1-2 يبدو ان النتاج الثقافي العربي عموما والعراقي بشكل خاص أخذ بالاتساع على الاقل من منظور النتاج والطباعة والنشر ورحنا نقرا عبر المواقع الالكترونية للصحف العربية وكذلك شبكات التواصل الاجتماعي وما يصدر للأدباء ومنتجي الادب والثقافة عموما ان هناك
1-2
يبدو ان النتاج الثقافي العربي عموما والعراقي بشكل خاص أخذ بالاتساع على الاقل من منظور النتاج والطباعة والنشر ورحنا نقرا عبر المواقع الالكترونية للصحف العربية وكذلك شبكات التواصل الاجتماعي وما يصدر للأدباء ومنتجي الادب والثقافة عموما ان هناك كما كبيرا من الكتب تصدر بشكل دوري حتى لكأن المطابع ودور النشر أخذ عددها يزداد ايضا وأخذت شروطها تخف وطأتها على الأديب والمثقف والمنتج وصارت لا تحتكم لشروط السلامة بقدر ما يهمها نشر الكتاب وطباعته.
ما يهمنا في هذا الاستطلاع ان هذا الكم الكبير من النشر على المستوى العربي مع وجود أعداد كبيرة من النقاد سواء من اختص بالنقد كإنتاج معرفي او هو ناقد ومنتج للأدب كأن يكون شاعرا او ساردا.. هل تمكن النقد بمفهومه الاكاديمي او مفهومه الادبي من ملاحقة المنجز الادبي الذي يتسارع في البلدان العربية؟. وهل يكون النقد مفهوما فوقيا لذا فهو غير معني بهذا النتاج على اساس انه اصبح منهجا وعلما؟ أم ان التخبط في النتاج الأدبي وتحوله الى نتاج فردي متاح لمن تعلم الكتابة وامتلك المال لكي يطبع نتاجا ساعد على ان يكون النقد متراجعا وغير قادر على الاتيان بخارطة نقدية ملائمة للواقع الثقافي.
النقد ليس متعاليا
الناقد العراقي داود سلمان الشويلي يعرف منذ البدء ان المفهوم القديم للنقد هو " تقييم وتقويم " ، ويمكن مراجعة كتاب "الموازنة بين شعر أبي تمام والبحتري- للآمدي " ، وكتاب " الشِّعر والشُّعراء للدينوري" و كذلك نقد د. علي جواد الطاهر من العراق الى حد ما على الرغم من انطباعيته و نقد د. طه حسين و دراسات د. احسان عباس على المستوى العربي على سبيل المثال اي انه وسيلة تربط بين المؤلف والنص.. ويوضح الشويلي ان النقد القديم استمر هكذا
يتحدث عن المؤلف ونصه المكتوب ويقيّمه و يقوّمه وظل الطرف الثالث في عملية الكتابة و القراءة الطرف المهم في هذه العملية الابداعية القارئ قصيا عن النص وكأن المؤلف يؤلف نصا ويطور اداته الفنية والتعبيرية ويقدم افكارا ويصوغ عالما ويقدم خبرة لنفسه وللنص ولا شأن للقارئ بعد ذلك بكل هذه النواحي.. ويمضي الشويلي بقوله : بعض المدارس والمناهج النقدية الحديثة تلقي الضوء على الجوانب المخفية – او التي تبدو مخفية – في النص وردم بعض الفجوات التي تقع داخله مرئية او غير مرئية بعيدا عن مؤلفه وكأن النقد بهذه العملية ما هو الا مصباح كاشف يضيء ظلمات النص فقط اي يقدم النص جاهزا امام القارئ بكل وضوح وظل القارئ قصيا ايضا عن اللعبة الابداعية " القراءة والكتابة " اذ اصبح للنقد في هذه الحالة ( قوة تسلطية ) ليس على النص نفسه ، وانما على القارئ واصبح القارئ وعاء يستقبل ما يسكب فيه وبهذا فقد تم تغييبه ومن ثم نعيه..ويعتقد الناقد الشويلي ان ما يريده القارئ هو التفاعل وفتح ابواب النص امامه ليكون بمقدوره فهم النص وتذوقه من خلال التفاعل معه بمتعة كبيرة وعند هذا يعاد الاعتبار له حيث مثل هذا النقد يجعل القارئ او " يضعه " في موقف متكافئ مع النص لا اداة استقبال سلبي له ويزيد على قوله ان النقد الذي يفتح وعيه او السماح للقارئ بخلق وعيه الجديد من خلال الاخذ بيده ومساعدته غير المشروطة في امتلاك وعي جديد يضاف الى وعيه السابق خاص بالنص المنقود والمقروء..ويوضح الشويلي:بهذا الفعل النقدي المسبوق بقراءة " واعية " ومدركة لخفايا النص الابداعي وهما من شروط الناقد الحديث يمكن تجنب الكثير من النصوص التي لا تمتثل لشروط العملية الابداعية .. ويؤكد من جديد أنه :بهذا لا يكون للنقد مفهوم فوقي متعال بل مفهوم واع ومدرك وسيواكب العمل الابداعي " الحقيقي " طالما ان هذا العمل يتحلى بأبسط شروط العمل الابداعي الفني من خلال السماح للقارئ بإنشاء وعي مدرك يتفهم النص المنقود.
النقد وفردية المنجز
الناقد العراقي أمجد نجم الزيدي يرى ان العملية النقدية في العراق والبلاد العربية هي عملية فردية في اغلب تجاربها، يقوم بها الناقد بملاحقة ما توفر لديه من منجز ابداعي، يخلق ربما تصورا منقوصاً عن ذلك النتاج في بلد معين او لجنس ابداعي ما لأن أغلب هذه المتابعات او التنظيرات النقدية لا تجد من يؤسس عليها لبناء نظري عام..ويضيف انه على الرغم من ان الكثير من النقاد يعملون على نفس المنهج النقدي لكن تبقى تصوراتهم والرؤى التي يدعون انها تؤسس لبناء معين منقطعة وفردية لأنها تنحصر بهذا الناقد ورؤيته ولا تجد لها امتداداً تأسيسياً، ..وبرأي الزيدي ان هذا ينطبق كذلك على النقد الاكاديمي حيث ان الكثير من الاطاريح التي كتبت عن المنتج الابداعي العربي بقيت في ادراج تلك الاكاديميات ولم تسع الى تأسيس متن نقدي نظري خارج عن كونه رؤية فردية خاصة بذلك الباحث.. ويزيد على رأيه بقوله:هذا ينطبق ربما على المهرجانات والمؤتمرات التي تنحصر مقرراتها بحدود جلساتها وأروقتها ولا نجد لها صدى خارجها.. ويمضي الزيدي بقوله: لذلك فملاحقة المنجز الابداعي تحتاج الى عمل مؤسسي تقوم به احدى المؤسسات الثقافية المعنية او ربما الاكاديميات، لتقديم آليات منهجية لقراءة ذلك المنجز ولتحديد ستراتيجيات عملية في كيفية فرزه وتقويمه والتأشير على جمالياته. وبحسب تصوره: ان العمل المؤسسي يختزل الكثير من الوقت الضائع ويسهل من عملية ملاحقة ذلك المنجز لان العمل سيوزع او يمنهج.. فالناقد الفرد ليس باستطاعته ملاحقة الكم الكبير من النتاج الابداعي العربي اليوم والذي اخذ يتسارع وبوتيرة عالية في بعض البلدان من خلال الانفتاح الذي حصل فيها وما وفرته الطباعة من فرصة لكل من يمتلك مالا فائضاً ان يطبع منتوجه بغض النظر عن مدى جودته والتي تجعل الامر شاقا على الناقد في عملية الفرز بين الغث والسمين..ويرى ايضا انه: يلجأ الكثير من النقاد الى الابتعاد عن النتاج الابداعي الى محاولة التنظير او معالجة الظواهر الثقافية والادبية والقراءات الصحفية السريعة وايضا الانغلاق لكثير من الدراسات وخاصة الاكاديمية على اسماء معروفة مع وجود بعض الاستثناءات القليلة وعدم فتح تلك الدراسات على المنتج الحديث او معالجة قضاياه وخاصة للكتاب الشباب..ويعطي الزيدي سببين: اولهما كثرة ذلك النتاج وتنوعه.. وثانيا تجنب المواجهة مع بعض مدعي النقد الذين يوزعون تقييماتهم لأي منتج كان ليس ضمن مقياس الجودة ولكن من خلال العلاقات الاجتماعية والمجاملات وقد ساعد على انتشارهم الانفتاح الذي وفره الانترنيت وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي كالفيس بوك وغيرها والتي انتجت كتاباً ونقادا بمواصفات معينة يؤازرون بعضهم البعض بعملية منفعية متبادلة لذلك بحسب الزيدي هناك منابر خاصة بهم وتجمعات مغلقة عليهم.
النقد والجهد والإفراز
الناقد العراقي حيدر جمعة العابدي يقول انه: يتوجب علينا أن نضع عددا من التعريفات التي توضح مفهوم النقد كممارسة إبداعية وفنية ومعرفية ترتكز في بنائها على فعل إعادة الإنتاج الثقافي بكل إشكاله..ويوضح ان: النقد عند الناقد والمفكر(علي حرب) هو( عملية فكرية تساعدنا على فهم ما نقول وما نقرأ من النصوص ومن ثمة مسألة وكشف وتفكيك وتعرية تلك النصوص عبر آليات علمية ومعرفية تهدف الى تحديد المنطق او المنهج الذي بنية عليه تلك النصوص او الخطابات ) . أما الناقد العراقي الدكتور(علي حسين يوسف) فقد عرف النقد بأنه ( عملية فكرية وإبداعية ساحة اشتغالها النصوص أيا كانت تهتم بتوصيف تلك النصوص وتحليلها وتقويمها ومن ثم اعادة قراءتها على وفق رؤية يفترض ان تقترب من الموضوعية والعلمية.. ومن وجهة نظر العابدي فإن : النقد هو فاعلية تهدف إلى كشف أنساق تعاملاتنا مع النص بوصف النص في جوهره خطابا موجها إلى جمهور معين.. ويعود الى السؤال فإنه يعتقد ان : هناك اختلافا واضحا في طبيعة ونوعية المنتج الأدبي كون النص او المنتج الأدبي هو رؤية العالم بكل ما يشتمل عليه العالم..ويضيف: أما المنتج النقدي فهو منتج يكون موضوعه النص الأدبي وهذا الاختلاف يعكس توجهات كل منتج فالأدب هو منتج يعتمد في اغلب توجهاته على استثمار الحياة داخل النص من خلال المخيلة والتوثيق والمشاعر والأحداث مما يتيح للمنتج الأدبي مساحة اشتغال كبيرة وواسعة في كافة المجالات الأدبية وهو ما يبرر الكم الكبير للنتاج الأدبي قياسا بالمنتج النقدي الذي لا يخضع لنفس هذه الآليات المتبعة في النتاج الأدبي أي الوجود والعالم وبالتالي قلة النتاج النقدية نابعة من كون هذه النتاج هو نتاج خاص بنوعية النص الأدبي والمنهج النقدي المتبع في النقد والمضمون الفكري وهو ما يجيب عن الشق الأول من التساؤل..وعن مفهوم النقد إن كان فوقيا.. يعتقد العابدي ان فيه تجنيا على النقد: كون النقد فعل يتخذ من النص الأدبي بكل أشكاله مركزا لاشتغاله أي علاقة تابع بمتبوع فلا يجوز نقد بدون نص ..ويرى : النص هو من يتيح للنقد البروز والتفاعل والتطور كمنتج تحليلي وتفسيري وتشريحي أدبي سواء كان هذا النقد أكاديميا أو غير أكاديمي وهو ما يفند القول ان النقد منتج متعال على المنتج الأدبي.