بهذه البساطة يمكن لأي شخص الآن أن ينام في غرفة نوم الرسام فنسنت فان غوخ، بعد أن يدفع بضعة دولارات طبعاً! هذا ليس إعلاناً من بنات أفكاري أو شطحة من شحطات الخيال، بل حقيقة واقعة. لكن كيف يحدث ذلك وقد رحل هذا الرسام قبل 126 سنة ! نعم هذا ما أعلن عنه أحد الفنادق في مدينة شيكاغو بمناسبة إقامة معرض للفنان في معهد الفن هناك حيث ستكون لوحة فنسنت الشهيرة (غرفة نوم الرسام) من ضمن المعروضات، وقد هيأ الفندق غرفة بكل أثاث ومواصفات ومحتويات وألوان الغرفة التي في اللوحة، بحيث لاتفرق بينهما لأول وهلة، هيّأها لتكون متاحة لكل شخص يحب أن يقضي فيها ليلة أو أكثر. ومهما يكمن وراء القصد من ذلك، فالعبقرية واضحة في الإعلان والدعاية لمعرض الرسام الشهير، والتي من ضمنها تحضير وتجهيز هذا الفندق غرفة بكل هذه المواصفات.
وغرفة النوم تعتبر واحدة من أشهر واجمل لوحات فان غوخ (1853-1890) وقد رسمها في البيت الذي كان يسكن فيه بمدينة آرل في جنوب فرنسا، والذي كان يسميه (البيت الأصفر) قبل دخوله المستشفى إثر حادثة قطع أذنه الشهيرة في تشرين الاول سنة 1888 وكانت من اللوحات التي يحبها الرسام كثيراً، وقد كتب لأخيه تيّو بعد خروجه من المستشفى :"بعد الأزمة الأخيرة عدت الى البيت وتأملت اللوحات التي رسمتها في الأيام الماضية، فوجدت بشكل واضح، أن لوحة غرفة النوم هي أفضلها جميعاً". وقد رسم فنسنت نفس اللوحة بشكل صغير بالحبر في ذات الرسالة، كي يطلع عليها تيّو ويعرف بعض تفاصيلها ويتواصل معه إن كانت لديه بعض الملاحظات. ثم أرسل تخطيطاً آخرَ لنفس اللوحة الى صديقة بول غوغان ليعرف رأيه ويناقشه فيما بعد حول ذلك. ولأنه أخبر شقيقه في رسالته بأن اللوحة قد أصابتها بعض الرطوبة، فقد طلب منه هذا الأخير أن يرسمها مرة أخرى على سبيل الاحتياط. والحقيقة أن فنسنت قام برسمها ثلاث مرات بالألوان الزيتية والنسخة الثانية هي الموجودة في معهد الفن بشيكاغو، أما النسخة الثالثة فقد رسمها بحجم أصغر قليلاً وكانت عبارة عن هدية يريد أن يوصلها لأمه وشقيقته في جنوب هولندا، وهي موجودة بمتحف أورساي بمدينة باريس، أما اللوحة الأولى التي تمت حمايتها من الرطوبة التي لم تؤثر عليها بشكل كبير، فهي موجودة في متحف فان غوخ بمدينة أمستردام. النسخ الثلاث للوحة تكاد تكون متطابقة، ماعدا بعض الفروقات الصغيرة في بعض الألوان والتفاصيل، والتي تظهر في الأرضية والكراسي واللوحة المعلقة الى اليمين، وكذلك الباب واختلاف ظهور زاوية السقف. وقد اهتم فنسنت في هذا العمل بكل التفاصيل ووضع محتويات الغرفة بعناية فائقة كي تلائم لوحة ناجحة وجميلة، كذلك أراد أن يوحي هنا من خلال اللون الأزرق للجدران والسقف وكأن السرير محاط بسماء مفتوحه. وقد كتب في موضع آخر من رسالته الى أخيه يقول :"لقد ألغيت كل الظلال الموجودة، أراها ليست ضرورية هنا لأني أردت أن أرسم هذه اللوحة كما رسم ونفذ اليابانيون مطبوعاتهم المسطحة المدهشة، ومن جانب آخر أردت لمن يراها أن يشعر أيضاً بأنه يمكن أن ينام بطمأنينة هنا".
هكذا يبقى فنسنت فان غوخ يشغل الناس الى هذه اللحظة، يشغلهم ويمنحهم أفكاراً جديدة وإلهاماً لا ينتهي أبداً، حيث ان لكل واحدة من لوحاته حكاية ولكل خطوة من خطواته إيقاعا ولكل لمسة من لمسات فرشاته تلويحة تصدر من روح معذبة، لكن شغلها الشاغل هو الفن ....الفن وحده.
كيف تنام ليلة في غرفة فنسنت فان غوخ
[post-views]
نشر في: 3 يونيو, 2016: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...