الكتاب: تاريخ جو ساكوتاليف: راشيل كوكترجمة: عبد الخالق عليفي كتبه يرسم ساكو نفسه دائما بنفس الأسلوب: أنيق و مكتنز مع حقيبة صغيرة معلقة بشكل متقاطع على جسمه و يحمل بيده دفتر ملاحظات صغيرا. من نظرة واحدة يدرك القارئ بأنه مراسل صحفي و في نفس الوقت مغترب وديع و هما صفتان تدفعانه ليس فقط لتوجيه ما يصعب من الأسئلة و إنما أيضا ليستمر في طرح الأسئلة حتى بعد ان يذهب جميع المراسلين المزعجين.
من الصعب قراءة التعبير على وجه ساكو اذ انه يبقي عينيه مختبئة باستمرار خلف بريق نظارته التي تشبه عيني البوم فكل من يريد ان يقرأ أعماقه عليه ان يعتمد على شفته السفلى بدل عينيه. هذه الشفة لها تعبيران فاذا كان محبطا او متحيرا او غاضبا فانها تتحرك للامام و تتدلى زواياها وعندما يكون سعيدا او يحتسي البيرة أو يغازل فإنها تتراجع للخلف لتكشف عن اسنانه الكبيرة التي تشبه اسنان الارنب. قد يكون اختفاء عينيه رسالة القصد منها ضرورة الاعتماد على المراسل – الراوي. يقول ساكو الذي يمتلك ملامح عفريت و عينين بنيتين " لو نظرت الى اولى صفحات كتابي الاول (فلسطين) فسترى بأني لم اكن قادرا على الرسم ابدا! في الواقع كنت اقرب الى السائح مني الى المراسل. كنت شخصا مبتدئا لا يدري الى اين يذهب او ماذا يفعل. منذ ذلك الوقت تعلمت كيف اتصرف. رسام الكارتون جو ساكو هو أحد النماذج العالمية البارزة في الرواية التخطيطية. و رغم مرور عشرين عاما لا يزال رسام الكارتون الاميركي هذا في نظر الناس هو مؤلف اثنين من الاعمال المتقنة: الاول (فلسطين) الذي يخبرنا فيه عن حياة سكان الضفة الغربية و غزة في بداية التسعينيات مع ومضات من عام 1948 و بداية الانتفاضة الاولى و حرب الخليج الأولى ; و الثانـــي (المنطقة الآمنة كورازد) الذي يصف تجربته في البوسنة في 1994- 1995.فاز كتاب (فلسطين) بإحدى جوائز الكتاب الاميركية و بيعت منه 30000 نسخة في المملكة المتحدة وحــــدها. كتــــــــب (سيد ادوارد) - في تقديمه للطبعة الكاملة من هذا الكتاب – يقول: " باستثناء واحد او اثنين من الروائيين و الشعراء لم يستطع احد ان يصور هذا الوضع المخيف للامور أفضل من جو ساكو ". أما كتاب (المنطقة الآمنة كورازد) فقد فاز بجائزة إيسنر لعام 2001 كأفضل رواية تخطيطية. ولد جو ساكو في مالطا عام 1960. هاجرت أسرته الى استراليا ثم الى اميركا و هو لايزال صبيا. كان والداه – الاشتراكيان – يشعران بالقلق من تأثير الكنيسة الكاثوليكية على حياة ابناء مالطا. يعتقد ساكو بأن تجارب والديه كان لها تأثير على مستقبله المهني. " كان الكثير من الاوربيين يلتقون هناك و كانت الحرب هي الشائعة عندهم انك تسمع عنها الكثير كنت اعتقد ان الصراع هو جزء من الحياة ". قرر ساكو ان يكون مراسلا صحفيا فحصل على شهادة في الصحافة من جامعة اوريغون. في البداية كان عمله مملا اذ عمل اولا في صحيفة تابعة لاحدى الجمعيات الوطنية و سرعان ما قرر ان يعمل لحسابه الخاص فأصدر مجلته الفكاهية ثم انتقل للعمل مع كادر صحيفة (الفكاهيين). في بداية التسعينيات و بينما كان يعيش في برلين بدأ يهتم بالشرق الاوسط " لم تكن لدي خطة محددة شعرت بالحاجة للذهاب الى هناك لأرى بنفسي. حاولت ان اكسب رزقي كرسام للصور الكارتونية لم اكن اعرف ان كانت لدي الشجاعة للذهاب الى الضفة الغربية! كنت اتسكع في القدس الشرقية وكنت اخشى ان التقي بأحد الصحفيين فيسخر مني اذ لايمكن ان يصدق ان بالامكان كسب العيش من هذا النوع من العمل. بصراحة اقول اني كنت اتصور ان الكتابة عن فلسطين هي ضرب من الانتحار التجاري و تأكد ذلك في تسعة اصدارات كانت مبيعاتها قليلة جدا. الاصدار الاخير بيع منه اقل من 2000 نسخة في الولايات المتحدة. عندما انجزت الكتاب التالي (المنطقة الآمنة كورازد) قررت ان اجعله في مجلد واحد لكي لا اتعرض للخذلان. هذا الكتاب هو الذي غيّر حظه " معظم الصحافيين الاميركان أيدوا موقفي بشأن البوسنة و استقبلوا الكتاب بحرارة لا توصف كما وصفته نيويورك تايمز بالكتاب البارز لذلك العام و حصلت على زمالة (كوكنهيم) التي ساعدتني ماديا. لذلك عندما ظهر كتاب (فلسطين) في مجلد واحد كان له صدى جديد و بيعت منه 60000 نسخة في اميركا كما ترجم الى عدة لغات و اعتقد بأنه الكتاب الذي يتذكرني من خلاله العالم منذ ذلك الوقت. " ملاحظات هامشية في غزة: هذا الكتاب الجديد و الأول له منذ ست سنوات يعيد ساكو الى فلسطين. و ربما يكون اكثر اعماله طموحا حتى الآن. لكن لماذا يعود؟ أليست هناك أزمات في اماكن اخرى يمكنه تغطيتها؟ يرفع كتفيه للاعلى كل ما يعرفه هو انه شعر قبل بضع سنين بأنه " مضطر " للكتابة عن غزة ; فالاحـــداث في هذا الاقليـــم جعلته يشــــعر "بالإثارة ". لذا سافر الى هناك في 2001 بصحبة الصحافي كريس هيجز بتكليف من مجلة هاربر. كانت الفكرة ان يذهبا الى احدى المدن لتسليط الضوء على تاريخها فقط. اقترح ساكو (خان يونس) حيث تذكّر شيئا قرأه في كتـــــــاب (مثلث القدر) لـ (نوام كومسكي) عن حادثة وقعت خلال ازمة السويس عام 1956 قتل فيها عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين على يد جنود اسرائيليين. لكن عندما نشر موضوع كريس كانت صور خان يونس مشطوبة. " لقد أثارني ذلك
نشر في: 26 يناير, 2010: 05:46 م