يحاول العراقي أن يقارن حالته بما هي عليه حالات أُممٍ أُخرى. لا فرقَ إن كانت أمماً متحضّرة، عصريّة، أم هي في طور التحضُّر، وأحياناً متخلّفة لكنها لا تزال تخضع لمعايير وضوابط وقيمٍ بطرياركية "أبوية". وفي كلّ الحالات يجد العراقي صعوبة بالغة في العثورعلى قواسمَ مشتركةٍ للمقارنة، وإن وجدها فهي تُقصيهِ إلى حوافّ الأمم التي لم تعد تحكمها معايير معروفة أو قيم متداولة إنسانياً، أو هي قيد التعريف وتسجيل الحالة على أنها "صُنعتْ في العراق" !
كان العراقي في أسوأ الظروف التي مرّ بها في ظلّ نظام البعث، يعرفُ أيّ حالة جورٍ وانتهاكاتٍ واستلابٍ للروح وانتزاعٍ للكرامات هو عليها. ويعرفُ العالم كلُّه أنَّ العراقي سجين وطنه، حبيس إرادته المُستلبة، مباحةٌ ثرواته الطبيعية، كما مباحةٌ ثرواته البشرية، ونظامه خارج كلّ توصيف تأخذ به الشرائع والمواثيق والاتفاقيات الأممية.
وإذا حاولتَ أنْ تتساءل اليوم وأنت مواطن تدّعي الانتماء إلى العراق، كيف لك أن تُجيب على سؤال يُصادفك أينما كنتَ، في بلدٍ متحضّرٍ أو متخلّفٍ أو بينَ بين، مَنْ أنتَ ..؟ فإذا أجبتَ بأنك عراقي، فستُواجَهُ بعلامة استفهامٍ كبيرةٍ ودهشةٍ واستغرابٍ من جوابك المُبهم.! فالعالَمُ لم يعد يكتفي بهذا التعريف المنغلق على نفسه، وهو يعرفُ أنّ العراق في حالة تشظٍّ وتشرذمٍ ومواجهاتٍ وصراعٍ على اقتسام الهوية العراقية ومدلولات كلّ قسمٍ فيها، ومصائر أهلها، وطبيعة مرجعيتها، وما إذا كانت لها ميليشيات مُسلّحة أم أنها اكتفتْ بتحصينات هويّتها، وسوّرت نفسَها بما في الدولة من قِوى غاشمة تستمدُّ القوّة من خارجها!
وتزداد حيرةُ العراقي حين يتوجّه بهذا السؤال مخاطباً نفسه، مَن أنا ..؟ ويحاول جاهداً أن يُقنع نفسه بما لديه من درايةٍ بنفسه وما هو عليه من كينونةٍ عراقيةٍ تمتدُّ في عمق التاريخ وتنطبع صورته في منجزاته التي تقرُّ بها الأمم المتحضّرة وتحتلّ لها مكاناً مشرقاً في سجلّ التاريخ البشري. ولكنّه يظلّ في حيرته، إذ يحاول أن يرى تلك الصورة في مرآة حاضره، فلا يرى منعكساً فيها غير خطوطٍ متكسّرةٍ، مُغبَشَةٍ، تتجاور وتتقاطع بخيوطٍ من الدم والفجيعة والضياع، فيصحو على نفسه ويجهش بالبكاء، فقد بات بلا هوية، ولم يعد يعرف مَنْ يكون، ولا ما يدور مِن حوله، وما هي الحال التي يعيش فيها، و مَنْ هم الذين يحكمونه، وكيف له أن يفيقَ من هذا الكابوس!
وَلِلحظةٍ يشعر العراقي باستعادة إرادته وقدرته على التغيير، فينتفضُ ويخرج شاهراً شعار الإصلاح والتغيير، ويظلُّ يرفع صوته بعزمٍ أشدّ مطالباً بالتغيير، فيقرأ في جريدة الصباح: لا تنسَ أنكَ في أُمّةٍ سُجِّلتْ في خانة " أُمم في الانتظار"، إذا أخطأ الحاكم فيها فليس من سبيلٍ أمامَه غير تغيير شعبه..!
ويتذكّرُ أنَّ صدام حسين قال يوماً: إذا تعرّضتِ "الثورةُ" للخطر، فسنترك العراق أرضاً بلا شعب، وإذا عُدنا فسنعوِّضُه بشعبٍ من الصعيد!
الحاكمُ إذا أخطأَ في دولةٍ مُتحضّرةٍ، ماذا يفعل؟.. وعندنا ؟!
[post-views]
نشر في: 5 يونيو, 2016: 06:32 م