البغداديون تعرفوا مطلع القرن الماضي على الفنان الراحل جعفر لقلق زادة ، بتقديمه مشاهد هزلية مضحكة في مقاهي وملاهي العاصمة ، يقال إنّ زادة وطبقا لباحثين ودارسين ، استخدم أشبه ما يعرف بالكوميديا السوداء لتسليط الضوء على ظواهر ترسخت داخل المجتمع العراقي بفعل التقاليد والاعراف السائدة ، وحان وقت نبذها ، انسجاما مع حركة التطور ، مشاهد المرحوم زادة كانت تتضمن توجيه النقد الى اصحاب القرار لانشغالهم بقضاياهم الشخصية ، فيما يعاني شعبهم الجوع والفقر والمرض ، الكاتب المسرحي عادل كاظم وظف شخصية جعفر لقلق زادة في مسرحيته "نديمكم هذا المساء" إخراج محسن العزاوي ، قدمت على مسرح الرشيد الخرابة حاليا ، منتصف التسعينيات .
لم يترك الراحل زادة نصوصا مكتوبة، لأنه كان يعتمد الارتجال في تقديم "هزلياته " المستمدة من رؤيته للواقع فكان يجسد شخصيات عرفت في الاحياء الشعبية بانها تمتلك مواهب كبيرة في اطلاق الاكاذيب من العيار الثقيل ، من دون التصريح بأسمائها بل يكتفي بالتلميح بإشارات تجعل المشاهدين يتعرفون على الشخص المعني ، "أبو الشيلمان " كنية كان يطلقها البغداديون على الكذاب فيسخرون منه بضحك متواصل لحين حلول موعد تقديم النمرة الاخرى وصلة غنائية ، يقدمها مطرب مغمور بمصاحبة راقصة ، تمتلك قدرة فائقة على تحمل تعليقات الزبائن بتوزيع قبلات هوائية .
حاول كثيرون تقليد الراحل لقلق زادة في تقديم هزلياته ، لكنهم فشلوا في تقديم عروض تستقطب اهتمام الجمهور ، حين استجابوا لرغبة المتنافسين من التجار والساسة في تقديم مشاهد لأغراض التشهير وإثارة السخرية مقابل ثمن يدفع مقدما ، مع شرط تقديم العرض "جنرال بروفة" في منزل وجيه او تاجر او سياسي يريد الانتقام من منافسه ، الراحل ابتعد عن هذا الاسلوب على الرغم من العروض المالية المغرية، لإيمانه المطلق بان فنه يهدف الى تسليط الضوء على الظواهر الاجتماعية ، رافضا الخوض في الصراعات الشخصية ، لتفادي احتمال تعرضه لاعتداء من شخص متنفذ باستطاعته الاستعانة بمأجورين لتصفية زادة اثناء خروجه من الملهى الليلي.
على الرغم من كل الحيطة والحذر لدى الراحل لقلق زادة ورفضه العمل لصالح المتنفذين تعرض الى استجواب مع تهديد من احد كبار تجار العاصمة ، بذريعة السخرية من نجله المختلّ عقليا ، لم يستطع زادة الدفاع عن نفسه ، واقناع الطرف الآخر بانه بريء ، متهما مقلديه بانهم وراء التشهير والسخرية من نجل التاجر، بتدخل الخيرين حسم الخلاف بين الطرفين بتقديم عرض يجعل من نجل التاجر بطلا في مصارعة الزورخانة يجيد ثلاث لغات العربية والفارسية والتركية .
أثناء تقديم العرض ادرك الجمهور بان هزلية جعفر لقلق زادة بلا لون وطعم ورائحة مجرد دعاية ربما تكون مجانية لشخص لا يجيد "لعبة التوكي " لكنّ التاجر تلقى التهاني والتبريكات على مدى أُسبوع كامل بفوز نجله بلقب بطل الزورخانة ، رحمك الله جعفر لقلق زادة ، مقلدوك في الوقت الحاضر تفوقوا عليك في تقديم هزليات ، تندرج ضمن المنجزات الوطنية " ما أدري عليمن جبناها" على حد قول الكاتب الساخر صالح الحمداني .
بطل لعبة "التوكي "
[post-views]
نشر في: 30 مايو, 2016: 09:01 م