TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > سلفيّون وليبراليّون جُدد

سلفيّون وليبراليّون جُدد

نشر في: 8 يونيو, 2016: 06:20 م

بينما أنشغلُ بالبحث عما وراء الموجة الأخيرة التي أثارها ليبراليون وعروبيون في صحف خليجية حول الحرب على الإرهاب، طالعتني إشعارات تويتر بتغريدة لداعية سعودي شهير يبشّر بانطلاق قناتين فضائيتين ستبثّان باللغتين الفارسية والتركية ويتم تموليهما من تركة أحد رجال الأعمال المتوفين.
كان المفتي، الذي بات يزاحم نجوم الشاشات في إطلالته المتكررة يومياً، جذلاً وهو يزفّ البشرى لانضمام مولود جديد إلى أُسرة فضائيات التطرّف والتحريض، والتجهيل التي اختطفت آلافاً من الشباب العربي والمسلم وألقت بهم في أُتون حروب طائفية عبثية منذ انطلاقة الجهاد الأفغاني في ثمانينيات القرن الماضي.
أعود من بُشرى المفتي الى ما تضخّه أقلام صحفية هذه الايام بالتزامن مع الضربات الموجعة التي يتلقاها تنظيم داعش الإرهابي في الفلوجة العراقية، والرقة ومنبج السوريتين.
فمنذ أكثر من أُسبوعين وهؤلاء الليبراليون الجدد يعزفون على معزوفة تهميش "السنيّة العربيّة"، بعدما استهلكوا معزوفة "تهميش السنّة" في العراق وسوريا لتبرير انبعاث الإرهاب الداعشي.
أصبح هذا الرهط من الكتّاب يتحدث عن مؤامرة أمريكية / إيرانية تستهدف "السنّة العرب" في المنطقة أجمعها بسبب تولّي قوات الحشد الشعبي "الشيعيّة"، وقوات سوريا الديمقراطية "الكردية"، مهامّ رئيسة في العراق وسوريا.
الطائفيون الجدد، ممن تحتكرهم الصحافة الخليجية، باتوا  ينظّرون لرؤية مُضلِّلة تتبنّاها دولة تقف على طرف الحرب المتأججة في المنطقة، وتسوّق الحرب على داعش في العراق والشام على أنها حرب بين متطرّفي السنّة ومتطرّفي الشيعة.
لا يرعوي هؤلاء عن تضليل وعي المتلقّي العربي وهم يدبجون مقالات مطوّلة عن "حلف شيطاني" بين المرشد الإيراني والرئيس الأميركي للقضاء على السنّة العرب في المنطقة، رغم اعتراف العالم وإذعانه، ممثلا بالأُمم المتحدة، بأنها حرب كونيّة ضد تنظيم إرهابي يعتمد قراءة مشوّهة للدين الإسلامي. لكنّ هؤلاء "المتنورون" يصرّون على وضع هذه الحرب في إطار مؤامرة كونية لاجتثاث السنّة العرب.
ولا يختلف خطاب هؤلاء الكتّاب عن خطاب المفتي سالف الذكر سوى بطريقة وأُسلوب تزييف الوقائع الراهنة وتشويهها، وإلّا فإن النتيجة واحدة،بل تكاد تكون متطابقة وهي تفضح ستراتيجية سياسية تستخدم الديني والعلماني لخدمة أهدافها ضمن اصطفافات منطقتنا المنكوبة.
إلا ان الخطورة لاتكمن بتبنّي رؤية معيّنة لهذه الدولة او تلك بقدر انها تتضاعف عندما يسوّقها نخبويون كجزء من وظيفتهم اليومية، في وسائل إعلام معينة، بعيداً عن اشتراطات الجدل العلمي الموضوعي.
وبينما يُكفّر المفتي مَن يختلف معه دينيا، يُكفّر الليبرالوي العروبي من يقفون في الضفة الاخرى، شيعة أم كرداً، في تماهٍ غريب] مع منطق طائفي، معروفة مرجعياته الدينية وسياقها التاريخي الدموي.
في خضمّ الأجواء الملتبسة التي نعيشها، يتبادل رجل الدين أعلاه والليبراليون الجدد الأدوار في تبرير الحرب الطاحنة التي دمرت العراق وسوريا، وتصل نيرانها الى ليبيا واليمن ولبنان ومناطق أخرى. فالأول يستخدم نسخته المتطرفة من الدين لتكفير الآخر ومنح الشرعية لجيوش المضلّلين (بالفتح)، بينما يُكرّس الثاني الانقسام الإثنو/ طائفي عبر التشكيك بحقيقة وجدوى دول راسخة في عمق التاريخ لصالح دول المصادفة البترولية. الأول يُشرعِن التطرّف دينيا، والآخر يسوّغ ذلك سياسياً وهو الاخطر.
وفي الوقت الذي لا يشعر فيه رجل الدين بأي تناقض وهو يمارس تحريضه وتكفيره للآخر المختلف معه متّكئاً بذلك على نص ديني حمّال أوجه خاضعٍ لمزاج التأويل البشري، فإن الليبرالويين الجدد لايملكون مثل هكذا حصانة، وبالتالي فإن التناقض يتبدّى جليّاً واضحاً بين سطور مقالاتهم المُتهافتة، ونبرات كلماتهم المتلعثمة.
وفي حين يبشّر السلفي الجديد بسقوط الدولة، التي لا يعترف بها أصلاً، وينبري مدافعاً عن أنصار الملة الحقّة، يكمل زميله الليبرالي بالإجهاز على دولنا الهشة من خلال التسويق لسيناريوهات التقسيم، وتحميلنا خطيئة سايكس بيكو بمناسبة أو من دون مناسبة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. ابراهيم الشمري

    بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم. .الاستاذ الفاضل ارجو من حضرتكم ان تعدل في كتابتكم فمثلما تذكر بخبر طائفي من جهة معينة عليك ان تعدل فتذكر ما تقوم به ايران من سلوك طائفي شائن قائم على تمزيق وتشتيت اﻻمة ونسيان قضايا الامة الاساسية مثل فلسطين

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram