كنّا صغاراً- إخوتي وأنا - لم نبلغ سن البلوغ بعد، ومع ذلك كان الوالد التقي يزيّن لنا صوم رمضان ، ويمنّينا بهدية وعيدية دسمة: دينار ورقي يدسّ بجيوبنا صبحية العيد.
كنا نمتثل لرغبة الوالد، طائعين او مرغمين — لا فرق — والدينار الورقي وطرق صرفه دون حسيب او رقيب يداعب خيالنا .
كنتُ حين يشتد القيظ في الظهيرة البصراوية. ويستفحل (الشرجي ) في الجو حتى ليتعذر عليك جرّ النفس، أتوجه لصنبور الحنفية المنصوب في زاوية الحوش ، للوضوء تمهيدا واستعدادا لصلاة العصر . … كان الماء المتدفق ملاذي للخلاص من وحش العطش ، كنت أعبّ ما أستطيع، مردّدة بصوت عال، وأحيانا بنبرة موسيقية ليسمعني من يمر في الجوار :: اللهم اسقني من حوض الكوثر، — ثم حسوة ماء.
اللهم اسقني من الكوثر — جرعة أخرى .
اللهم …..
……….
كان شهر رمضان مميزا في بيوت وأسواق البصرة ، وفي بيت أبي بالذات ، حيث يجري تحضير الغلة للهريسة والطبيخ ، وتهيئة الطحين ، وهرس البهارات والتوابل . و،،و،،،،
اليوم إذ أستعيد ذكريات قديمة حميمة ، وألمح بعين خبير ما آلت اليه الأمور من متناقضات ومفارقات ، أعجب ، حد ان يتناهى العجب من حدقات عيوني ::
عجبي لمن يصوم رمضان تقى واحتسابا ، ويصلي الصلوات الخمس ، ثم لا يتورع عن اغتصاب ما ليس له من مال او رياش او عقار .
عحبي لمن يصوم رمضان ، أو يصلى النوافل فجرا . ليبرر سرقاته ضحى . ويدلّس في الظهيرة ، ويبالغ في النفاق عند حلول المساء .
عجبي لمن يصوم ويتظاهر بالتقوى ، وطيّ ضلوعه تتوالد عناكب وعقارب الجشع والطمع والرغبة في إيذاء الغير .
عحبي لمن يُصلّي او يرتضي السكنى في ارض مغصوبة عجبي …..لمن يصوم مباهاة دون إدراك مغزى الحديث النبوي البليغ كم من صائم ِليس له من صيامه إلّا الجوع والعطش عجبي
رمضان ؟ وا،،عجبي.
[post-views]
نشر في: 8 يونيو, 2016: 09:01 م