياسية المزمنة ثانيا، إلا ان ذلك لايبرر ابداً الذهاب باتجاه حرق المراكب ونسف جسور العودة، سواء مع الكتل السياسية، او مع المكونات الاخرى.
لكن ما حدث منذ 30 نيسان الماضي، ان اقتحامات المنطقة الخضراء بدأت تأخذ المحتجين، ومن ورائهم التيار الصدري، الى جزيرة العزلة، فباتوا في مواجهة ارادة المكونات التي تتقاسم النظام السياسي في عراق ما بعد 2003.
وما لا يريد التياران إدراكه، انهما لا يسهمان إلا بإضعاف حكومة عاجزة ومفلسة، في وقت يعجز كل منهما عن كسب ثقة الاطراف الاخرى.
وإذا ما تجاوزنا التيار المدني، فان حليفه الصدري لم ينجح بكسب ثقة الاطراف الاخرى، بل اصبح يخسر حتى حلفاءه الشيعة، وآخرهم كتلة الحكيم. بل زاد التيار الصدري توجس الفرقاء السياسيين بعد استخدامه سلاح الاحتجاج والاقتحام لفرض الامر الواقع في جلسة اختيار الوزراء التكنوقراط.
وفي الوقت الذي يطالب فيه الصدر وتياره بحكومة تكنوقراط غير حزبية، فانه لا يجيب على تساؤل الكرد والسنّة ومخاوفهم من الاستئثار الشيعي في حكم بغداد. وبينما يشكك الصدر في مواقف رافضي مشروعه، فانه بالمقابل يرفض حتى سماع اعتراض الآخرين، تاركاً إياهم تحت رحمة اعتصامات واقتحامات مفتوحة على سيل جارف من الدم.
أضف الى ذلك، فالصدر وحلفاؤه المدنيون يتجاهلون استحالة فرض الاصلاح اولا، لانه لا يأتي إلا بالتفاهم مع شركاء المحاصصة انفسهم. كما يتجاهل الصدريون والمدنيون استحالة فرض الاصلاح على الحكومة ثانياً، لأن الازمة تعود في جذرها الاساس الى طبيعة النظام المكوناتي الذي تشكل بعد الاطاحة بنظام صدام، والذي صمّم بدوره لتبديد مخاوف ما قبل 2003.
ما لم يُدرك التيّاران محدّدات حراكهما، فإنهما يشاركان بإضعاف بغداد أولاً، ويسهمان بتسريع وتيرة ابتعاد السنّة والكرد عن المكونات الاخرى وصولاً الى التقسيم.
قديماً قالت الحكماء "فهم المشكل نصف المشكل"، وما تقدّم محاولة لفهم الأزمة وصولاً لحلّها أو حلحلتها، من دون انحياز.
ما لا يُدركه المقتحمون!
[post-views]
نشر في: 25 مايو, 2016: 06:01 م