TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الإصلاح في زمن الأتراح

الإصلاح في زمن الأتراح

نشر في: 1 يونيو, 2016: 06:35 م

لم يكن في النيّة تخصيص هذه المساحة للحراك الصدري أو ما باتوا ينفردون بتسميته بـ"الثورة الشعبية". فبرئيي أنّ الفضاء السياسي والقانوني يسمح للمتظاهرين السلميين برفع أي شعار يختارونه، لا بل إنّ هشاشة النظام السياسي سمحت لبعض المحتجين أحيانا برفع شعار إسقاطه وإلغاء الدستور. فما دمت في العراق فتوقع العجب في شهر رجب أو في غيره!
أُدرك جيداً أن الجدل النخبوي بشأن الإصلاحات لا يمتلك هامشاً مؤثراً على الساحة، لجهة انه انطلق من رحم الصراعات التي تحكم علاقة النخبة السياسية وأطرافها، وهو بالتالي تكتيك سياسي للهروب عن مواجهة الأزمات التي تواجه البلاد.
فالإصلاح الذي يشغل طيفاً معتدّاً به من النخبة المدنية، التي اختارت الفرجة على ما يحدث،لأنها منزوعة القرار، لا يلتقي بالضرورة مع ما يتبناه أغلب الطيف السياسي، لا سيما الذي يقوده التيار الصدري منذ أشهر، والذي انتهى الى صدام دموي مؤسف.
ومناسبة العودة للخوض بجدل الإصلاحات من منظور صدري استدعتها مواقف اشكالية لزعيم التيار الصدري توجب إثارة نقاش جاد وعميق بشأن موقف القوى الدينية من الدولة وأصل شرعيتها، وعلاقة الجانب الديني لبعض الزعماء بحراكهم السياسي.
وبدأ الصدر، المعتكف حاليا في إيران، مؤخرا الإجابة على بعض التساؤلات التي يطرحها جمهوره. واخذت هذه الاسئلة شكل مواقف سياسية بشأن تطورات الاوضاع، واخرى فقهية اعتمد فيها على فتاوى والده المرجع محمد الصدر.
وبعيداً عن الملاحظات التي نبديها بشأن الإصلاح من المنظور الصدري، إذ للتيار كامل الحق في الدفاع عن رؤيته بما يراه مناسباً في إطار القانون. إلا أنّ ما اثار الاستغراب مواقف اطلقها زعيم التيار الصدري ومرت مرور الكرام من دون التنويه لخطورتها وتعارضها مع مشروع الإصلاح الذي يتبناه الصدر وجمهوره.
من هذه المواقف شرعنة الصدر، استناداً لفتاوى والده المرجع، لبعض الاعراف العشائرية السائدة في الجنوب العراقي كـ"الفصل"، و"الكوامة"، والقصاص، شرط ان "يطابق الشرع".
لكنّ الأخطر من ذلك، حكم الصدر باعتبار المصارف الحكومية "مجهولة المالك"، في معرض رده على استفتاء لأحد انصاره بشأن حكم فوائد قروض المصارف الحكومية تحديداً.
وسبق هذين الموقفين، قيام التيار الصدري بتشكيل محاكم وإنشاء سجون ومعتقلات لأتباعه المتورطين بقضايا فساد، بدلاً من القضاء ومؤسسات الدولة رغم اعترافنا بضعفهما والفساد الذي يجتاحهما.
في المثالين اعلاه، يقع زعيم التيار الصدري في تناقض واضح وجليّ بين متبنياته الفقهية، التي يرجع فيها لوالده المرجع، ومتبنياته السياسية التي تتصدرها محاربة الفساد ودعم مؤسسات الدولة وقوانينها.
الكل يعلم ان الصدر، الزعيم السياسي لتيار جماهيري، هنا يكرر طرح مواقف والده الفقهية التي تعود الى سياق زماني اختلف جذرياً بعد 2003 بحكم الدور الذي لعبه شيعة العراق ومرجعياتهم الفقهية التي ضبطت ايقاع اتباعها بحسب المتغيرات التي شهدها العراق.
وإذا كان لفقهاء الشيعة في العقود الماضية ما يبرر موقفهم السلبي من الدولة ونطاق شرعيتها، فإن الفقهاء الحاليين، لا سيما المقيمين في النجف، باتوا يتبنون آراء مختلفة تحرّم إضعاف الدولة والمشاركة في زعزعة استقرارها من خلال  العودة لما قبل فقه الدولة .
ومن هنا فإن الموقف الفقهي للتيار الصدري يصطدم مع متبنيات المرجع الاعلى للطائفة الشيعية الذي يفتي بحرمة أموال الدولة وحرمة التعدي عليها، وضرورة المحافظة عليها،لانها أملاك للشعب، وهي "ليست مجهولة المالك" لتعود سلطة البت فيها للحاكم الشرعي او رجل الدين.
وإذا كان للفقيه  الحق بالافتاء في هذه القضايا بوصفها مورداً لابتلاء أتباعه ومقلديه، فإنه من المستغرب ان يردد زعيم سياسي ذلك لتنافيه مع ايمانه المفترض بعلوية القانون ومرجعية الدولة في تحديد سلوك مواطنيها.
هذه الاشكالية تقودنا الى اشكالية اخرى تكاد ان تكون من خصائص التيار الصدري وزعيمه، على المستوى العراقي، وهي عدم التفكيك بين الجوانب الدينية والسياسية لدى قيادته وخطابه بما يقربه من مبدأ "ولاية الفقيه"، التي يبدو انه يرفضها كما يشي به خطابه العام.
وإذا ما ابتعدنا عن إثارة إشكالية علاقة الدين والمتدين بالدولة، التي لم تحسمها القوى الدينية في العراق، فإننا نتساءل عن مستقبل التحالف المدني – الصدري في ضوء هذه المواقف التي تنسف اسس الدولة المدنية التي نطمح ونتطلع إليها.
أزعم أنَّ الإجابة عن مثل هذه الإشكاليات هي الطريق الصواب لأي إصلاح منشود، وما عداه لن يعدو كونه مناورة سياسية ستطيل انتظارناً في محطة الدول المأزومة والفاشلة .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

«الإطار» يطالب بانسحاب السوداني والمالكي.. وخطة قريبة لـ«دمج الحشد»

تراجع معدلات الانتحار في ذي قار بنسبة 27% خلال عام 2025

عراقيان يفوزان ضمن أفضل مئة فنان كاريكاتير في العالم

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

بغداد تصغي للكريسمس… الفن مساحة مشتركة للفرح

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram