الساعة الخامسة والعشرون هي الساعة التي خارج الزمن عندما يجد المرء نفسه أمام أهوال الحرب ولحظة السياسة الغامضة، البيروقراطية، الصلبة مثل قضبان سجن الأشغال الشاقة، وهي ساعة لا تنتمي إلى الوقت البشري ولا يمكن تفسيرها كما هي داخل ميناء الساعات، أو في كتب التاريخ التي يكتبها المنتصرون كما يقال.
.. وقد تكون لحظة الحب، أيضاً. الحب الذي ينقل المحب خارج زمن الكراهية ويلقي به في أتون العشق إنساناً يقاوم كل قبح العالم بجمال القلب المفعم بمحبة العالم. لكل إنسان عاش الحرب وعرف ذلك الوشم الأسود الذي تتركه على قلبه وفي ذاكرته، لكل عسكري أو مدني، ساعته الخامسة والعشرون.
ما الذي وضع للعراقي هذا الكم الهائل من الساعات الخامسة والعشرين تجربة مريرة خرّجت أجيالاً من التعساء والمشوّهين والمحرومين، أجيالاً من العراقيين الذين كانت الحرب والقمع والتشويه وغسيل الأدمغة هي كل مفردات حياتهم.
رواية الروماني كونستانتين جورجيو (أو غيورغي - 15 أيلول 1916، 22 حزيران 1992)، "الساعة الخامسة والعشرون" وهي مترجمة الى العربية في ستينات القرن الماضي، تدوين حار، مؤلم، بل فاجع، لما عاشه المواطن الروماني اليهودي يوهان موريتز، في رحلته الشاقة بين أكثر من معسكر اعتقال وبلد، خلال الحرب العالمية الثانية، فهو في بلده محاصر باحتلالين: السوفييتي والألماني، السوفييت اعتبروه مناوئاً لهم لأنه روماني، والألمان اعتقلوه لأنه روماني، ثم اعتقلته القوات الأمريكية لأنه روماني!.
على أن عتبة العذاب بدأت بمحاولة اغتصاب زوجته (سوزانا) على يد أحد ضباط الاحتلال، فلفق للزوج (يوهان) تهمة ملفقة للتخلص منه. المفارقة هي أن الألمان بعثوه إلى برلين لأنهم وجدوا فيه مواصفات المواطن الآري، النموذجي، من حيث شكل الفك والأنف وتكوين الجمجمة!.في هروبه، مع رفاقه اليهود، إلى هنغاريا، اعتقل أيضاً لأن السلطات الهنغارية عاملته كشخص خطير لأنه بلا أوراق ثبوتية!.
وصف أحد النقاد سيرة يوهان موريتز، بطل الرواية، بأنها أوديسا القرن العشرين الأشد قسوة وغرابة. الرواية شهادة سردية ليس عن مرحلتها، أثناء الحرب العالمية الثانية، بل توثيق إبداعي، لا تاريخي جاف، عن كل العصور، التي تعرض فيها الناس للقتل والقمع والتهجير واللامعقول من أقدار البشر المرعبة عندما تتصادم إرادتا الحرب والسلام، إرادة القوة والبطش والتوسع وإرادة الحياة البسيطة في أمان العائلة ومدرسة الأطفال والرصيف الذي يسع جميع المارة والرغيف البسيط في اللحظات الصعبة. "الساعة الخامسة والعشرون" ليست حديثاً بلا مناسبة عن رواية مهمة وأصيلة، بل هي استعادة لزمن يستعاد اليوم، في أكثر من مدينة عربية، حيث ينتعش الإرهاب ويتمدد، عندما تكون الدولة لادولة، بمعنى ان يكون جيشها الوطني مخترقاً، وقادتها فاشلين وضباطها مزيفين وجنودها فضائيين ومجتمعها المدني مسيساً وجامعاتها في أسوأ حالاتها وثقافتها مكرسة للطائفية والبيروقراطية والتجهيل والجهل و...إلخ. هذا كله بيئة نموذجية للإرهاب والفساد وسقوط أخلاقيات دولة بأسرها. استعادة رواية مثل "الساعة الخامسة والعشرون" جرس رنان، وإن لم يسمعه أحد.
يخرج يوهان موريتز من سجنه الأخير لتستقبله عدسات المصورين ومايكروفونات الإعلاميين ليقول له أحدهم، وهي آخر جملة في الرواية:
"ابتسم للكاميرا.. ابتسم للكاميرا"!.
من المفارقات المضحكة ان الرواية نشرت مترجمة في باريس عام 1949، أثناء إقامة المؤلف فيها، ولم تنشر في بلد الكاتب، رومانيا، إلا في عام 2004!.
كارلو بونتي أنتج الرواية شريطاً للسينما عام 1967 من بطولة ستيف ماكوين (يوهان موريتز) وفيرنا ليسي (سوزانا) وأخرجه هنري فورنويل. لنبتسم للكاميرا يا يوهان موريتز!
لنبتسم للكاميرا يا أخي العراقي!
الساعة الخامسة والعشرون
[post-views]
نشر في: 30 مايو, 2016: 09:01 م
جميع التعليقات 2
Faisal Boali
على أن عتبة العذاب بدأت بمغازلة رجل الشرطة المحلية لزوجته (سوزانا) وسذاجة صدها له بان زوجها سياتي سريعا فتخيل لمزاج رجل السلطة المريض ان هو ابعد زوجها فسيختلي بها ، فلفق للزوج (يوهان) تهمة انه يهودي للتخلص منه فاودع السجن لتبدأ مأساته فاليهود اعتبرو
Faisal Boali
على أن عتبة العذاب بدأت بمغازلة رجل الشرطة المحلية لزوجته (سوزانا) وسذاجة صدها له بان زوجها سياتي سريعا فتخيل لمزاج رجل السلطة المريض ان هو ابعد زوجها فسيختلي بها ، فلفق للزوج (يوهان) تهمة انه يهودي للتخلص منه فاودع السجن لتبدأ مأساته فاليهود اعتبرو