عبدالكريم يحيى الزيباريبدون وسائل إعلام حيادية وموضوعية، لن يكون بمقدور الناس أنْ يُكَوِّنُوا لأنفسهم صورة واضحة عن مُجريات الأمور، وبالتالي سوف لن يختاروا الشخص المناسب لمقاومة التيار الذي يفضي إلى الدمار، القويُّ الأمين، الذي لا تأخذهُ في سبيل تحقيق مصلحة الشعب، لومة لائم، ولا ينحازُ إلى طائفةٍ دون أخرى، أو قوميةٍ دون أخرى،
يقول لينين في تعريفه للتحيُّز(هو موقف سلبي معادٍ تجاه جماعة، أو تجاه أعضائها، وهو يتميَّز بالمواقف النمطية، الناشئة عن العمليات التي تدور في ذهن من يتبنَّاها، أكثر مما تنشأ عن الاختبار الواقعي لصفات الجماعة المعنية) روزا اسماعيلوفا- المشكلات العرقية- دار الثقافة الجديدة- 1983- القاهرة- ص111. عن مجموعة أعمال لينين- المجلد 33- ص386- حوار مع مايكل فاريمان: مراسل صحيفة الأوبزرفر. وفي تعريف آخر للتحيُّز وردَ في مرجع لعلم النفس الاجتماعي(التحيُّز هو موقف عدائي تجاه موضوع، وهو يميلُ لأنْ يكون نَمَطِيَّـاً بدرجة كبيرة ومشحوناً عاطفياً، ولا يُسهل تغييره بالمعلومات المُضادة/ عين المصدر السابق والصفحة). وبعد التعريفين لا أظنُّ أنَّ أحداُ بمقدوره الحديث عن إعلام عراقي خالٍ من التحيُّز، لكن كيف نواجهُ طَرْحاً يُوصَفُ بأنَّهُ غير موضوعيٍّ إذا كان لا يُسهلُ تغييرهُ بالمعلومات المضادة؟ بالتأكيد لن يسهل تغيير أيَّ موقفٍ نمطي، تَرَسَّخَ في اللاوعي الجمعي، والعقل السائد، وتركَ آثاراً واضحة على الذاكرة الجمعية وأنماط السلوك الشعبي لدى مجموعة معيَّنة، لا تجد لها وجوداً إلا في تأكيد انعدام ثقتها بالآخرين، نتيجة الدروس القاسية التي حفرتها عميقاً أحداث التاريخ السوداء. والخُصماء السياسيون في وسائل إعلامهم: يستعيرون مصطلحات وتسميات ومقولات الخصم، لتعيد تأويلها وتوظيفها في خطاب مُضاد، في الزاوية الأسبوعية للصحَّافي مصطفى صالح كريم تحت عنوان(اليوم الثالث)في جريدة الاتحاد ليوم 16/2/2005. كتبَ يردُّ على مقالٍ نشرته جريدة الصباح يتَّهم الكرد بأنَّهم(يسعون إلى كسب المزيد من المناصب والامتيازات، ويستعدون للانفصال)وجاء في ردِّ كريم(أسطوانة مشروخة، كان على جريدة الصباح ألا تكرِّر إعادتها لأنَّ القادة الكرد أعلنوا مراراً أنَّهم متمسِّكون بعراقيتهم، وأنَّهم لم يفكروا بالانفصال مؤكدين على بناء عراق ديمقراطي تعددي فيدرالي/ ص15). هناك خِطاب إعلامي يُركِّز في جوهرهِ على استخدام التحريض والافتراء كي يكسب ودَّ شريحةٍ من المجتمع، أو ليفوز بمقعد برلماني أو يحتفظ بكرسيِّهِ، وهو لا يعلمُ بأنَّ في خطابه تكمن بذرة الفتنة التي تبثُّ روح الفرقة والشِّقاق بين أبناء الشعب الواحد. يصفُ كريم هذه الاتهامات بالأسطوانة المشروخة، ولكن لماذا وبعد نصف عقدٍ من الزمان لا زالَ البعض يعزفُ هذه الأسطوانة المشروخة؟ ولماذا تلقى أُسطوانةٌ مشروخة آذاناً صاغية من البعض؟ وغالباً ما يجري تبادل الاتهامات، وكلُّ ذلك بسبب غياب الموضوعية، والحيادية والنزاهة، وفي الغرب تعتبر أساساً للعمل الصحَّافي المهني، التي تؤكِّـدُ على الابتعاد عن الآراء المزاجية والانفعالية البعيدة عن المنطق، للتلاعب بمشاعر العوام وتأليبهم، وكسب تأييدهم في قضايا معيَّنة، هل هناك دواعٍ حقيقية تُؤيَّد استمرار هذه الأسطوانة المشروخة؟ وإذا لم يكن هناك دواعٍ حقيقية، فما هي أسباب استمرار هذه الأسطوانة بالدوران رغمَ أنَّها مشروخة؟ الطالباني والبارزاني لم يتركا فرصةً لم يكرِّرا حرصهما على عرق واحد وموَّحد، فمن أينَ يستمدُّ أعضاء جمعية الأسطوانة المشروخة مشروعيتهم؟ يقول كريم(وإشارته إلى تولي الكرد مناصب متعدِّدَة وحقائب دبلوماسية في حكومة الدكتور علاوي ... لا يعرف بأنَّ الكرد قدموا أنهاراً من الدماء لنيل حقوقهم المشروعة)ولكن جميع الفئات والطوائف قدمت أنهاراً من الدماء، وطرحُ كاتب المقال الذي لم يفصح كريم عن اسمه، يجلبُ أدِّلَّةً تفنِّدُ ما يريد إثباتهُ، فمشاركة الكرد في الحكومات العراقية المتعاقبة، لا يؤيد دعوى الانفصال، فمن يريد الانفصال يقاطع العملية السياسية، ويرفض المناصب، وينزوي في ركنه الهادئ الأمين، القريب من المصايف والهواء العليل، وينأى بنفسه عن مخاطر وأهوال السيارات المفخَّخة، والمكائد والاغتيالات السياسية، حتى أنَّ أحدهم زرعَ عبوةً ناسفة تحت مقعد زميله في البرلمان العراقي، والتهديد بالقتل والتفخيخ مستمر بين أعضاء الحكومة الواحدة، وهذا الصراع السياسي ينعكس في التحيُّز الواضح لوسائل الإعلام التي تعتقد وهي تمارس تحيُّزها الواضح، أنَّها تمارس حرية التعبير، كحق دستوري، وهذه الحرية والتصريحات النارية لبعض المسئولين، تجعل الجمهور يشعرُ بالحيرة والإرباك، ليس إزاء الإعلام فحسب، بل بإزاء العملية السياسية برمَّتها. ويتهم البعض وسائل الإعلام، وخاصةً قناة الجزيرة، بأنَّها مصدر لبثِّ روح الفرقة والنزاعات. تتساءل ديان مكدونيل(هل كلُّ شيء خِطاب؟ وبالمقابل يُمكن أنْ نطرحَ سؤالنا: هل كلُّ خِطاب أيديولوجيا؟ وقد تُسْعِفُنا إجابة ألتوسير المباشرة: لا مفرَّ من الأيديولوجيا.. ومن ثمَّ يُمكن طرح السؤال المُفترَض: هل هيَ سلطة الخِطاب أم سلطة الأيديولوجيا؟ أو بمعنى آخر: مَنْ يملكُ السلطة)باري هندس- خِطابات السلطة من هوبز إلى فوكو- ترجمة ميرفت ي
التحيز في خطاب الإعلام العراقي المعاصر
نشر في: 25 يناير, 2010: 06:21 م